تتجاذب السياسة الخارجية  التركية وموقفها "مساران و إختياران"، يذهب الإختيار الأول إلى:  الإنتظار  وارتقاب الأحداث وإستمالة أوروبا للتنسيق والتعاون والمشاركة، والإستمرار في تقديم الدور التقليدي سياسياً وإقتصادياً. غير أن الإختيار الثاني (والذي يبدو أكثر تأثيرا): يكمن في عدم هدر مزيد من الوقت ، وانتظار الإنعكاسات الدولية والإقليمية، بل  اللجوء لسياسة الإستباق والمبادرة ، والدفع بالصراع شرق وجنوب المتوسط  لحده الأقصي.
لقد أخضعت تركيا الخيار الأول للتجربة ولم تجد له أثر  ذا جدوي،  ومن ضمن أهم  المحاولات التركية الكثيرة والمتكررة والتي قامت بإختبارها، وبائت معظمها بإخفاق وفشل، (الجانب السياسي): لم تسمح، بل رفضت، أوروبا دخول تركيا ضمن الدول الأعضاء بالإتحاد الأوروبي، وعلى (الجانب الإقتصادي) :عدم السماح لتركيا باستكشافات المتوسط، بشكل مباشر وغير مباشر، وإنهيار  المعاهدة التركية-الإسرائيلية عام 2009  للتنقيب علي النفط والغاز شرق المتوسط، وبغض النظر عن إيجابيات الإختيار الأول  الا أنه لم يعد كافياً.
ولأسباب عديدة، نستطيع أن نوجز أهمها، الوهن والإنقسام و الفراغ الأوروبي، التعافي الروسي،  الصراع الليبي والسوري، الكساد  الإقتصادي العالمي، ميزان المدفوعات المرهق لإستيراد الطاقة (النفط والغاز)، والكثير، كلها، محددات ودوافع ساهمت في مفاضلة الإختيار الثاني، والتخلي عن الإختيار الأول لتركيا اليوم.
لقد صنع الموقف الدولي مناخاً خصباً للتجاوزات التركية للمنظومة الدولية، وساهمت هشاشة الأوضاع بعد الثورات التدخل والتصرف، فاذا نظرنا للواقع التركي - الليبي بعد توقيع اتفاقيتين (بشكل مرفوض) ، وقادم لترسيم حدودي بحري، يتضح لنا بشكل دقيق بأن الإستباق والدفع بالإختيار الثاني قد أفضي واجتذب خسائر كبري، ومن ضمنها: الدخول في صراع إقليمي، الاستنزاف العسكري وتعطيل الدور التركي بمنظمة حلف شمال الأطلسي، التعجيل بإتخاذ قرارات دولية تمهيداً لـــ "عقوبات اقتصادية"،  دفع دول منتدي حوض شرق المتوسط لتسريع سياسات المشاركة والإستكشاف والتنقيب وترسيم البحار في مواجهة الخطر القادم،  الإستمرار لمنع تركيا حق الإستكشاف بشرق المتوسط وبحر ايجا.
  لم تحقق تركيا تقدما، فعلي المستوي الدولي، خسرت الثقة والشركاء، وعلي المستوي الإقليمي، خسران الحلم  الإقتصادي والريادة، وفي الملف الليبي البديل للطاقة، فلم تستطع الوصول بمركبها "الوفاق" للهلال النفطي" ومن ثم خسران الرهان ، الأمر الذي عجل التضامن وتفعيل أدوار دول الطوق في مواجهة التطلع لتركي، ومنها مصر واليونان وقبرص، مع احتمالية تخلي إيطاليا عن وموقفها لصالح الموقف الأوروبي تعزيزاً واستمراراً.