قد لا يعلم الكثيرون منا، أن ما بعض ما حولنا من أجهزة كهربائية (موبايلات وشاشات وثلاجات وأفران) وغيرها، ما هي إلا نفايات إلكترونية.. نحتفظ ونتعامل بها داخل بيوتنا ومكاتبنا وفي كل مكان.. بحسبان أن ذلك مواكبة للتطور التقني، وضرورة فرضتها التعاملات التكنولوجية، بعد أن تحول العالم لقرية صغيرة بـ (العولمة).. لكنا نغفل ونجهل خطورة هذه النفايات الحديثة.. كيف لا وجهاز الموبايل وحده يحوي أكثر من (40) مركباً ساماً من (الرصاص) و(الزئبق) و(القصدير)!! بخلاف أن أكثر من (250) مليون بطارية موبايل حولنا تفرز آلاف السموم الملوثة التي تفضي للموت تدريجياً.. فضلاً عن أكثر من (1000) معدن سام عبارة عن مركب الشاشات والحواسيب!!
أطنان من نفايات العالم الأول، تهدد السودان وغيره من دول العالم الثالث، إذ تعتبرها الدول المتقدمة بمثابة (مكب نفايات) لها.. ورغم أن السودان حظر دخول الأجهزة المستعملة.. إلا أن جهات رسمية تتدخل وتفرج عن بعضها!!
ما الذي يحدث؟! التفاصيل في سياق التحقيق التالي:
- مسبب للسرطان
توصف النفايات الالكترونية بالخطرة لاحتوائها على عناصر ومركبات تؤثر تأثيراً واضحاً وخطيراً على صحة الإنسان والبيئة.
وتتوقف خطورة النفايات الإلكترونية على درجتها وتأثيرها البيولوجي، ومدى بقائها، والآثار الصحية والظروف المحيطة بدفنها، وتشمل أجهزة الاتصالات والمعلومات والحواسيب والهواتف المحمولة والأجهزة المنزلية والترفيهية وأجهزة القياس والتحكم، والأجهزة الطبية وغيرها.
وقد أسهم زيادة الإنتاج وارتفاع الطلب على الأجهزة، في زيادة معدل النفايات الالكترونية، كما أن التطور التقني المتسارع لم يلازمه إيجاد حلول علمية وعملية وصحية لإفرازاته. وتكمن خطورة النفايات الالكترونية في كميتها ومكوناتها السامة وكيفية التخلص منها، أما تأثيرها على البيئة فيتمثل في أنها تتسبب في كثير من الأمراض التي لم تكن معروفة من قبل، كالسرطان الذي استشرى بين (34%) من سكان العالم، وتوقع خبراء أن ترتفع هذه المعدلات ما لم يتم القضاء على النفايات الإلكترونية بنسبة (70%) خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
- أخطر جاسوس منظم!!
وللتفصيل أكثر حول خطر النفايات الإلكترونية، يقول الخبير البيولوجي الدكتور "نزار الرشيد"، إن أولها (الموبايل)، باعتباره أخطر (جاسوس منظم) تم اختراعه في العالم.. بسبب التكنلوجيا الموجودة فيه ويمكن رصدها.. وتكمن الخطورة في الإشعاع الذي ينتج الترددات الكهربائية والكهرومغناطيسية.. ويحتوي في تركيبته على أكثر من (100) معدن سام وخطر.. من بينها (الرصاص) و(المغنسيوم)، وهذه الترددات تتطابق إلى حد بعيد مع التي توجد في جسم الإنسان
- أجهزة (غير شرعية)!!
أدخل السودان أكثر من (300) مليون بطاريّة موبايل تفتقد جميعها الأرقام السرية!! هذا ما ابتدر به المهندس "جمال محمد أمين" حديثه في (منتدى مجلس الوزراء) ممثلاً لوزارة العلوم والاتصالات. وتشير آخر الإحصاءات لهذا العام إلى أن عدد مشتركي الموبايل بلغ أكثر من (37) مليون شخص، فيما شهد العام 2013م استيراد أكثر من (77) ألف جهاز موبايل بطريقة شرعية، هذا بخلاف أعداد مضاعفة لهذا العدد تدخل البلاد بصورة غير رسمية!! علماً بأن جهاز الموبايل الواحد إذا انطبقت عليه المواصفة القياسية يحتوي على أكثر من (40) وحدة تحوي مواد سامة، مثل (الليثيوم)، (الكادميوم)، (الرصاص) و(الزئبق)، وإجمالي الأجهزة التي أُدخلت البلاد رسمياً وصلت قيمته حوالي (3) ملايين جنيه.
على أن الخطورة العظمى لجهاز الموبايل تكمن في صناعته عن طريق التجميع، كما قال الخبير البيولوجي "نزار الرشيد"، مشيراً إلى أن الدول النامية هي الأكثر تضرراً في حال تصدير الأجهزة المستخدمة والأقل سعراً وجودة ومواصفات، إليها، مضيفاً أن قبول التبرعات بمثل هذه الأجهزة يؤثر سلباً على استدامة التنمية في الدول النامية.
وإلى جانب الموبايل تشمل النفايات جميع الأجهزة الالكترونية التي تستخدم التيار الكهربائي، والمجالات الكهرومغناطيسية، مثل الحواسيب والثلاجات و(اللمبات) ومنتجات البلاستيك والمنتجات الورقية والأفران والمايكرويف والراديو وبطاريات العربات وبطاريات الكهرباء.. وجميع هذه المخلفات تعتبر سامة عند طمرها أو حرقها أو تفكيكها لما يحويه باطنها من مواد سامة.
- تقنية معقدة
من جانبها تحدثت ممثل الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس الأستاذة "مها محمد محمد خير" عن طرق اكتشاف النفايات الالكترونية والإجراءات المتبعة في ذلك، وقالت إن تقنية الصناعات الإلكترونية معقدة، وتحتوي على مواد سامة، وعمرها الافتراضي قصير، وتخضع لتغييرات سريعة. مضيفة أن بعض الدراسات تشير إلى إنتاج ما يزيد عن (50) مليون طن سنوياً على نطاق العالم، والولايات المتحدة الأمريكية وحدها تتخلص من حوالى (30) مليون حاسوب، فيما تتخلص الدول الأوربية من حوالي (100) مليون جهاز هاتف نقال.
وأشارت "مها" إلى أن خطورة النفايات تكمن في احتوائها على (البروم) و(الكادميوم) و(غاز الكلورين) السام، ومواد أخرى مثل الزجاج والبلاستيك والكربون الصلب، وهي عناصر يصعب التخلص منها أو إعادة تصنيعها.. ما يجعلها مصدراً للتلوث.. وصناعة الأجهزة الكهربائية تستحوذ على (24%) من الاستهلاك العالمي لـ (الزئبق).. كما أن النفايات الإلكترونية السامة مهدد للبيئة، مما جعل عمليات التخلص منها أو إعادة تدويرها تمثل مشكلة في جميع أنحاء العالم، كما أن الحواسيب الإلكترونية المستعملة وأجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية، والأجهزة الكهربائية، تحتوي على الفسفور الذي يتم دهن شاشات الحواسيب به، و(الباريوم) المستخدم في اللوح الأمامي للشاشة للحماية من الإشعاع واللدائن.. والرصاص الذي يقدر بحوالى (2) إلى (3) كيلوجرام تبعاً لحجم الشاشة.. و(الرصاص) المستخدم في الدوائر المطبوعة.. و(الكادميوم) المستخدم في الدوائر الالكترونية المتكاملة.. والمقاومات والمكثفات الموجودة بالأجهزة الكهربائية.
- دراسات ذات صلة
وتشير التقارير الأكاديمية إلى أن النفايات المجمعة في بعض الدول الأمريكية تصدر إلى "أفريقيا" أو "آسيا"، وأن التشريعات المختصة بالنفايات ما زالت تضفي شرعية قانونية على عمليات تصديرها تحت تصنيف (أجهزة مستعملة). وتشير الدراسات إلى زيادة كبيرة في انتقال المعدات الالكترونية المستعملة مثل الثلاجات والتلفزيونات والحواسيب الشخصية وما يرتبط بها من أجهزة وهواتف نقالة.
وأضافت الأستاذة "مها محمد خير" أن الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس تقوم بالرقابة على السلع الواردة بما في ذلك الالكترونيات والكهربائيات، واستشعاراً منها بخطورة النفايات الالكترونية صدر قرار من المدير العام بمنع دخول الأجهزة الالكترونية والكهربائية المستعملة إلى السودان، وبناء عليه تقوم الجمارك بحجز أية الكترونيات وكهربائيات مستعملة بأنواعها كافة. واستطردت "مها": وتجري الفحص على الالكترونيات الواردة مجموعة من المهندسين والفنيين بالهيئة، ويبقى التحدي في طرق التخلص منها بعد حجزها بالموانئ، وغالباً ما تباد بالحرق، ما يؤدي إلى تلوث بيئي تزداد خطورته بازدياد النفايات المبادة، ويمكن حل هذه المشكلة بإصدار القوانين التي تجبر مستورد النفايات على إعادة تصديرها إلى البلد المستوردة منه، لتفادي التخلص منها في السودان. وأضافت محدثتنا بقولها: إن قانون حظر الأجهزة الالكترونية واضح، إلا أننا في المواصفات دائماً ما نتعرض لضغوط من جهات عليا تطالب بالإفراج عن الأجهزة الكهربائية المستعملة التي تورد بالحاويات في شكل منح وهدايا!!
- مكب نفايات الدول المتقدمة
وتتبع الدول المتقدمة مثل (اليابان) سياسيات واضحة تلزم الشركات المنتجة للالكترونيات بالتخلص منها بصورة آمنة دون إلحاق أذى بالبيئة، فمثلاً شركتا (سوني) و(نوكيا) اللتان تنتجان الملايين من أجهزة الهاتف النقال، تمنحان المشتري أو الزبون كرتاً يستطيع بموجبه بعد انتهاء صلاحية المنتج إعادة الجهاز للشركة المصنعة وإلزامها بالتخلص منه بطريقة صحية وآمنة، هذه الطريقة أسهمت في حل مشكلة النفايات عملياً، فيما تهربت بعض كبرى الشركات في مجال الكمبيوتر كمايكروسوفت و(اتش بي) و(ديل) من هذه الجهود.
- مشكلة عويصة
ومن جهة أخرى أصدرت العديد من الدول، منها "الولايات المتحدة الأمريكية" و"بريطانيا"، تشريعات تجبر المواطنين على فرز نفاياتهم أثناء وضعها، كل حسب نوعه، لتسهيل عملية التدوير. فيما تعاني دول العالم الثالث تخلفاً في هذا الأمر، وتواجه بضغوطات تمارس عليها للقبول بنفايات الآخرين، ولا تمتلك مؤهلات تخول لها القيام بإعادة تدوير هذه النفايات، فضلاً عن عدم وجود مكبات لها، وما أنشئ منها في المناطق الطرفية أصبح بدوره من الملوثات السامة للبيئة ولصحة الإنسان.
إذن لا بد من مواجهة غزو النفايات الإلكترونية بسن قوانين وتشريعات واضحة ومُفعَّلة وزيادة الوعي بخطورتها وإلزام الشركات الموردة للأجهزة بضرورة التخلص منها.
* صحيفة المجهر - ابتهال إدريس