قال الوزير والدبلوماسي الجزائري الأسبق عبد العزيز رحابي في مقابلة مع "بوابة إفريقيا الإخبارية" بالجزائر العاصمة، أن الجزائر تعيش حرب استنزاف على حدودها والغرب يريدها أن تلعب دور دركي المنطقة، وتحدث الوزير عن عملية الكرامة في ليبيا التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حيث عبر عن تفاؤله بنجاح الحل الوطني السلمي في ليبيا وأن معركة الكرامة ستنجح، لأنه قد ظهر وعي لدى الليبيين بأن السلاح ليس حلا في وطنهم، وأن الوفاق السياسي هو الحل لأن الجماعات الإرهابية وانتشار السلاح كان ضمن الحل الأجنبي. وتحدث رحابي أيضا عن الجيش الجزائري على الحدود والدور الإقليمي الذي تلعبه الجزائر في المنقطة، وكذا عن ضرورة أن تتقاسم المجموعة الدولية تكاليف الحرب على الإرهاب في الساحل. وقال أن قطر والمغرب تقومان بدور مسند إليهما من جانب فرنسا في مالي.

بوابة إفريقيا الإخبارية: قال مسؤول بوزارة الدفاع الجزائرية أن الوضع على الحدود يبعث على القلق، على ضوء هذا التصريح، ما هي برأيكم تداعيات الأزمة الليبية على الجزائر؟ وهل هناك مخاطر انزلاق أمني يهدد المنطقة؟
عبد العزيز رحابي: أولا الوضع يبعث على الأقل منذ مدة طويلة، أي منذ انتهاء حرب أفغانستان، وتحولت جماعات إرهابية إلى الساحل، وهذا لسبب بسيط، لأن دول الساحل ضعيفة وهشة، والقبائل فيها قوة والرشوة كبيرة والسلطة المركزية ضعيفة، وهذا هو الذي جعل الجماعات الإرهابية تتحول إلى المنطقة، ثم بالطبع جاء مشكل مالي ومشكل ليبيا، والثورات الشعبية في تونس وفي ليبيا، وهو ما خلق تفاقم في الوضع، ولكن هذا ليس بالجديد.
بوابة إفريقيا الإخبارية: الوضع في ليبيا الآن، ما هي تداعياته على تونس، ومصر، والسودان، وأيضا مالي وكل دول المنطقة؟
عبد العزيز رحابي: أولا في ليبيا المسؤولية الأولى ترجع للدول الغربية لأنها كانت وراء الثورة في ليبيا بنسبة كبيرة، ثانيا استقرار ليبيا ليس مسؤولية الليبيين وحدهم بل هي مسؤولية إقليمية ليس فيها الجزائر فقط، ثم قضية مسؤولية دولية، لأن كان هناك تدخل للجيوش الغربية تحت مظلة الأمم المتحدة، فبالتالي فهذه ليست بالمسؤولية الحصرية للشعب الليبي. والمشكل في ليبيا ليس هو نفسه الموجود في مالي أو في تونس، لأن الأسلحة في ليبيا متطورة وموجودة ومتوفرة بكثرة، وهناك أيضا الحدود مع ليبيا، والمشكل في ليبيا هو أنها ليست بلد فقير. فبالتالي التحديات ليس أمنية فقط ، فهي اقتصادية كذلك. وأعتقد أن لكل مشكل تداعيات خارجية، ليس السودان فحسب، بل هذه المشاكل هي عابرة للقارات، فالإرهاب هو ظاهرة أمنية عابرة للقارات، فالإرهاب ليس بمشكل جزائري، أو تونسي، أو أفغاني، فالجميع أقر بأن الإرهاب هو عابر للقارات، والغاية من وجوده هو إضعاف الحكم، ومسؤولية محاربته هي على عاتق كل الدول.
بوابة إفريقيا الإخبارية: ما تعليقكم على ما موقف الخارجية الجزائرية بخصوص رغبة حفتر بالتنسيق مع الجزائر؟
عبد العزيز رحابي: لم أقرء تصريح لعمامرة، لكن أعتقد مبدئيا أن العقيدة الجزائرية هي أن الدولة تتعامل مع الحكومات ولا تتعامل مع المجموعات أو سلطة غير رسمية، وأعتقد أن هذا الرد يدخل في إطار العقيدة العامة للسياسة الخارجية الجزائرية لأنه لو كان هناك طلب رسمي ليبي لتعاملت الحكومة الجزائرية مع هذا الطلب. 
بوابة إفريقيا الإخبارية: ما رأيكم في الطريقة التي تدير بها الجزائر الأزمة؟ 
عبد العزيز رحابي: تعرف مشكلتنا في ليبيا هو أن الموقف الرسمي لما جرى في ليبيا من قبل كان خجولا جدا، الجزائر تراجعت كثيرا في ليبيا لأن الحكومة الجزائرية كانت تتوقع أن القذافي سيقاوم ويقضي على من يسموا " الثوار "، فتقييم الجزائر كان خاطئا، والعامل الثاني هو أن الجزائر خسرت ود الشعب الليبي، ولا تملك الآن أصدقاء في ليبيا، إذن فليس لدينا حلفاء ولا أصدقاء في ليبيا، لدينا فقط علاقات رسمية مع الحكومة الرسمية، وبالتالي فضعف الموقف الجزائري يكمن هنا، فهذا غير كاف كي يكون لديها موقفا قويا، وجب أن يكون لها مصالح قوية وجماعات نفوذ وأن " يحبك الشعب "، لذلك، فضعف موقفنا اليوم هو نتيجة موقفنا مما جرى في ليبيا منذ ثلاث سنوات.
بوابة إفريقيا الإخبارية: الجيش الجزائري أمام تحديات أمنية كبيرة، هل ما تم اتخاذه من إجراءات بخصوص تكثيف التواجد العسكري عبر الشريط الحدودي مع ليبيا كاف لمواجهة أي خطر إرهابي قد يأتي عبرها؟ 
عبد العزيز رحابي: هو إجراء ضروري ولكن غير كاف، فالجزائر اليوم تكتفي بدور أمني وعسكري، يفوق قدرتها، فنحن ليس لدينا قدرة كي نحافظ على حدود تمتد على 6500 كيلومتر، لأن كل حدودنا هشة، من حدودنا مع المغرب إلى حدودنا مع تونس، فبالتالي يستحيل من الناحية الأمنية أنك تؤمن كل هذه الحدود ضد ظاهرة ليس لدينا فيها مسؤولية، فمادام هذه ظاهرة إرهابية دولية، فالمسؤولية عامة للمجوعة الدولية ومن المفروض كل الدول تساهم في حل هذا المشكل، والمشكل أن الجزائر أنها ستدفع ثمن حرب استنزاف في المنطقة.
بوابة إفريقيا الإخبارية: على ضوء ما ذكرتموه، كيف ستؤثر هذه الأزمة على الاقتصاد الجزائري؟ 
عبد العزيز رحابي: الجزائر ستعيش حرب استنزاف في حدودها تكلف الخزينة أموال باهظة، وهذا ثمن الأمن ولا أقول لك أن لا تفعل ذلك لأنه ثمن، لكن في الحقيقة هو من باهظ ومن المفروض أن تتحمله الجزائر وحدها، بل كل المجموعات الدولية ويتحمله كل الذين كانت لديهم مسؤولية في الإطاحة بالنظام السابق، ولا أقول لك أن القذافي كان جيدا، بل الذين أطاحوا بنظام القذافي عندهم مسؤولية في استقرار ليبيان ومن المفروض أن يكملوا مهمته، فليس كافيا أنك تزيحه من الحكم بل أن إتمام المهمة، أنا لا أدافع عن القذافي.
بوابة إفريقيا الإخبارية: كيف تتوقون أن تنتهي الأزمة في ليبيا؟ 
عبد العزيز رحابي: أنا متفاءل كثيرا، متفاءل أن يحصل وفاق داخل في ليبيا، المشكل في ليبيا هو ليس أنها مقسمة إلى ثلاث جهات بل المشكل هو وجود البترول والغاز، وأنا متفاءل تماما مثلما كنت الوحيد في الجزائر الذي تفاءل بانفراج الأزمة وحدوث وفاق في تونس، أنا متفاءل لأن الليبيين وصلوا إلى الحد الأقصى من الأزمة وأن هذه الأخيرة ستتراجع في ليبيا وسيكون هناك حل.
بوابة إفريقيا الإخبارية: سنشهد تدخلا عسكريا أجنبيا في ليبيا كحل من الحلول؟
عبد العزيز رحابي: لا أعتقد أن يكون هناك تدخلا أجنبيا لأن الليبيين قد توصلوا إلى قناعة بأن الحل سياسي وليس العسكري، انتهى دور الحل العسكري في الأزمة الليبية، فهي كانت تتراجع بين العسكري تارة والسياسي تارة أخرى، وبعد لما تصل لمستوى معين من الأزمة، يأت الحل السياسي التوافقي ليفرض نفسه داخل ليبيا.
بوابة إفريقيا الإخبارية: هل سينجح اللواء حفتر في تطهير ليبيا من الجماعات " الجهادية " ضمن ما يسمى عملية الكرامة؟
عبد العزيز رحابي: هو أكيد ستنجح عملية الكرامة أكيد ستنجح، شوف، سميها عملية الكرامة أو أي عملية ثانية، فالحل الوطني سينجح، فالحل الوطني ضد الحل الأجنبي، الجماعات الإرهابية هو حل غير ليبي، لا تحل المشاكل في ليبيا بالسلاح.
بوابة إفريقيا الإخبارية: لكن الجماعات الإرهابية تستغل التراب الليبي حاليا؟
عبد العزيز رحابي: ولكن الجماعات الإرهابية كانت تستغل التراب الليبي، ماذا فعلت، هل نجحت؟ طبعا لا، هذه حكاية فارغة، هل تعرف؟ إن الشيء الذي يبرز في ليبيا اليوم هو الوعي المدني بأن الحل ليس أمنيا، أن الحل ليس عسكريا بل سياسي، هل تعلم ما الذي يخلق الوعي؟ تخلقه الأزمة، فهذه الأزمة عاشتها الجزائر عاشتها تونس وعاشتها كثير من الدول، وبعد ثلاث سنوات الأخيرة، تبين أن الحل السياسي السلمي سيفرض نفسه لأن كل الجماعات في ليبيا بما فيها المسلحة لديها قناعة أن الحل لا يمكن فرضه عسكريا. وأنا لا أعرف حفتر بل أتوقع الحل السياسي في ليبيا.
بوابة إفريقيا الإخبارية: في أي سياق تقرؤون الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الفرنسي إلى الجزائر في هذا الظرف بالذات؟ 
عبد العزيز رحابي: تعرف. أنا تخوفي الوحيد هو أن تتحول الجزائر إلى باكستان المنطقة، يعني مادام عندها إمكانيات وعندها خبرة، سيخول لها دور دركي المنطقة، لماذا؟ أولا: لأن هذه الدول الغربية عندها سلطات مضادة، لديها برلمان يمنعها أن تخوض حرب خارج حدودها، ولا يسمح لها أن تكون لديها ميزانية خاصة بذلك لأنهم يعيشون في أزمة اقتصادية في أوروبا، فخولوا هذا الدور إلى الجزائر، وأرادوا أن يجعلوا منها دركي المنطقة وهذا هو تخوفي الكبير من الناحية الإستراتيجية، فالجزائر أصلا تعيش حرب استنزاف، وهم ( يقصد الغرب ) يريدونك أن تؤمن حدود الساحل كي تؤمن بطريقة غير مباشرة حدود أوروبا، يعني شنغن تنزل إلى تنزاواطين، شنغن سوف لن تبدأ من مرسيليا أو أليكونت، بل تبدأ في تينزاواطين ( تمنراست )، أي من منطلق أنهم يريدون تأمين أوروبا من تنزاواطين، هذه في نظرية الأمن تسمى " الحلقات " لذلك فالحدود الأوروبية تصبح في تينزاواطين ويريدون من الجزائر أن تلعب هذا الدور، والمقابل هو مقابل سياسي أي يرضون عن الحكام في هذا البلد.
بوابة إفريقيا الإخبارية: في الشأن المالي، تم مؤخرا توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، وهناك مساعي للعودة للمفاوضات، هل يمكن للجزائر الدفع بالحوار إلى الأمام من خلال لعب دور الوساطة؟
عبد العزيز رحابي: سأعطيك دور الجزائر جيدا لأنني اشتغلت على هذا الملف، وأقول لك، للحكومة المركزية في مالي مسؤولية مباشرة في الأزمة الحالية وحتى كل الحكومات التي تداولت على السلطة في مالي، لماذا؟ لأن هذه الأنظمة أنظمة مركزية لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية، والسلطة في باماكو تسير على نمط الفرنسي في القرن التاسع عشر، سلطة مركزية، كل شيء تمركز في باماكو، هناك تهميش للعرب وللبربر وهذا التهميش الذي وقع خاصة للبربر في الشمال على الحدود مع الجزائر، هو تهميش اقتصادي، تهميش سياسي، تهميش في المرافق السياسية، وفي الإدارة بباماكو، وهذه لعبت دورا كبيرا في الأزمة في مالي، هذه أزمة نظام كذلك وليس أزمة أمنية، بل في طبيعة النظام في مالي، لذلك الحل للأزمة في هذا البلد هو الوفاق المدني، في الحوار الوطني في مالي.
بوابة إفريقيا الإخبارية: هل للمغرب دور في الوساطة بين الطوارق والحكومة؟
عبد العزيز رحابي: لا ليس للمغرب دور لأنه يلعب فقط دور داخل الإستراتيجية الفرنسية هو وقطر، ثم أن المغرب ليس له إمكانيات ولا يملك حدود مع الساحل، لذلك فأنا أستبعد أي دور له، فقطر والمغرب توظفهما فرنسا، فالدولتان ترسلان الأئمة الأطباء المعلمين للساحل، تنشط من خلال الزاوية التيجانية وما شابه ذلك.
بوابة إفريقيا الإخبارية: وماذا عن الجزائر ودورها في مالي؟
عبد العزيز رحابي: لا الجزائر ليس لديها دور، بل لديها مسؤولية إقليمية لأن لديها حدود مع سبع دول، فرق بأنك تلعب دور مخول لك، وأن تكون عندك مسؤولية إقليمية.
بوابة إفريقيا الإخبارية: ما رأيكم جهود الجزائر في حل مسألة رهائنها الدبلوماسيين في غاو؟
عبد العزيز رحابي: صعب، صعب، وهذه أمور حساسة، أنا فكر فيهم وفي عائلاتهم أكثر، وليس لي معلومات عن المفاوضات والأطراف المفاوضة، 
بوابة إفريقيا الإخبارية: هل ترون أن حركة عدم الانحياز اليوم لها جدوى في ظل تغير الخارطة الجيو- سياسية في العالم؟ 
عبد العزيز رحابي: هو كل ما من شأنه أن يعطيك دورا للدبلوماسية مرحبا به، وكل ما من ما شأنه أن يخرجك من هيمنة الغرب على العلاقات الدولية مرحبا به، لأنه لا تنسى أن أفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية هي الدول ضعيفة هي الموجودة في حركة عدم الانحياز، فهذه الدول في حاجة إلى فضاء تتحدث فيه، وقد تأثر به لأن لها نفس المشاكل كالتنمية التسيير وكذا سيطرة الغرب على العلاقات، وليس هناك قوة دبلوماسية مضادة مما عزز هذه الهيمنة، كانت في السبعينات من القرن الماضي الشيوعية مقابلة للغرب الرأسمالي، وعدم الانحياز تلعب بينهما، فالتوازنات هامة في العلاقات الدولية، والآن الحركة لم يبقى لها ذاك الوزن الذي كان لها في السبعينات لأنها كانت تلعب دور التوازن بين الشرق والغرب لكن الآن أصبح كله غرب، العلاقات الدولية الآن يحكمها الاقتصاد ..
بوابة إفريقيا الإخبارية: وماذا عن الدبلوماسية الجزائرية؟
عبد العزيز رحابي: الجزائر لها دور تاريخي في المنطقة، وأعتقد أنه منذ مجيء هذا الرجل ( يقصد وزير الخارجية رمطان لعمامرة ) حرفي دبلوماسي، بدأت الجزائر ترجع إلى فضاءاتها الإقليمية منها إفريقيا وحركة عدم الانحياز، ومازلت تنقصها القضية العربية خاصة فلسطين.