مازالت ليبيا ومنذ سنوات مضت تعاني من الانقسامات السياسية التي أدت الى تنامي حدة الصراعات المسلحة في البلاد التي تواصل دفع ثمن العنف الذى إستشرى فيها مع استمرار حصد أرواح العديد من المدنيين،الذين باتوا وقودا للحروب المستعرة في ليبيا كونهم الفئة الأضعف والأكثر عرضة للانتهاكات والجرائم التي تحدث في الحروب.

وتحدث تصعيدات دورية للنزاع عندما تتنافس الجماعات المسلحة على النفوذ والسيطرة على الأرض، الأمر الذي يعرض حياة المدنيين لخطر كبير. وتشمل المخاطر التي يتعرض لها المدنيون الوقوع وسط تبادل إطلاق النار، والهجمات المستهدفة، ومخلفات الحرب من المتفجرات،علاوة على الإختطاف والإعتقال التعسفي والإغتيالات.

آخر إحصائيات الضحايا المدنيين،كشفه الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة الذي أكد أن البعثة الأمميةـ وثقت هذا العام وقوع ما لا يقل عن 647 ضحية في صفوف المدنيين في ليبيا (284 حالة وفاة و 363 جريحاً).وقال سلامة في بيان له بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان أنّ النزاع المستمر في ليبيا تسبب في وقوع خسائر فادحة بين المدنيين، وتابع بالقول: "حيث أنه لا يوجد حل عسكري، تواصل الأمم المتحدة دعوتها لوقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات".

وحول المخاطر التي تعرض لها المدنيون وطرق استهدافهم أضاف سلامة في بيانه: "كانت الغارات الجوية السبب الرئيسي للخسائر في صفوف المدنيين والتي بلغت 394 ضحية (182 حالة وفاة و 212 جريحاً)، يليها القتال البري وعمليات الإعدام بإجراءات موجزة والعبوات الناسفة وعمليات الاختطاف والقتل".

وتابع البيان أنّه "خلال الفترة ذاتها، وثقت منظمة الصحة العالمية 61 حالة اعتداء مرتبط بالنزاع على مرافق الرعاية الصحية والعاملين فيها، وذلك في زيادة بلغت 69 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018. وقد أضرت هذه الاعتداءات بـ 18 مرفقاً صحياً و20 سيارة إسعاف و40 موظفاً من العاملين في المجال الصحي".

كما حذر سلامة من "تعرض المهاجرين واللاجئين في ليبيا على نحو متكرر للاعتقال التعسفي والتّعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي والاختطاف طلبا للفدية والابتزاز والسخرة وأعمال القتل غير المشروع".ودعا المبعوث الدولي إلى "الإغلاق التدريجي لجميع مراكز احتجاز المهاجرين، وتوفير المأوى والحماية وسبل الاستقرار الآمنة والقانونية لهم".

وفي سياق متصل، كشف مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة في ليبيا، الأربعاء 11 ديسمبر 2019، أن نحو 897000 ليبي بحاجة إلى المساعدة الإنسانية في عام 2020.وقال المكتب في بيان أصدره، "إن رقم يمكن أن يزداد مع تصاعد العنف والاشتباكات واستمرار حالة النزوح.

واشار إلى أن الوضع الإنساني معقد بشكل متزايد، خاصة مع تصاعد العنف، بما في ذلك اشتباكات طرابلس منذ أبريل والاشتباكات في مرزق في أغسطس، كما أن استمرار انعدام الأمن والاشتباكات تسبب في نقص الأدوية في تاورغاء.وأكد منسق الشؤون الإنسانية لدى الأمم المتحدة في ليبيا يعقوب الحلو، على الحاجة إلى استعادة الخدمات الأساسية للمتضررين من النزاع في البلاد.

وتشهد العاصمة الليبية طرابلس معارك عنيفة منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي بين قوات الجيش الوني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج.وتسببت المعارك بين الجانبين في مقتل 1093 شخصا وإصابة نحو 6 آلاف آخرين، إضافة إلى نزوح قرابة 120 ألف شخص من مواقع الاشتباكات، بحسب الأمم المتحدة.

وتزداد المخاوف من تأثيرات الصراع المتنامي في عدة مناطق ليبية،وهو ما أشارت اليه اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا،اعتبرت في بيان أصدرته الأربعاء بمناسبة الذكرى السنوية السبعين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن هذه الذكرى في ظل أوضاع وتحولات خطيرة لحالة حقوق الإنسان بليبيا،مشيرة الى أن الشعب الليبي لازال يعاني من انتهاكات جسيمة لحقوقه الأساسية ومن جرائم التمييز والقتل والاختطاف والتعذيب والتشريد والتهجير القسري الجماعي للمدنيين بداخل وخارج ليبيا.

وأكدت اللجنة في بيانها، على ضرورة التزام السلطات الليبية بالمبادئ التي تضمنها الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، وضمان حماية وصون وتعزيز حقوق الإنسان والحريات العامة في ليبيا،وضرورة احترام حقوق الإنسان ليبيا مهما كانت الظروف،مطالبة مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بأن تلتفت إلى معالجة جذور المشاكل لإيجاد حلول دائمة بدلاً من التركيز على الحلول قصيرة المدى وإنهاء حالة الإفلات من العقاب والملاحقة القضائية لمن تورطوا بممارسات انتهاكات حقوق الإنسان واستهداف المدنيين في ليبيا، وان تتم مكافحة الإفلات من العقاب.

وتأتي هذه الاحصائيات المفزعة في وقت تتزايد فيه التدخلات الخارجية لتأجيج الصراع ما ينذر بمزيد من الضحايا في ليبيا.فبالرغم من الحظر الشامل الذي فرضته الأمم المتحدة على توريد الأسلحة إلى ليبيا منذ عام 2011،تواصل تركيا تحديها للمجتمع الدولي واستهتارها بدماء الليبيين من خلال تدخلها في الصراع الدائر في طرابلس خدمة لأجنداتها الرامية لاستمرار الفوضى.

وأعلن الرئيس التركي مؤخرا استعداده لارسال قوات بلاده الى ليبيا في تطور خطير يهدد بمزيد من العنف في البلاد.وقال أردوغان في حديث لقناة "تي آر تي" التركية: "إذا أرادت ليبيا ذلك، فإن تركيا ستتخذ قراراً بشكل مستقل، ونحن لن نطلب إذناً من أحد بهذا الشأن، وتركيا مستعدة لتقدم أي دعم لليبيا".وهو ما اعتبر اعترافا واضحا من الرئيس التركي بالانخراط في الحرب الدائرة في ليبيا.

ويأتي تصريح أردوغان أياما قليلة في أعقاب توقيع مذكرتي تفاهم بين حكومة الوفاق وأنقرة اللتين أثارتا رفضا محليا ودوليا واسعا.وأعتبرت المذكرتين ستارا لدعم عسكري قادم من أردوغان لحلفائه وهو ما أكدته تصريحات  آمر سلاح المدفعية في عملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، العقيد فرج مصطفى إخليل،التي ألمح فيها إلى قرب وصول شحنة أسلحة ومعدات عسكرية وطائرات مسيّرة تركية جديدة إلى العاصمة طرابلس، لدعم الميليشيات المسلّحة في مواجهة تقدم قوات الجيش الليبي.

ومن جانبه،أعلن المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري  أن الجيش لديه معلومات تؤكد تحضير مطار معيتيقة لاستقبال آليات تركية.وقال المسماري  في مقابلة مع "العربية" مساء الثلاثاء   إن  الدعم التركي لقوات الوفاق في طرابلس تحول من السر إلى العلن، مؤكدا أن المعركة التي يخوضها الجيش الوطني إقليمية وليست محلية فقط،مضيفا ان وقت المفوضات انتهى  وحان وقت البندقية.

وتأتي هذه التحركات التركية التي تهدد باشعال الصراع في ليبيا والمنطقة ككل،في وقت يستمر فيه الصمت الدولي تجاه الانتهاكات المتكررة لحظر توريد الاسلحة الى ليبيا وتنامي التدخلات الخارجية التي تهدد بمزيد العنف مع تواصل الخلافات الدولية حول الملف الليبي.وكان المبعوث الاممي إلى ليبيا؛غسان سلامة وصف في نوفمبر الماضي،مجلس الأمن بالعقيم بسبب عجزه عن إيجاد أي تسوية للمسألة الليبية.

واستشهد المبعوث الأممي على وصفه لمجلس الأمن الدولي بالعقيم بالعجز الذي يواجهه أمام ملفات كثيرة من بينها الملف الليبي الذي عجز بعد 14 اجتماعا عن الخروج بقرار موحّد حوله.ودعا سلامة أعضاء المجلس إلى ضرورة التوافق حول الملف بدل الاكتفاء باتخاذ القرار عوضاً عن الليبيين، مُشدداً على ضرورة التوافق الدولي حول الملف الليبي المعقّد.

ويسعى المبعوث الاممي الى ليبيا لمواصلة التحضيرات بهدف الوصول الى مؤتمر برلين الذي أعلن عنه قي وقت سابق.ويحاول سلامة التوفيق بين مواقف الدول الحاضرة في الساحة الليبية،حيث يرى مراقبون أن مفتاح نجاح مؤتمر برلين القادم مرتبط بالاضافة الى تحقيق التوافق بين الأطراف الليبية بمدى نجاح المؤتمر في لم شمل الرأي الدولي وإقناع الخصوم بصياغة رؤية موحدة بشأن مصالحها المتضاربة في ليبيا.