يختتم مساء غد الأحد ملتقى الحوار الليبي بتونس بالإعلان عن الإتفاق النهائي ، بينما يشير المراقبون الى أن للمواجهة الدائرة في منتجع قمرت ، شمالي العاصمة التونسية ، وجهان لا أكثر : صراع على الثروة ، ومشروع إخواني للسيطرة على الدولة ، أما بقية ما يقال عن الوطنية والديمقراطية والتعددية والأمن والاستقرار وخدمة الشعب وطي صفحة الماضي ، فلا يتجاوز الشعارات التي تستعملها مختلف الأطراف الداخلية والخارجية في الترويج لمشروع لا يزال ضبابيا ، وغير مقنع للأغلبية الساحقة من الليبيين ، باعتبارها تعرف حقيقة ما جرى سابقا ويجري حاليا وسيجري لاحقا
منذ البدء ، نجد أنفسنا أمام حقيقة مؤلمة ،وهي أن أعضاء مجلس النواب وعددهم 188 بين مداومين ومنشقين ودائمي الغياب ،  ومجلس الدولة الاستشاري وعددهم 145 من فلول المؤتمر الوطني المنتهية ولايته منذ 2014 ، وأعضاء ملتقى تونس للحوار وعددهم 75 دون احتساب المنسحبين منه ، وعددهم الجملي 408 شخصا سنجد أنهم من يقررون مصير البلاد والعباد ويعينون كبار وصغار المسؤولين ويتحكمون في المناصب السياسية والسيادية ، وبالتالي في مصير الثروة والسلطة في البلاد ، رغم أنه وباستثناء مجلس النواب المنتخب ، فإن مجلس الدولة ليس سوى إعادة تدوير لعناصر الإسلام السياسي وفق اتفاق الصخيرات المفروض من المجتمع الدولي ، أما ملتقى تونس فإن قائمة المشاركين فيه مسقطة من البعثة الأممية ، حيث لم ينتخبها الشعب الليبي ولا قواه الحية ، ولا هي تمثل الأغلبية الساحقة من الشعب من الشعب المظلوم ، وتم التلاعب بعملية اختيار عناصرها حتى أنها تضم 44 فردا من الإخوان أو المحسوبين عليهم ، وعددا ممن لم يدخلوا ليبيا منذ سنوات ، والأغرب من ذلك أن فيها من يحتكمون على جنسيات أجنبية وسيكون لهم الحق في انتخاب ثم مراقبة المسؤولين الجدد الذي يشترط فيهم أن لا تكون جنسيات أخرى
ومنذ الإعداد للملتقى تحولت تونس الى ساحة للمساومات بين الفرقاء ، وجاء رجال الأعمال وأثرياء الاعتمادات وأصحاب المصالح من الحيتان الكبيرة ، ووصل الأتراك الى الساحة ، وتحركت غرف العمليات السرية وخاصة الإخوان منها ، وفيما كانت أسر ليبية مقيمة بالعاصمة التونسية تعد الأكلات التقليدية كالكسكسي والبازين لإرسالها الى المشاركين ممن لا يرتاحون لطعام الفنادق ، بدأت المساومات على الأصوات التي سيراهن عليها البعض في تعديل مسودة الاتفاق أو في اختيار الحكام الجديد وخاصة في ما يتعلق برئيس المجلس الرئاسي ونائبيه ورئيس الحكومة ونائبيه ، ووصل ثمن الصوت الى مليون دولار ، وهو ما يطرح سؤالا حارقا عن الفائدة التي سيجنيها مسؤول سيقضي 18 شهرا في السلطة وفق ما تؤكده رئيسة البعثة وتم إدراجه في مسودة الاتفاق النهائي ، ليأتي الجواب واضحا وهو أن هناك فائدة للمتمكنين ماليا واقتصاديا التي لم يقنعوا بما نهبوه من الاعتمادات والمضاربة بالعملة ونهب المال العام ، وأخرى للإسلام السياسي الذي يحاول أن يدفع الى السلطة بمن يخدمون مصالحه ويدورون في فلكه
وللإخوان جملة من الأهداف التي يسعون الى تحقيقها في ملتقى تونس منها تعديل مسودة الاتفاق بما يدفع نحو حكومة واسعة الصلاحيات مقابل مجلس رئاسي ضعيف ، وأن تكون القيادة العليا للقوات المسلحة في يد رئيس الحكومة الذي سيكون من المنطقة الغربية لكي لا تؤول الى المجلس الرئاسي الذي سيكون رئيسه من المنطقة الشرقية ، وأن يتم التنصيص على ألا يكون من حق السلطات الانتقالية القادمة إلغاء أو وقف العمل بأية اتفاقيات أبرمها المجلس الرئاسي الحالي برئاسة فائز السراج في إشارة واضحة للاتفاقيات الأمنية والعسكرية مع تركيا وقطر،
ومهما يكن من أمر ، فإن الإخوان أثبتوا في ملتقى تونس أنهم منضبطون لمشروعهم ، ومنظمون في تحركاتهم ، ولديهم مدد متواصل من خارج الفندق ،وخاصة من الأتراك الذين يتابعون المشاورات لحظة بلحظة ، وهم يعرفون جيدا ماذا يريدون من منطلق عقائدي ، بينما أغلب الأطراف الأخرى تبدو في حالة توهان ، لكن البعثة الأمم الأممية تعلم جيدا أن الجميع سيوقّع في النهاية ، بعد أن رمت للمشاركين طعما لا يستطيعون مقاومته ، وهو الدفع بهم الى صناعة القرار كجسم مواز ، بل وسيكون الأكثر تأثيرا من البرلمان ذاته خلال المرحلة القادمة ، وسيكون بإمكان كافة عناصره أن يستفيدوا من مهلة ال 18 شهرا ، والتي لا توجد أية ضمانات بإن لا تتحول الى ثلاث أو أربع سنوات ،
إن هؤلاء المشاركين هم الذين سيقررون مصير ليبيا خلال المرحلة القادمة ، وسيكون بإمكانهم الإطاحة بأي مسؤول لا يرضون عنه ،وتصعيد أي شخص يرون مناسبا لأي موقع في الدولة ، وسيستغل الإخوان الجسم الجديد لتنفيذ أجنداتهم ، وسيكون بإمكان طالبي المال والنفوذ أن يستغلوا الظرف الملائم ، فالصراع في ليبيا. هو أولا صراع على الثروة وعلى النفوذ الذي يؤدي إليها وعلى تمكين الإسلام السياسي من التغلغل أكثر في مفاصل الدولة ، وهذا ممكن التحقيق برعاية أممية وتحت أنظار المجتمع الدولي الذي لا يزال يثبت فشله في حل مختلف الأزمات بعد أن يكون سببا في اندلاعها
بالتزامن ، يثبت العسكريون دائما أنهم الاكثر انضباطا في الولاء للوطن ، وهذا ما تبين من اللجنة المشتركة التي نجحت في نزع فتيل الحرب بالتوصل الى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار سواء في جنيف أو في غدامس أو في سرت ، وقد شاهدنا أعضاء وفدي طرابلس والرجمة وهم من ضباط الجيش الليبي قبل 2011 كيف نجحوا في طي المسافات وتقريب وجهات النظر وسجلوا نقاطا مهمة دون حسابات سياسية أو مصلحة كالتي نراها لدى المدنيين ، وكيف كانوا يتحدثون بكثير من الهدوء وبكلمات محسوبة وبروح إيجابية أثبتوا من خلالها أنهم ينتمون الى مؤسسة عسكرية واحدة ،
أن ما تتعرض له البعثة الأممية من انتقادات واسعة لم يأت من فراغ ، خصوصا وأنها المسؤولة عن اختيار المشاركين في ملتقى تونس وعن تهميش آخرين كان يمكن أن يكون حضورهم أجدى ، وسيكون عليها أن تتلافى الأمر بقطع الطريق أمام المزايدات والمزادات لأن أي إتفاق ملعوب في نصه ومرجعيته وخلفيته وأبعاده ، سيعيد الأزمة الى نقطة الصفر خصوصا في غرب البلاد الذي يحكمه الإخوان والميلشيات ، وسيزوره أردوغان بعد أيام ليؤكد وصايته عليه