رافق شهر الصيام في البلاد العربية والإسلامية عادات جميلة اختص بها هذا الشهر الفضيل كالتنوع في الأطعمة والمشروبات والحلويات وبعض هذه المأكولات خاصة برمضان ولا توجد في وقت آخر. وتختلف العادات بين البلدان الإسلامية خلال شهر رمضان..وأستميحكم عذراً أن تشاركوني قراءة هذه الدراسة، للتعرف على العادات كما رآها رحالة أوروبيون في البلدان الإسلامية.

في مكة المكرمة:‏‏ 

زار الرحالة السويسري ''جون لويس بوكهارت'' مكة المكرمة عام 1814م وكتب عن رمضان فيها:‏‏ 

إن آلاف القناديل التي تضيء الحرم المكي جعلت منه الملاذ الليلي لكل الأجانب في مكة فهنا يلتقون ويتحاورون إلى ما بعد منتصف الليل ينهمكون بخشوع تام في الصلاة والدعاء وقراءة القرآن بينما يأخذ البعض قسطاً من الراحة تحت أروقة المسجد وعند الغروب يتوافد المصلون لتأدية صلاة المغرب في أكثر من عشرين دائرة حول الكعبة تضم نحو ثمانية آلاف من المؤمنين يجمعهم أكثر المشاهد رهبة وجلالاً لكن ليالي رمضان في مكة المكرمة لا تشهد مظاهر البهجة الرائعة التي تميز مدن الشرق الأخرى وخلو أيام عيد الفطر السعيد من مظاهر التسلية والاحتفالات العامة.

‏‏ أما الرحالة''فيليبي'' فيرى رمضان في مكة المكرمة أثناء زيارته عام 1935م انه كان الإفطار هناك تمراً وماء وعدة أقداح من القهوة قبل صلاة المغرب وبعدها يتم تناول الإفطار بعد ذلك تنظم الجلسات المسائية بين الأهل والأصدقاء تتخللها زيارة إلى الحرم الشريف لصلاة التراويح مع الدعاء الطويل بعد ذلك يعود أهل مكة لأعمالهم التجارية ويحيلون الليل نهاراً إذ يبيعون ويشترون ويمارسون حياتهم الاجتماعية حتى ساعة السحور وصلاة الفجر وبعدها يذهبون للنوم طويلاً ما استطاعوا لذلك سبيلاً وهذه العادات لم تكن مطابقة لما يجري في مدن إسلامية أخرى مثل القاهرة واستانبول ودمشق وتختلف في مكة عنها في نجد.‏‏ ولما قارب رمضان نهايته بدأت العبادات تتركز في لياليه خلافاً لما عليه الحال خلال الثلث الأول والثاني من الشهر حيث يكتفى بصلاة التراويح والوتر مباشرة بعد العشاء ففي الثلث الأخير يشد الجميع المئزر توخياً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وتبدأ صلاة القيام حول منتصف الليل لمدة ساعتين بركعاتها الطوال.

‏‏ 

على ضفاف البوسفور:‏‏ 

كانت رؤى الشرق تأسر ''جيرار دي نيرفال'' بين ثنايا حكايات ألف ليلة وليلة ورحلته إلى تركيا وبلاد الشام ومصر عام 1843م ضمنها كتابه رحلة إلى الشرق والذي كان مزيجاً من الثقافة الرفيعة والمغامرات الممتعة في إطار قصصي جذاب وأسلوب ساخر تتخلله الانتقادات اللاذعة والدعابات الرقيقة.‏‏ 

في اسطنبول تلك المدينة التي تجسد الطابع التركي المتميز وتجمع بين الفخامة والبؤس والدموع والأفراح والظلم والحرية وأسواقها تشكل قلب مدينة شرقية ومساجدها الرشيقة البناء ومناظر البوسفور الساحرة كان الناس ينامون طوال النهار ثم يقضون الليل كله في المتعة خلال شهر رمضان.‏‏ وعبر دي نيرفال عن إعجابه بشارع المساجد الطويل والذي يشكل الشريان الرئيسي للمدينة والذي ينتهي بأسواقها الكبيرة وعلى طريق القنطرة التي تعبر القرن الذهبي لم يكن يخش السير على ضوء قمر شهر رمضان منبهراً بالأبراج والأكشاك والحدائق النافورات ومئات المآذن وتكية الدراويش (المولوية). وأشار دي نيرفال إلى أن الروايات الرائعة التي يقصها الرواة في مقاهي استانبول هي أبرز متع المدينة خلال شهر رمضان وأهم ما تتسم به لياليها من سحر وهذا المشهد الذي شغف به دي نيرفال وجعله يخصص فصلاً كاملاً لهذه الروايات التي كانت السمة الأبرز في مدن الشرق في ليالي رمضان في زمن ما قبل المذياع.

‏‏ وبحلول المساء كنا نشارك أهل المدينة احتفالاتهم التي تدوم ثلاثين يوماً والشيء اللافت هو إقبال الناس على الفاكهة والمرطبات والحلوى خاصة البقلاوة وكانت الشوارع تغص بالنساء والأطفال بينما يقضي الرجال معظم أوقاتهم في المساجد والمقاهي.‏‏ وكتب دي نيرفال أن هؤلاء القوم الطيبون لا يكتفون في سهرات رمضان بالاستماع إلى رواة السير الشعبية ومشاهدة الأراجوز بل لديهم أوقات للصلاة تسمى ركعات تراويح ترتل فيها آيات من القرآن والمسلم الحق يجب أن يرتل في كل ليلة قدراً من آيات القرآن وأن الاستماع إلى الرواة أو الذهاب إلى المسارح والمتنزهات هو نوع من الترويح عقب أداء هذا الواجب الديني.‏‏ ثم تحدث عن الاستعدادات لعيد الفطر والإقبال على شراء الملابس الزاهية ولعب الأطفال.


البحرين ومدفع رمضان:‏‏ 

أما ''كور نيلا دالنبرج'' فهي واحدة ممن خدمن بالإرسالية الإنجيلية الأمريكية كممرضات ومدرسات في البحرين عام 1922م كانت حريصة على تدوين انطباعاتها في مفكرتها اليومية عن مظاهر شهر الصيام في البحرين "صوت انفجار مدافع" ثلاث طلقات في منتصف الليل، كان ذلك دليلاً على بدء شهر رمضان، شهر الصيام لدى المسلمين، هذه المدافع تطلق الساعة الثالثة والنصف من كل صباح إيذاناً ببدء يوم صيام جديد، والذي يمتد من الفجر حتى غروب الشمس حيث يمتنع المسلمون تماماً عن تناول الطعام والشراب، ويحرصون على صوم هذا الشهر كاملاً حتى يكفر الله عن جميع سيئاتهم السابقة.

عند المساء تقدم العديد من الأطباق في وليمة كبيرة، وهكذا الحال في كل مساء، حتى عند الفقراء كانت تعد الأطباق الخاصة التي لا يستطيعون إعدادها في الأيام العادية، لن أنس تلك الأيام، فالمقاهي تعج بروادها والقناديل تتأرجح من الأعمدة مضيئة الأرض، والشوارع والصحراء القاحلة لمسافات بعيدة، والناس يأكلون ويشربون ويتزاورون ويخرجون من مقهى إلى مقهى، وأصوات متباينة تصلنا من مسافات بعيدة خلال الليل، وتستمر الفرحة وصخب الحياة كل ليلة طوال الشهر، ثم تعم السكينة قبل ساعتين من الفجر، حيث كان المنادي يمر وينادي بمعاونة طبلة، ليوقظ الناس للسحور ثم ينطلق الآذان مرة أخرى معلناً يوم صيام جديد.‏‏ 


مسقط السوق الرئيسية لمملكة هرمز:

وصف الرحالة الإيطالي دوراتي بربوزا عددا كبيراً من المدن العمانية، الواقعة على بحر عمان والخليج العربي التي زارها سنة 1522م بادئاً بوصف الموانئ المليئة بمختلف أنواع السلع... مثل الأقمشة القطنية... والأرز والسكر والأفاوية (التوابل) وغير ذلك من المتاجر... هذه البضائع المستوردة يتم تبادلها في الموانئ العمانية مع القادمين إليها بالبضائع المحلية كالبخور والخيول الممتازة التي قد يبلغ ثمن الواحد منها في أسواق الهند نحو 250 استرلينية (جنيه استرليني)، وبلاد عمان كثيرة القمح واللحوم والتمر والأعناب، ويعدد ''بربوزا'' المدن والموانئ التي زارها، ومن بينها قلهات وقريات ومسقط وصحار. ويقول عن مسقط: ''واسعة المتاجر، كثيرة الأسماك التي تملح وتجفف وتنقل إلى كثير من البلدان لبيعها''. وعن أخلاق أهل عمان يقول الرحالة الإنجليزي جون أوفنجتن الذي زار عمان عام 1693م: ''إن هؤلاء العمانيين على قدر كبير من دماثة الخلق ويظهرون لطفاً وكرماً مع الغرباء، فلا يحتقرونهم ولا يلحقون بهم أذى، وهم على تشبثهم الثابت بمبادئهم والتزامهم الراسخ بدينهم، لا يفرضون تلك المبادئ وذلك الدين على الآخرين، كما أنهم لا يغالون في التمسك بها مغالة تجردهم من إنسانيتهم أو من حسن معشرهم، فالمرء يقطع في عمان مئات الأميال دون أن يتعرض للغة نابية أو لأي سلوك فج.


القاهرة بين ليلة الرؤيا وليلة القدر:‏‏ 

امتازت الحياة الاجتماعية في مصر بكثرة المناسبات والاحتفالات الدينية، وما زالت الأجيال تحرص على إحياء هذه العادات والتقاليد، ويتبدى ذلك في الحفاظ على مظاهر الاحتفال بقدوم شهر رمضان واستمرارها حتى اليوم؛ وإحياء لياليه، ثم الاحتفال بعيد الفطر المبارك. وقد حرص الرحَّالة والمستشرقون الأوروبيون ممن زاروا مصر بخاصةً في العصرين المملوكي والعثماني ـ اللذين شهدا عددا كبيرا من زيارات الرحالة الأجانب ـ الذين قدموا لنا رؤيتهم لأحوال مصر الاجتماعية، ورصد العادات و التقاليد الشعبية المتوارثة، و مظاهر الاحتفال بشهر رمضان المبارك، وعيد الفطر، والأعياد الدينية، وقد حرص بعض هؤلاء الرحَّالة على الإقامة في القاهرة ليتمكَّنوا من متابعة الاحتفالات بشهر رمضان تحديدا.
 
 
من أشهر المستشرقين الغربيين الذين وصفوا أحوال المصريين وشهر رمضان الرحالة الإنجليزي ''إدوارد وليام لين'' المؤرخ والمؤلف والمترجم الكبير صاحب كتاب ''أخلاق المصريين المعاصرين وعاداتهم'' وأول من ترجم ''ألف ليلة وليلة'' إلى اللغة الإنجليزية، اختلط لين بالمصريين وتنكر في زي تاجر تركي و سمى نفسه ''منصور افندي''، واستعان بأخته صوفيا للتعرف على حياة النساء المصريات المحافظات في مجتمعاتهن المقفلة للتعرف على أزيائهن وطرق التزين والأعراس والحمامات الشعبية والأسواق والحوانيت المخصصة للنساء ونشر عنها دراسة بعنوان ''سيدة إنجليزية في مصر''، تزوج لين في 1840 من سيدة مصرية مسلمة ذات أصول يونانية اسمها نفيسة، واعتنق بسببها الإسلام وترجم جزءا من القرآن الكريم. وعن استقبال المصريين لشهر رمضان يقول لين ''في الليلة المتوقع فيها بدء شهر رمضان و تعرف بليلة الرؤية، ترى فيها موكب المحتسب وأرباب الحرف والتجار ودراويش الصوفية والمشاعلية (حاملو المشاعل) يتجهون من القلعة إلى بيت القاضي وعند ثبوت الرؤية ينطلق الموكب مخترقاً شوارع القاهرة وتنضم إليه الحشود من الكبار والصغار ابتهاجاً بحلول شهر رمضان .

وأفاد لين عن الهدوء الذي يسود أسواق القاهرة وشوارعها حتى فترة ما بعد الظهيرة فتفتح المحلات أبوابها ويتوجه الكثير من الناس إلى الجامع للصلاة وتلاوة القرآن والاستماع إلى درس العصر ويتناول المسلمون عامة فطورهم في منازلهم فتوضع صينية مفضضة تزينها أطباق المكسرات وبعض الحلوى وقلل الشرابات كما يوضع عدد من الأطباق والأكواب تحسبا للزوار الذين يحضرون بغتة وعقب رفع أذان المغرب يتناول رب الأسرة مع عائلته أو أصدقاؤه أكواباً من الشرابات وبعضاً من المكسرات وبعد فترة يتناولون الفطور الدسم مع أطايب الطعام ثم يتوجه الجميع إلى المساجد لأداء صلاة العشاء ثم صلاة التروايح وينقلب الليل نهارا ويتدفق الناس إلى الشوارع وتنتعش محال الحلوى والمشروبات وتزدحم المقاهي بروادها الذين يستمعون إلى رواة القصص الشعبية وعازفي الربابة ويقيم بعض الشيوخ حلقات في منازلهم.

ويقول لين إن لكل حي في القاهرة مسحراً خاصا يطوف حاملاً بازاً / أو طبلة يضرب عليها بعصا صغيرة أو جلدة ويرافقه صبي يحمل قنديلا او فانوسا من أعواد النخيل وينشد بعضاً من المدائح النبوية ويذكر أصحاب الدور وأطفالهم قائلاً: أسعد الله لياليك‏‏... أسعد الله لياليك يا فلان... اصح يا غفلان... وحّد الرحمن... وأشار لين إلى الإكثار من العبادة آخر عشر ليال من رمضان كما يكثر ازدحام المصلين بالمساجد بخاصة جامع الحسين وجامع السيدة زينب، وتعرف ليلة السابع والعشرين بليلة القدر، وان بعض دراويش الصوفية يأتون بوعاء فيه ماء مالح، يتذوقون طعمه ليروا إن تحول إلى ماء حلو المذاق فيتأكدون أن هذه الليلة هي ليلة القدر.‏‏ 


بيرتون وفابري وترقب ساعة الإفطار:

‏‏يصف الرحالة البريطاني ''ريتشارد بيرتون'' الذي زار مصر عام 1853 تبدو القاهرة‏‏ عند اقتراب ساعة الإفطار كأنها أفاقت من غشيتها فيطل الناس من النوافذ والمشربيات ليرقبوا أذان المغرب بعض الناس يصلون ويبتهلون وآخرون يسبحون بينما آخرون يجتمعون ويتبادلون الزيارات لقتل الوقت حتى يحين موعد الإفطار... وبعد أن ينطلق مدفع الإفطار من القلعة وفي الحال يجلجل صوت المؤذن رخيماً جميلاً داعياً الناس للصلاة وينطلق المدفع الثاني من قصر العباسية، سراي الخديوي عباس حلمي الثاني، فتعم الفرحة الصاخبة أرجاء القاهرة الصامتة ولا تعدم أذناك المرهفتان لحظة انتقال إحساس الترقب المبهج للسانك الجاف ومعدتك الخاوية وشفتيك الواهنتين وقد تشرب قلة ماء كاملة وتنظر بهدوء إلى مباهج المساء. وبينما يتخذ البعض طريقه إلى المساجد لأداء صلاة التراويح ينخرط كثيرون في المسرات فيجلسون متزاحمين عند مداخل المقاهي يدخنون النرجيلة ويستمعون لحكايات رواة السير الشعبية وتظل الأسواق مفتوحة حتى ساعة متأخرة.

‏‏ كما زار مصر الرحالة الإيطالي ''فيلكس فابري'' سنة 1483، وأعرب عن دهشته ليلة دخوله القاهرة، لكثرة ما رأى بشوارعها من المشاعل والأنوار والفوانيس المختلفة في ألوانها وأشكالها، ومما شاهده وسجَّله في مشاهداته المسحراتي، والذي اعتقد للوهلة الأولى أنه أحد ''رجال الدين''، وذكر أن المسحراتي كان يمرُّ ليلاً ثلاث مرات في الشوارع ومعه طبلة يدق عليها مناديًا الناس بأسمائهم. أما الرحالة الفرنسي ''فيلامون'' ـ الذي زار مصر عام 1589ـ فقد وصف مواكب دراويش الصوفية احتفالاً بقدوم الشهر المبارك، وكذلك حلقات الذكر وزحام الأسواق والمساجد المضاءة وموائد الإفطار، وذكر لنا أن من عادات المصريين ساعة الإفطار أنهم يجلسون على الأرض ويأكلون في فناء مكشوف أو أمام بيوتهم، ويدعون المارَّة إلى الطعام بصدق وحرارة، ولذلك وصفهم بالكرم.