دخول مصر مرحلة جديدة وبداية ظهور ملامح استقرار، بالتزامن مع ظهور تقارير استخباراتية غربية تكشف مؤامرات الإسلاميين مع جهات خارجية ضد الدول العربية، جعل مصير قوى التيارات الإسلامية مهدّدا بالاندثار، إلا القوى التي قررت النجاة بنفسها عن طريق إجراء تحيين لأيديولوجياتها ومراجعة مسيراتها.

أسئلة كثيرة وعلامات استفهام حول مستقبل الحركة الإسلامية في مصر والمنطقة العربية طرحتها المتغيرات الدولية والإقليمية، في ظل واقع جديد يفرض على كل عناصر اللعبة السياسية إعادة ترتيب أوراقها. فهل سيقوم كل طرف بإعادة ترتيب أوراقه، أم أن استراتيجية المواجهة حتى الفناء ستكون السيناريو الأقوى؟ وهل هناك احتمال للتهدئة لإتمام مصالحة شاملة يمكن بعدها الحديث عن مستقبل للتيار الديني في الاستمرار والمشاركة في الحياة السياسية؟ العرب طرحت هذه الأسئلة وغيرها على عدد من الخبراء والمتخصصين، للتعرف على ملامح الخريطة القادمة لهذا التيار ومصيره في مصر.

 

إعادة ترتيب الأوراق

الدكتور شريف يونس، أستاذ التاريخ بجامعة حلوان، ومؤلف كتاب “سيد قطب والأصولية الإسلامية”، وضع عدة شروط أمام الجماعات الإسلامية إذا أرادت تدارك الوضع واستعادة بعض من تواجدها في المشهد السياسي. من بين هذه الشروط:

* إعادة ترتيب الأوراق

*يصبح الإخوان والإسلاميون أقل استئثارا بالسلطة وأكثر اعتمادا على مؤسسات الدولة

*القيام بمراجعات فكرية لأيديولوجيتهم

* الفصل بين العقائدي الثابت والسياسي المتغير

*الفصل بين عمل الجماعة الدعوي وعمل الأحزاب السياسي.

يرى يونس أنه من الخطأ هدم الكيانات الإسلامية كلية، لأن هذا يتنافي مع مبادئ الديمقراطية والدولة المدنية الحقيقية التي تقوم على الحريات، وحتى لا تتحول إلى العمل السري المليء بالمؤامرات والأخطار

واستطرد الباحث المصري داعيا الحكومة إلى إتاحة فرصة للأحزاب الإسلامية لتعديل وضعيتها بتغيير لائحتها الداخلية، على أن تنص صراحة على أنها ليست أحزاب على خلفية دينية، وأن أعضاءها لا يتم قبولهم على أي أساس فكري وعقائدي، بحيث تفتح الأحزاب أبوابها للجميع دون تمييز.

يوافق كثير من الخبراء، قول يونس إنه من الصعب اجتثاث التيار الإسلامي وعزله تماما نظرا إلى أنه يمثّل توجها سياسيا وأيديولوجيا عميقا ومؤثّرا في المجتمع المصري وبعض المجتمعات العربية، بالرغم من تراجع شعبيته بعد فشل الإسلاميين في حكم مصر وتونس وانكشاف مخططاتهم للسيطرة على المنقطة مدعومين بجهات خارجية.

وحذّر شريف يونس من أنه في حالة فشل الحكومة المصرية الجديدة في إعادة عجلة النشاط الاقتصادي، وشعر المواطن بعدم وجود تحسن حقيقي في مستويات المعيشة والمعاملة الإنسانية، فإن هذا سيساعد على عودة التيار الإسلامي بقوة.

 

 

تراجع الإسلاميين

التيارات الدينية تتباين في ما بينها بشكل كبير نظرا إلى اختلاف المرجعيات الفكرية لكل تيار، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد تكفير كل تيار للآخر، وانعكس هذا الاختلاف على أرض الواقع فى آليات العمل وطبيعة التنظيمات وممارساتها.

في هذا السياق، يوضح ناجح ابراهيم، القيادي السابق بالجماعة الإسلامية، قائلا لـ “العرب” إن الحركة الإسلامية في مصر تراجعت كثيرا في كل المجالات عما كانت عليه في عهد مبارك وفي بداية ثورة 25 يناير.

وهذه الأخيرة شهدت الانطلاقة الكبرى للحركة الإسلامية ووصولها لأول مرة إلى سدة الرئاسة في مصر، مع الأخذ في الحسبان أن التراجع في عهد مبارك كان قاصرا على بعض الجوانب السياسية، إلا أن التراجع الآن بعد عزل الرئيس محمد مرسي هو على كل الأصعدة والمجالات، دعويا وتربويا وأخلاقيا وقيميا وإداريا وسياسيا.

ما يزيد الأمر سوءا أن الشارع المصري الآن أصبح فى معظمه لا يثق في الإسلاميين ولا يرحب بهم في مناصب سياسية مرة أخرى في المدى القريب على الأقل.

وهناك قطاع آخر قد يرفضهم كدعاة نتيجة للعنف والتفجيرات والاغتيالات التي حدثت من قبل بعض فصائل التيار الإسلامي، وكذلك لحالة التردي الأخلاقي وثلب الخصوم التي ابتدعتها الكتائب الإلكترونية في البداية، ثم أصبحت نهجا عاما للكثير من الشباب المنظم والمتعصب لما يسمى “تحالف دعم الشرعية”، ولذا على الحركة الإسلامية المصرية أن تجري مراجعات حقيقية لمسيرتها، إذا أرادت الــعودة إلــى المشهد الــسياسي والدعــوي والأخلاقي.

 

مصير غامض

ضياء رشوان، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ونقيب الصحفيين المصريين، قال لـ”العرب” إن التنظيمات التي تنتهج العنف سبيلا ضد النظام مصيرها الاندثار والانتهاء ولنا في تنظيمات الجهاد والجماعة الإسلامية قبل المراجعات الفكرية مثال واضح.

 

اندثار المكونات الحالية

من جانبه قال أحمد بان، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، إن جماعة الإخوان وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة، أساءا للإسلام وتعبيرهما عن المشروع الحضاري الإسلامي.

وتوقع في تصريحه مع “العرب” أن تندثر المكونات الإسلامية الحالية في مصر، معربا عن ثقته في بداية ولادة مكونات أكثر قدرة على استشراف المستقبل والتعبير عن المشروع الحضاري الإسلامي.

ولفت الانتباه إلى أنه من المنتظر أن تنقسم مكونات الحركات الإسلامية على اختلافها إلى ثلاثة مكونات:

* الأول ينتهج أسلوب العنف وسيلحق بجماعات أنصار بيت المقدس، ونهاية هذا التيار الموت أو السجن أو الهروب خارج البلاد.

* الثاني سيظل متأثرا بالفكر القطبي ولن يستطيع الفكاك من المشروع الإخواني الذي سقط مع ثورة 30 يونيو.

* الجزء الثالث سينفصل عن المشروع الإخواني وسيعيد ترتيبات الأولويات ويقوم بإنتاج خطاب مقبول اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وأكثر قربا من المواطن المصري.

ويعتقد بأن أن حزب مصر القوية، بزعامة عبد المنعم أبو الفتوح، هو الحزب الأقدر على إنتاج خطاب أكثر اعتدالا شريطة أن يبتعد خطوتين عن الإخوان، موضحا أن تفتت التيار الإسلامي إلى ثلاث مجموعات بين منتهج للعنف وباق على موقفه ومحاول للتغيير ستكون له تداعيات على التيارات الإسلامية بالمنطقة العربية برمتها

 

الإسلام الحركي

عبد القادر ياسين، المؤرخ والكاتب الفلسطيني، يرى أن العديد من الحركات الوطنية كتبت شهادة وفاتها في الخمس السنوات الأخيرة، مشيرا إلى ضرورة اتباع نهج المصالحة وعدم الإقصاء.

وحذّر ياسين من خطورة التيار السلفي الذي اعتبره أكثر التيارات الدينية تشددا، وعدم وضوح الرؤية بالنسبة إليه من حيث الرغبة في إكمال العمل الدعوي أو الانخراط في العملية السياسية.

وتابع المؤرخ الفلسطيني لـ”العرب”: “قوى الإسلام الحركي كانت على أهبة الاستعداد والجاهزية دونا عن باقى القوى عندما هبت موجة “الربيع العربي”، مما جعلها مؤهلة لتحوز نصيب الأسد من ذلك “الربيع″، إلا أن التجربة علمتنا أن الإسلام الحركي يجيد لعبة المعارضة ولا يجيد الحكم، وأكبر دليل على ذلك نموذج الحكم في السودان وأفغانستان.

وأضاف أن قوى الإسلام الحركي تنفر من التحالف ومن الالتزام ببرامج تجعل الكوادر خارجة عن سيطرة القيادات، وكل حركة منها تتوهم أنها تحتكر الحقيقة كما أنها تنظر إلى فكرة التحالف على أنها من إبداعات الشيوعيين الذين تعتبرهم كفرة من وجهة نظرها. تشكل التيارات الإسلامية جزءا كبيرا من المشهد السياسي في مصر والمنطقة العربية، وتمثل شرائح مختلفة لا يمكن الاستهانة بها على المستويين الإقليمي والدولي. وقد تعاملت معها معظم الأنظمة العربية بنوع من اللين حينا والشدة غالبا، على مدار سنوات طويلة، مثلها في ذلك مثل بقية الأحزاب المحسوبة على اليسار والتيار الليبرالي.

المعادلة السياسية بعد صعود نجم ما يعرف بـ”الربيع العربي” تغيرت، حيث شهدت المنطقة تحولات وتغيرات ولم يبق في الصورة إلا القوى التي لها تمثيل حقيقي، بالإضافة إلى القوى الثورية المستجدة، التي اكتسبت شرعيتها من الثورات ونجاحها في الإطاحة برؤوس الاستبداد، حكم مبارك ثم حكم الإخوان، وإعادة صياغة قوانين المعادلة السياسية.

في ظل هذه المتغيرات اتفق أغلب الخبراء والباحثين على أن التيار الإسلامي، بمختلف مجموعاته وقواه، ليس له من حل ليحافظ على تواجده ويبقي أنصاره وأتباعه تحت جناحيه، سوى إجراء مراجعة شاملة وإقصائية أولا لموقفه من الوضع الحالي واعترافه بفشله في إدارة بلد بحجم مصر، وثانيا تحديث برامجه وأيديلوجياته بما يتماشى وروح العصر ويتوافق ومطالب الثورات العربية الحديثة.