" هناك تهويل اعلامي " بخصوص وباء كورنا، و"العالم عرف كوارث كبيرة وأوبئة فتاكة" أكبر من من هذه الجائحة مثل الأنفلوانزا الاسبانية التي قتلت خمسين مليون شخص بداية القرن العشرين ، يقول باحث مغربي في العلوم السياسية.

"ان موت ألاف الناس ممن يعانون أصلا  من الأمراض المزمنة"لk يغير مجرى التاريخ، عكس ما يردده الكثيرون من باب التهويل.

 النظام العالمي لا زال هو هو ،لم يتغير، ورغم الوباء السباق نحو التسلح قائم والصراع الصيني الامريكي التجاري والحروب مستمرة، وسلوكات المجتمعات التي ترسخت عبر قرون من الزمن لن تتغير في اشهر، خلاصات لحوار مع الدكتور أحمد الخنبوبي باحث في العلوم السياسية.

 نتطرق في الحوار لمميزات رمضان في سوس، ولانتخابات ما بعد الجائحة في المغرب.

*حوار علي الانصاري

*تهويل اعلامي

ماهو انطباعك كباحث حول ما يعيشه العالم، هل هي صدمة ستقلب الموازين والأولويات برأيك؟

في نظري، لا. لقد حصلت مبالغة شديدة في هذا الشأن. هل وقعت حرب مذمرة شاملة سقطت فيها أنظمة حكم ومات فيها الملايين من الناس؟ هل وقعت كارثة طبيعية كبرى ذمرت دولا وحصدت ملايين الأرواح؟ هل نحن أمام وباء فتاك قتل الملايين من الناس في ظرف وجيز وغير الخريطة الديموغرافية للعالم، كما حصل مثلا مع الأنفلوانزا الاسبانية التي قتلت خمسين مليون شخص بداية القرن العشرين؟. إلى حدود الساعة المسألة لا تستحق كل هذا التهويل الزائد. هل موت مائة شخص داخل دولة ما، أو موت  ألاف الناس ممن يعانون أصلا من من الأمراض المزمنة، هو الذي سيغير مجرى التاريخ؟ لا أعتقد ذلك. أليست بلدان أوروبا وأمريكا الشمالية تعاني أصلا مما يسمى بأمراض الشيخوخة، وترتفع فيها نسب الوفيات بسبب الفيروسات الموسمية في فترات البرد من كل سنة، وهو ما يؤدي بالمسنين في هذه البلدان في فترات البرد إلى الانتقال بالألاف إلى المناطق الساخنة في شمال أفريقيا وبلدان الصحراء الكبرى؟  لقد وقع نوع من التهويل والتضحيم الاعلامي. وحتى هذا الفيروس ليس بفتاك ومميت كما يصفه الاعلام، هو فيروس يتعافى حاملوه بعد بعض بضعة أيام فقط !. كما أن بعض الدول في إفريقيا عرفت حالات إصابة معدودة على رؤوس الأصابع، وبعضها لم تعرف إصابات على الاطلاق إلى حدود اليوم..  ثم لابد أن أضيف بأن المعطيات الحقيقية في كل ما يدور اليوم في العالم، يمتلكها السياسيون الكبار. وبالتالي من الصعب فهم خبايا الأمور في هذه الأزمة الصحية العالمية، كما تبدو في ظاهرها. ولا شك أن هناك الكثير من الترتيبات السياسية والاقتصادية تُحرك الأن خلف الستار..

* العالم لم يتغير

لكن الجائحة غيرت من أولويات الدول على كافة المستويات، ولا بد ان هناك نتائج  ستتمخض عنها ؟

نعم تغيرت بعض الأمور، لكنها تبقى أمورا ظرفية، كالرفع من الميزانيات المرصودة للصحة العمومية وللأعمال الاجتماعية. لكن هل قررت الدول تغيير أنماطها الانتاجية ومذاهبها الاقتصادية وإعادة توزيع ثرواتها..؟ هذه أضغاث أحلام. فقط يمكن القول بأن هذه الجائحة جعلتنا نتحقق من أن نهج البشرية في تناقض، ففي الوقت التي تتخوف فيه الحكومات من انتشار الوباء، تتوجه نفس الحكومات إلى سباق العسكرة والتسلح النووي، الذي ستكون تأثيراته حال استخدامه أكثر دمارا على البشرية بملايير المرات من خطر فيروس كورونا. كما أن هذه الجائحة ساهمت في ظهور تناقضات غريبة في بعض الدول الكبرى، ففي الوقت الذي تتبحج هذه الدول بغزو الفضاء واستغوار مجاهل الكون واستنساخ الجينات، وتخسر الأموال الطائلة في سبيل ذلك، نجد هذه الدول لا تتوفر على الأسرة الطبية وعلى الكمامات والمختبرات الطبية اللازمة لمواجهة الداء. نعم هذه الجائحة قد تدق ناقوس الخطر بالنسبة للدول الأخرى من أجل إيلاء العناية اللازمة للبحث العلمي، وإلى تعبئة فرق البحث متعددة التخصصات لايجاد حلول مستعجلة لتدبير الأزمات الوبائية المستجدة في المستقبل على المستويات الطبية والتكنولوجية والاجتماعية والسياسية والقانونية.

 أنظمة الحكم والصراعات الدولية والاقليمية والهجرات والاقتصاد كلها مجالات يمكن أن تتأثر بجائحة كورونا، هل تنتظر الانسانية ماهو أفضل أم ستجني انعكاسات كارثية؟ 

لا أظن ذلك، فإلى حدود الساعة النظام الدولي نفسه مازال قائما، ونفس الحروب مازالت مستمرة في اليمن وليبيا وسوريا ومالي وغيرها، كما أن الصراع التجاري بين أمريكا والصين مازال قائما، والحصار على إيران مازال  قائما، وبالتالي لا شيء تغير ولا شيء سيتغير على الأقل على المدى القصير. واقتصاديا مازال النظام النقدي الدولي قائما. هل انهارت منظمة الأمم المتحدة؟ هل انهار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حتى نقول هذا الكلام؟ أما على المستوى الاجتماعي، أكيد حصل نوع من التضامن والتكافل بين الناس طيلة أيام الأزمة، لكن هل هذا التضامن سيتقوى في القادم من الأيام؟ لا أظن، ستمر الأزمة وستعود الطبيعة البشرية إلى سابق عهدها، وستعود حليمة إلى عاداتها القديمة كما يقال. 

*الانتخابات والجائحة

 أشاد الكثيرون بتدبير المغرب للجائحة، لكن هناك تخوفات من انعكاساتها، خاصة أن سنة2021 ستكون سنة انتخابات في المغرب، كيف سيوثر ذلك على  مواجهة الانعكاسات  المترتبة؟

تدبير الأزمات يحتاج إلى مقاربة ديمقراطية ولمسة تواصلية وعمق أكاديمي..نعم في المغرب حصلت تعبئة لتفادي الأسوء وتفادي انتشار الوباء، لكن هذا لا يجب أن ينسينا مجموعة من الاختلالات الدستورية والقانونية التي حصلت في فترة الطوارئ الصحية،  وكذا مجموعة من الممارسات المتسمة بالشطط في استعمال السلطة.. وهو أمر غير مقبول. أما بالنسبة للانتخابات القادمة فملامحها العامة لن تخرج كثيرا عن الاطار المرسوم للعمل السياسي والحزبي في المغرب، إن بقيت الأمور على ما هي عليه من الأن إلى العام المقبل، فالأحزاب المسيطرة على المشهد السياسي هي نفسها، سواء تلك الموجودة في الحكومة أو في المعارضة، فلا تتوقع سيدي أن يحصل تغيير جدري، قد ينتقل حزب من المعارضة إلى التدبير الحكومي، وقد  يخرج حزب أوحزبان إلى المعارضة. لكن كن متيقنا أن هذا الأمر لن يؤثر كثيرا في السياسات العمومية التي حددت ملامحها من قبل، كما أن المؤسسة الملكية ستبقى هي الفاعل الرئيسي في الحياة السياسية المغربية.

*جدار المجتمعات سميك 

هل يمكن الحديث عن تغيير في سلوك الانسان المغربي بعد الجائحة في نظرك؟ 

هنا أستحضر المقولة السوسيولوجية: "إن جدار المجتمعات سميك". إذ إن سلوك المجتمع لا يتغير في شهور معدودة. فهل تعتقد أن الحجر الصحي والبقاء في المنازل هو ما سيغير سلوك الناس وثقافتهم وعقلياتهم التي تشكلت عبر قرون من الزمن؟. تغير السلوكات وثقافة الناس يحتاج إلى مخاض عسير.

 *رمضان في سوس " المغرب"

 دكتور أحمد، نحن في شهر رمضان المتزامن مع الحجر الصحي، ماذا تغير؟  وماهي  أهم مميزات وعادات وأكلات رمضان في سوس وبالتحديد في الساحل البحري لسوس حيث تقطن؟

أهل سوس هم أهل صبر وتحمل، فطبيعة سوس تتميز بالصعوبة الجغرافية والمناخية، فسوس هو المجال الملتصق بالصحراء، فأهل سوس والصحراء تميزوا على الدوام بتحمل الصعوبات وبثقافة تدبير الندرة، لذلك كان شهر رمضان دوما بالنسبة للناس فرصة لتقوية الجانب الروحي واستراحة الجسد. لكن للأسف الشديد الناس اليوم باتوا مثأثرين بثقافة الاستهلاك والاسراف. أكيد، شربة "أزكيف" أو الحريرة والتمر، هي عصب الأكلات في هذا الشهر، ونحن في منطقة تاكُوت أو الساحل السوسي، تتميز أطباقنا بالأسماك وبفواكه البحر التي يتفنن الناس في طرق إعدادها وطهيها، وهي ثقافة طبخ توارثوها أبا عن جد.