ليس جديدا ولا غريبا، مشاهدة مواطن ليبي ما، وهو يمتشق "توبو / طوبو " المياه، ويرش الأرض بخرطوم هذا السائل السحري سبب الحياة لكل الأحياء، هذه الظاهرة التي يتسابق عليها الصغار والكبار، تبدو جديرة بالتأمل.
من الواضح ان (البخ) هو ظاهرة فردية فلا مجال فيها للمشاركة في نفس الوقت، فلا بد من كون "البخّاخ" شخص واحد، لعل هذا ما يمنح الشعور بالانفراد، والتميز، خاصة مع التحكم في المسافات ما بين قريب وبعيد، هذا الشعور بالصدارة المفردة، ووحدانية الفعل، سبب واضح، لتمكن هذه الظاهرة في حياتنا
كما ان هناك الإحساس بالسيطرة في توجيه المياه، بين الاتجاهات المختلفة، تبدو مقاومة الجفاف ومحاربته، مهمة كونية في تلك اللحظات، يقهر "صاحب الطوبو" الطبيعة، ويعاندها، وهو يلغي أثارها ويرطب ما تركته من أسباب الغبار والأتربة.
وتبعا لذلك يخوض المحارب بالمياه، نزالا للثأر من الغبار نفسه، بخ المياه هو إخماد وطمس لموجة قادمة ومفترضة من "العجاج" فهو معركة او غزوة استباقية، وتعويض عن الضيق الذي ينتابه من "عجاجات" سابقة.
وهكذا يصعب تصور غياب الشعور والإحساس بالإنتاجية والخيرية، شعور يخالج النفس، وانت تهدي الناس والمكان بيئة غير مغبرة ولا متربة، تليق بالجلسات الهادئة والهانئة المكللة ببراد الشاهي، و "قعدات" الغيبة والنميمة وتقييد الاحوال، كما تعودنا.
ألا تلاحظ ان "البخ" لا يكون الا بعد العصر، حيث بداية "الكساد" وبدء نهاية العمل وكسب الرزق؟؟.
"البخ" ظاهرة ليبية عميقة في النفس، وان بدت عفوية، فهي تضمر خفايا دوافع أعمق مما يبدو، ألا تكون محاولة تعويضية من اجل التفرد والتميز والسيطرة، واثبات كل ذلك وسط هذا الإهمال والإهانة، و"قلة القدر" التي نواجهها في حياتنا ومجتمعنا؟
أو هكذا شبه لّي ….؟؟!!