في الوقت الذي تتواصل فيه المعارك على أسوار طرابلس،بعد أكثر من خمسة أشهر على اطلاق الجيش الوطني الليبي عمليةَ تحرير العاصمة الليبية من الميليشيات المسلحة والعناصر الارهابية المتمركزة فيها،تتسارع تحركات القوات الموالية لحكومة الوفاق لفتح جبهة قتال جديدة في محاولة لاستغلال انشغال الجيش الليبي وتحقيق انتصارات ميدانية من جهة ولتخفيف الضغط على العاصمة من جهة أخرى.

ونجح الجيش الوطني الليبي في التصدي لهجومين برّيين كانت المجموعات المسلحةالمتحالفة مع حكومة الوفاق تستعد لتنفيذهما على قاعدة الجفرة الجوية ومنطقة الهلال النفطي.وقال المكتب الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابع للجيش، إن قواتهم تمكنت الجمعة من استهداف عصابات "المرتزقة والإرهابيين" كانت تخطط للهجوم على منطقة الجفرة والهلال النفطي.

وأعلن الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي أحمد المسماري، الجمعة، إحباطهم لهجوم جوي وبري شنته مجموعات مسلحة على قاعدة الجفرة الجوية.وقال المسماري "إن مجموعات إرهابية ومرتزقة حاولت الهجوم على قاعدة الجفرة الجوية وتصدت لها قوات الجيش الليبي خلال مراحلها الأولى من التقدم وقبل أن تصل إلى محيط القاعدة"، لافتا إلى أن قوات الجيش الليبي قادرة على كشف أي مخطط إرهابي وإحباطه قبل بداية تنفيذه.

واستعرض المسماري تفاصيل الهجوم على قاعدة الجفرة، قائلًا إن الجيش أسقط 3 طائرات حاولت قصف قاعدة الجفرة، كما استهدف رتلًا بعدد 19 آلية كان يتجه للجفرة وتم تدميرها، كما دمر الجيش رتلًا آخر يتكون من 15 آلية في منطقة "بونجيم"، كان يتوجه لمناطق الجنوب.وبين أن استهداف القاعدة الجوية في مصراته جاء بعد التأكد من انطلاق طائرات مسيرة منها، مؤكدًا أن قاعدة الجفرة لم تصب بأي أضرار بفضل قوة المدافعين عنها من القوات الجوية والدفاع الجوي.

وأوضح المسماري أن الدعم التركي والتمويل القطري كان وراء هذه المحاولات، محذرًا من أن كل من يحاول مهاجمة قوات الجيش سيلقى مصيرًا مماثلًا لما حدث في هذه المعارك.

وتتهم قوات الجيش الوطني الليبي تركيا بتسليح ميليشيات الإخوان وقوات حكومة الوفاق. وهذا لم يعد سرّا بعد أن انكشف الغطاء عن التمويل القطري وشحنات السلاح التي كانت تصل لميليشيات طرابلس.وهذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها طائرات تركية مسيرة قاعدة الجفرة، ففي أغسطس/آب الماضي قصف الجيش الليبي قاعدة مصراتة العسكرية التي تستخدم لإقلاع الطائرات التركية ردا على غارات شنتها طائرات مسيرة على نفس القاعدة.

وتعد قاعدة الجفرة العسكرية الجوية الاستراتيجية الواقعة في قلب الصحراء الليبية، واحدة من أهم المراكز التي تستخدمها قوات الجيش الوطني لتوسيع مناطق سيطرتها جنوبي ليبيا وغربها.كما تعتبر تلك القاعدة الأهم بالنسبة للجيش حيث تنطلق منها جميع طائراته التي تستهدف تجمعات الميليشيات في طرابلس ومناطق أخرى، كون القاعدة تتوسط ليبيا.

ويأتي الهجوم على منطقة الجفرة بالتزامن مع تلويح القوات الموالية لحكومة الوفاق بشن هجوم واسع على مدينة ترهونة وسط تحريض كبير من قيادات تيار الاسلام السياسي الداعية لاجتياح المدينة.حيث قال المفتي المعزول الصادق الغرياني، المعروف بتصريحاته المحرّضة ضد الجيش وقائده المشير خليفة حفتر والداعمة للإرهابيين،"إن حسم المعركة يتطلب اجتياح ترهونة للقضاء على المفسدين، أعداء القرآن".

وقال الغرياني في استضافة عبر برنامج "الإسلام والحياة" المذاع عبر قناته التناصح، إن "المدافعين عن طرابلس لن يتمكنوا من حسم المعركة ما لم يحسموا أمر ترهونة بالقضاء على من وصفهم بالعصابات المتواجدة فيها على غرار عملية غريان".وأضاف "لا تجاملوا ترهونة فقد أعطيتموها الفرصة الكافية، نحترم أخيارها، لكن هذه العصابات المتواجدة فيها لا بد من القضاء عليها، لا بد من اقتحام ترهونة والقضاء على العصابات التي تقاتل مع حفتر وتضربكم بالراجمات".على حد زعمه.

وتقع ترهونة على بعد نحو 98 كيلومترًا إلى الجنوب الشرقي من طرابلس، وتمثل المدينة أحد المواقع الاستراتيجية للجيش الوطني الليبي.وتعرضت المدينة الجمعة لهجوم من طائرة تركية مسيرة ما أسفر عن سقوط قيادات عسكرية.حيث نعت القيادة العامة للقوات المُسلحة، العقيد عبدالوهاب المقري آمر اللواء التاسع ترهونة،والنقيب محسن الكاني،القوة المُساندة للقوات المُسلحة، والجندي عبدالعظيم الكاني،من القوة المُساندة للقوات المُسلحة.

وبدوره أصدر مجلس مشايخ ترهونة، مساء الجمعة، بيانا، نعى خلاله، العقيد عبدالوهاب المقري آمر اللواء التاسع..والقائد الميداني محسن الكاني وشقيقه عبدالعظيم خليفة عبدالرحيم إثر قصف الطيران التركي المسيرعليهم.وقال مجلس مشايخ ترهونة: "لقد تقدم هؤلاء الرجال الصفوف من أجل عودة سيادة الوطن، فنالوا الشهادة عند الله".وطالب البيان، أبناء ترهونة  في محاور القتال بالصمود والثبات، مؤكدا أن استشهاد  هؤلاء الرجال لن يزيدهم إلا ترابطا وعزيمة من أجل تحقيق النصر، مشددا على ثبات موقفهم في دعم القوات المسلحة الليبية.

وتشير هذه التطورات الى محاولة حكومة الوفاق وحلفائها فتح جبهات جديدة بعيدا عن طرابلس بهدف جذب الجيش الليبي.وقالت صيفة "العرب" اللندنية أن قوات الوفاق تسعى من خلال التلويح بمعركة ترهونة إلى دفع اللواء التاسع، لسحب وحدات من قواته من محاور القتال جنوبي طرابلس للدفاع عن مدينته، ما سيضعف تمركزاته القوية في مطار طرابلس وفي مناطق قصر بن غشير، وعين زارة، ووادي الربيع، جنوبي العاصمة، ما يسهل في ما بعد طرد القوات المهاجمة من تخوم العاصمة.

وأضافت الصحيفة أن الهجوم على ترهونة، يسمح أيضا بدفع اللواء التاسع، بعيدا عن الطريق الساحلي الاستراتيجي الذي كانت تمر عبره الإمدادات من مصراتة إلى طرابلس.وتشارك مدينة مصراتة بقوة في معركة التصدي لدخول الجيش إلى طرابلس. وتحدثت تقارير إعلامية غربية عن ضعف مشاركة ميليشيات طرابلس في هذه الحرب مقابل كتائب مصراتة الموالية لتيار الإسلام السياسي.

ويرى مراقبون ان الهجمات التي نفذتها حكومة الوفاق على القاعدة الجوية في الجفرة وعلى ترهونة تم عبر طائرات مسيرة تركية قامت أنقرة بتسليمها لحكومة الوفاق.ويظهر ان قوات الوفاق غير قادرة على مواجهة الجيش الليبي دون الاستعانة بالاسلحة والمعدات التركية حيث تحولت الطائرات التركية المسيرة الوسيلة الوحيدة لاستهداف قواعد الجيش في وسط وجنوب البلاد.

وتمكنت قوات الجيش الوطنى الليبي من إسقاط أكثر من 10 طائرات مسيرة تركية، منذ إطلاق العملية العسكرية فى أبريل الماضى لتحرير طرابلس من الجماعات الإرهابية المسلحة، بالإضافة إلى تدمير قاعدة طائرات درون بمصراتة وغرفة التحكم الرئيسية بالطائرات المسيرة في مطار معيتيقة الدولي، وفقا لتقارير اعلامية.

وأصبحت حكومة الوفاق تعول على الطائرات التركية المسيرة في معركتها الجوية ضد الجيش الوطني الليبي الذي نجح في تحجيم قوة سلاح الجوي لحكومة الوفاق.وكان الجيش قد حذر في بيانات سابقة من لجوء أنقرة إلى مطارات عسكرية على الأراضي الليبية لتسيير طائراتها واستهداف مواقع تابعة للجيش في محيط طرابلس وغيرها من المناطق.

ومثلت الأراضي الليبية مسرحا لتجريب تركيا لطائراتها المسيرة على غرار طائرات مقاتلة جديدة من نوع "بيرقدار تي بي 2"،التي كشف موقع أفريكا أنتلجنس -الوكالة المتخصصة في الأخبار السرية – مطلع يوليو الماضي،عن أن تركيا تستعد لمنح حكومة السراج ثماني منها،رغم استمرار الحظر على توريد السلاح إلى ليبيا الذي فرضه مجلس الأمن منذ 2011.

وتفاخر رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، في تصريح لصحيفة الإندبندنت البريطانية شهر أيار/ مايو الماضي، بأن "حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة حصلت على طائرات بدون طيار وعدلتها لمواجهة التأثير المدمر لطائرات السيد حفتر الحربية والمراقبة الجوية".دون أن يشير الى أن هذه الطائرات تسفك دماء الليبيين.فالطائرات المسيرة التركية التي تجول في الأجواء الليبية بتواطئ من حكومة الوفاق،مارست جرائم كبرى في حق الليبيين وسفكت دماء الأبرياء في عدة مناطق.

ويأتي هذا التصعيد العسكري تتصاعد فيه التحركات الدولية بهدف وقف القتال واستئناف العملية السياسية.ومن المنتظر أن تحتضن ألمانيا خلال أكتوبر المقبل مؤتمرا دوليا بشأن ليبيا.وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأربعاء، إن بلادها ستقوم بدورها لتجنّب نشوب حرب بالوكالة في ليبيا، محذرة من أن الوضع هناك ينذر بزعزعة استقرار أفريقيا بأسرها.

وقالت ميركل في كلمة أمام البرلمان الألماني "هناك وضع يتطور في ليبيا وقد يتخذ أبعادا مثل التي شهدناها في سوريا.. ومن الضروري أن نبذل كل ما بوسعنا لضمان عدم تصعيد الوضع إلى حرب بالوكالة وستقوم ألمانيا بدورها".

وأعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، بقيادة المشير خليفة حفتر، ليل الرابع من نيسان/أبريل الجاري، إطلاق عملية عسكرية للقضاء على ما وصفته بالإرهاب في العاصمة طرابلس، والتي تتواجد بها حكومة الوفاق المعترف بها دوليا برئاسة فائز السراج، ودعا الأخير قواته لمواجهة تحركات قوات حفتر بالقوة، متهما إياه بالانقلاب على الاتفاق السياسي للعام 2015

ويصر الجيش الليبي على مواصلة عملياته العسكرية لتحرير العاصمة الليبية والتي تأتي بحسب مراقبين بسبب استمرار مشهد الانفلات الامني وسيطرة الميليشيات المسلحة على مؤسسات الدولة، وضعف حكومة الوفاق وتعويلها على هذه الميليشيات.ويأمل االليبيون في انتهاء نفوذ المجموعات المسلحة وارساء سلطة موحدة في البلاد قادرة على مواجهة التحديات القائمة أمنيا واقتصاديا.