بدأت معالم تنظيم مؤتمر برلين 3 حول ليبيا في 23 يونيو القادم تتضح، لتتزامن مع الجهود الإقليمية والدولية لتكريس الحل السياسي وتنظيم الانتخابات في موعدها وإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة عن الأراضي الليبية.
وبعد أن تحدثت مصادر ألمانية بشكل مقتضب عن المؤتمر، أكد على وزير الخارجية هايكو ماس، إن "فرص السلام زادت ليبيا، لكن لا يزال هناك تحدي الانتخابات، وانسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب"، وقال خلال مؤتمر صحفي عقده الأسبوع الماضي في روما مع نظيره الإيطالي لويجي دي مايو، إن "هناك العديد من التحديات التي يجب مواجهتها والتغلب عليها، مثل إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر وانسحاب جميع المقاتلين الأجانب من ليبيا"، وتابع : "نعمل على الأمر معاً بتعاون وثيق، نريد أن نرافق ليبيا بشكل إيجابي على هذا الطريق" نحو الديمقراطية والاستقرار.وأعلن دي مايو عن الاستعداد لدعم المبادرة الألمانية للدعوة إلى اجتماع وزاري جديد حول ليبيا على صيغة “مؤتمر برلين” في يونيو القادم ،مشيدا بالأهمية الكبرى للعمل المشترك لإيطاليا وألمانيا في إطار عملية برلين لدعم العملية التي تقودها الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار” في ليبيا.
ووصف رئيس الدبلوماسية الايطالية “الانتخابات، إعادة توحيد المؤسسات الوطنية، التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار، وإعادة الإعمار وإعادة إطلاق الاقتصاد” بأنها “التحديات الأكثر إلحاحًا التي تواجه حكومة الوحدة الوطنية، والتي “نجدد دعمنا المشترك لها” ، مشددا على “إن الدعم المتماسك من المجتمع الدولي لعمل الأمم المتحدة في ليبيا ضروري حقا”.
وينتظر أن يخصص مؤتمر برلين 3 لمتابعة ما تم التوافق عليه خلال مؤتمر برلين 1 الذي انعقد في يناير 2020 وأشرفت عليه الأمم المتحدة وجمع بدعوة من المستشارة أنجيلا ميركل، حكومات الجزائر والصين ومصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وتركيا وجمهورية الكونغو والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وممثلين عن الأمم المتحدة، بما في ذلك الأمين العام وممثله الخاص في ليبيا والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، من أجل التوصل إلى توافق في الآراء بين الدول الأعضاء المعنية بالأزمة الليبية وتأمين مظلة دولية لحماية الحوارات الليبية حول مستقبل البلد، وكذلك ما نتج عن مؤتمر برلين 2 الذي انعقد في الخامس من أكتوبر 2020، أكد المشاركون فيه «التزامهم بنتائج مؤتمر برلين الأول 2020 كما أقرها مجلس الأمن في قراره 2510، و شددوا على «ضرورة اغتنام الفرصة، التي أوجدتها التطورات الإيجابية لتحقيق السلام والاستقرار في ليبيا»، ورحبوا بـ«الجهود المتواصلة التي تبذلها المنظمات الإقليمية للمساهمة في جهود السلام»، وطالبوا أصحاب المصلحة الإقليميين والدوليين بـ«العمل سوية» لمساعدة الليبيين في إيجاد «تسوية سياسية دائمة»، وشددوا على «ضرورة الوقف الفوري» للتدخلات العسكرية الأجنبية في البلاد، بما في ذلك وقف الانتهاكات لحظر الأسلحة، الأمر الذي اعتبره الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بأنه يرقى إلى «فضيحة».وقالت مصادر ليبية لـ«العرب» أن مؤتمر برلين 3 ينتظر أن يخصص الحيز الأكبر من اهتماماته لملف القوات الأجنبية والمرتزقة والاتفاق حول آليات إجلاء كافة المسلحين الأجانب عن الأراضي الليبية، وهو ما تعتبره ألمانيا على رأس الأولويات بالنسبة لها، وأكدت عليه المستشارة أنجيلا ميركل عندما أكدت مؤخرا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن انسحاب القوات الأجنبية من ليبيا سيكون "إشارة مهمة" لدعم حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة،ولا يزال ملف القوات الأجنبية والمرتزقة يراوح مكانه رغم قرار اللجنة العسكرية المشتركة في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي، وما تلاه من قرارات أممية وضغوط دولية ، وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقرير قدّم الأسبوع الماضي إلى مجلس الأمن، إنّ ليبيا “لم تشهد أي انخفاض في عدد المقاتلين الأجانب أو أنشطتهم”، وأضاف: “بينما لا يزال اتفاق وقف إطلاق النار ساريا، تلقت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا تقارير عن إقامة تحصينات ومواقع دفاعية على طول محور سرت – الجفرة من قبل ميليشيات في المنطقة الغربية في ليبيا، فضلا عن استمرار وجود العناصر والإمكانات الأجنبية” ، لافتا الى أنه ، و“رغم الالتزامات التي تعهد بها الأطراف، فقد تواصلت أنشطة الشحن الجوي مع رحلات جوية إلى قواعد عسكرية مختلفة في مناطق غرب ليبيا”.
وفيما تقدر الأمم المتحدة عدد المسلحين الأجانب على الأراضي الليبية بحوالي 20 ألف مسلح ، تحاول أطراف داخلية وفي مقدمتها قوى الإسلام السياسي تهميش الملف وشن حملات معادية ضد كل من ينادي بضرورة إجلاء القوات الاجنبية والمرتزقة ، بمن في ذلك وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش التي تعرضت الى هجوم عنيف من قبل جماعة الإخوان وميلشيات غرب البلادوأضافت المصادر أن التوافق الأممي الأمريكي الأوروبي حول هذا الملف سينعكس على مؤتمر برلين 3 الذي سيعلن كذلك عن أهمية التمسك بتنظيم الانتخابات في موعدها في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم على أن يتم تحديد الآليات القانونية والدستورية الخاصة بذلك في أجل أقصاه الأول من يوليو لفسح المجال أمام المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لتنطلق في الاستعدادات للاستحقاق الذي ينتظره الليبيون بفارغ الصبركما سيكون على مؤتمر برلين 3 دعم القرارات الصادرة عن اللجنة العسكرية المشتركة “5+5″، ونداءات المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية والدعوات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي لتنفيذ كافة بنود الاتفاق العسكري، فيما لا تزال الميلشيات تحول دون فتح الطريق الساحلية في مستوى الخط الرابط بين سرت ومصراتة، وتصر على أن فرض شروطها التي لا تخلو من الابتزاز المالي والسياسي للسماح بانسياب الحركة بين شرق وغرب البلاد، وهو ما جعل اللجنة العسكرية تحذر في أواخر أبريل الماضي من أنها ستكشف عن أسماء المعرقلين والأسباب المؤدية لذلك، لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيالهم، مشيرة الى أنها قامت بالبحث عن الأسباب المعرقلة لفتح الطريق وتواصلت مع السلطة التنفيذية لتذليل الصعوبات، وفي سبيل تسريع الإجراءات لفتح الطريق، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، فيما يرى المراقبون أن استمرار الميلشيات في عرقلة فتح الطريق، يكشف عن ميولات انفصالية لديها، تتأكد من خلال سعيها للإطاحة برمزية التواصل بين طرفي البلاد كدليل على وحدتها الترابية، وسيكون من أبرز أولويات مؤتمر برلين القادم التمسك بالرئيس الحالي للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السائح ، واستثنائه من التعيينات التي حددها بيان أبوزنيقة بين مجلسي النواب والدولة على رأس المؤسسات السيادية، وهو ما شددته عليه أوائل مايو الجاري، سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا السلطات الليبية، عندما دعت في بيان مشترك إلى إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها المقرر في 24 ديسمبر لإخراج البلاد من الفوضى الغارقة فيها منذ عشر سنوات، وحذرت فيه من أن "الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لإجراء أي تغييرات من شأنها التعطيل في الهيئات ذات الصلة، والتي لها دور أساسي في التجهيز للانتخابات، خلال الجدول الزمني الذي حدده مجلس الأمن الدولي". لكن هذا الموقف الخماسي قوبل برفض مجلس النواب الذي اعتبره تدخلا غير مقبول ومرفوضا في الشأن الليبي، وقال أنه « لا يخدم التوافق الوطني الذي أنجز بعد وقت طويل وتطلب جهدا كبيرا لنصل إلى ما تم تحقيقه » كما رفضه مجلس الدولة الاستشاري الذي رأى أن "استقلالية القرار الليبي أمر لا نقبل المساس به، وأن على سفراء الدول الأجنبية عدم تجاوز مهام عملهم" وأنهم مطالبون بمراعاة "قوانين الدولة المستضيفة لهم والالتزام بها وعدم القفز عليها تحت أية ذريعة كانت".
ويشير المراقبون الى أن مواقف مجلسي النواب والدولة تبقى ثانوية وغير قادرة على مواجهة القرارات الدولية إلا بالدفع نحو اختلاق العراقيل التي لن تصمد طويلا ، ولاسيما في حال استظهار المجتمع الدولي بأدواته العقابية ضد كل من يصنفه ضمن لائحة معرقلي الحل السياسي وفق المعايير الواردة في قرارات مجلس الأمنأما ثالث الملفات التي ستطرح على مؤتمر برلين 3 فيتعلق بتنفيذ كافة بنود الاتفاق العسكري المبرم في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي، واتخاذ موقف دولي حاسم وحازم من الميلشيات المسلحة التي لا تزال تحاول عرقلة جهود اللجنة العسكرية لتنفيذه على الأرض، وهو ما أشار إليه اتفاق مؤتمر برلين الأول عندما دعا في بنده التاسع «إلى اتخاذ خطوات موثوقة وقابلة للتحقق ومتسلسلة، نحو تفكيك الجماعات المسلحة والميليشيات من قبل جميع الأطراف وفقًا للمادة 34 من اتفاق الصخيرات وقراري مجلس الأمن رقما 2420 و2486» والى «إعادة نشر الأسلحة الثقيلة والمدفعية والمركبات الجوية (في ليبيا) وتجميعها» كما دعا في البند 11 «إلى عملية شاملة لنزع سلاح الجماعات المسلحة والميليشيات في ليبيا وإدماج الأفراد المناسبين في مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والعسكرية، وندعو الأمم المتحدة إلى المساعدة في هذه العملية» وهو ما نص عليه الاتفاق العسكري ،وشرعنه مجلس الأمن ، ولا يزال يحتاج الى حزم دولي لتنفيذه على أرض الواقع بما يساعد على طي صفحة مرحلة اللادولة خلال السنوات العشر الماضية.