تابعنا وشاهدنا على مدى السنوات الماضية، الكثير من المؤتمرات والندوات التي كانت وما زالت كما الجهات الحكومية المغاربية، تدعو جاهدة للمواءمة بين أعداد الخريجين من الجامعات والمعاهد على اختلافها، وسوق العمل التي باتت تعاني من نقص كبير في اختصاصات شتى، وبالوقت الذي يسجل فيه دخول آلاف الخريجين سنوياً لينضموا إلى صفوف جيوش العاطلين عن العمل، رغم وجود الكثير من الفرص التي تنتظر توفير الكفاءات من الخريجين المتخصصين أولاً وفق أولوية لا يمكن التسامح أو التساهل بها، وربما في حالة من اليأس يتم التعاقد أحياناً مع بعض الخريجين، ومن ثم إخضاعهم لدورات تخصصية وتأهيلهم ثم تعيينهم فيما بعد لصالح هذه المؤسسة أو تلك، وقد لا تتعدى هذه الحالات العشرات أحياناً، وقد تتم بمبادرة خجولة من بعض قطاع الأعمال الذي يجري عقود للتشغيل لتدريب هؤلاء وتعيينهم بين الحين والآخر...!
ورغم كل تلك الدعوات والمؤتمرات وورش العمل التي أقيمت في هذا المجال، نجد أن هذه المحاولات تبقى محدودة قياساً لحجم الطلب من جهة، ولأعداد الخريجين الذين ينضمون كل عام إلى طوابير الباحثين عن فرصة العمل المناسبة. وهنا لابد أن أشير إلى ملاحظة هامة، تتجلى في أنّ نسبة البحث عن عمل ترتفع طردياً مع ارتفاع نسبة التعليم، ما يعني انفصال هذا الأخير عن الواقع، هذا الانفصال عن الواقع من قبل الجانب الأكاديمي يمثل ضغوطا على قطاع التدريب سواء كان ذلك على المؤسسات التدريبية أو المؤسسات التي تستوعب الباحثين عن عمل. فالفجوات بين المهارات المطلوبة لسوق العمل وتلك المتحصلة من خلال النظام التعليمي، تشكل بطبيعة الحال قصورا في النظام التعليمي، نظرا لأن سوق العمل يتعامل وفق مبدأ البحث عن المكسب، وبالتالي فإن احتياجاته تتعلق دائما بما يحقق له التنافسية والاستدامة.
وهنا لا ننكر أن التطور الذي حصل في سوق العمل المغاربي، قد تطورت معه وسائل الإنتاج وأساليبه وآلياته، مما يحتم أن تكون مخرجات التعليم والعملية التربوية موائمة معها، فالتطور الهائل للتكنولوجيا في كل المجالات، أدى إلى اتساع الفجوة بين ما يدرس في المناهج وما ينتج ويغزو الأسواق، وفي خضم الأحاديث عن ضرورة ربط التعليم بسوق العمل والفجوة بين مخرجات التعليم والمهارات المطلوبة بسوق العمل وضرورة ربط المنهاج بهذه المهارات، ينبغي النظر إلى الامتحانات كوسيلة لتقييم المعارف والمهارات التي يتحصل عليها الطالب ومدى ملاءمة هذا التقييم لقياس قدرة الطالب على دخول سوق العمل. والحديث عن ربط مخرجات التعليم بسوق العمل يقود مباشرة لضرورة الإسراع بتطوير المناهج الجامعية لتلبية احتياجات السوق، ولتفادي القصور والخلل ومحاولة ردم الفجوة التي تزداد اتساعاً بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل.
علينا أن نعترف، أنّ مشكلة الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، مشكلة خطيرة لا يمكن تركها تتمدّد وتتّسع أكثر فأكثر، بل بات وضعها تحت مجهر النقاش والبحث الجاد على أعلى المستويات أمراً ملحاً لإيجاد الحلول الناجعة من أجل تحقيق التوافق والتلاؤم، ولعلّ أولى الخطوات هي إصلاح التعليم وتجويده بمراحله المختلفة (التربوي والعالي) بما يكفل تخريج كوادر مؤهلة ومدرّبة تمتلك المهارات اللازمة، وتنطبق عليها معايير الكفاءة الوظيفية، وذلك لا يتحقق إلا بتطوير وتحديث المناهج، والتركيز على افتتاح تخصّصات جديدة وعصرية تتطلبها سوق العمل، والتقليل من القبول في التخصّصات التقليدية التي تشكّل عبئاً على الاقتصاد المغاربي.
ولأجل سدّ الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، لابد من خطة إستراتيجية يشارك فيها أرباب سوق العمل من جهة والجامعات على اختلافها وصولاً إلى المرحلة التي يتأهل فيها الخريج ويعرف أين سيتوجه بعد التخرج، ليصبح هناك تكامل بين الخريجين المؤهلين وسوق العمل المعاصرة، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال مشاركة أرباب العمل في القطاعين العام والخاص بالقرارات ذات الصلة ومضاعفة التواصل والنشاطات المتعلقة بتوفير الخبرات العلمية والعملية وبرامج التدريب عبر مبادرات تتعلق بمدى صلة المناهج بسوق العمل، وتأمين فرص عمل حقيقية بعد اكتساب الخبرات العملية والعلمية، وتأمين الدعم من خلال تفعيل خدمة التوجيه المهني وإدارة برامج التدريب العملي وتطوير الأعمال وخدمات البحث العلمي بما يتناسب مع هذا التوجه، وهذا كله لا يتم إلا من خلال فتح قنوات تواصل فعلية بين القطاع العام والخاص من جهة والجامعات ومراكز البحث العلمي وإشراك قطاع الأعمال أيضاً في جلسات تطوير المناهج وفق معايير وطنية تخدم هذه الأهداف مجتمعة وصولاً إلى ربط الخريجين بسوق العمل الحقيقي...!
كاتب صحفي من المغرب.