عد ثلاثة عقود تقريبا على اعدام الناشط الاسلامي محمود محمد طه شنقا بتهمة الردة، تعتزم ابنته اعادة احياء حزبه الجمهوري ونشر آراءه عن "الاسلام الحقيقي".

ورغم غيابه تبقى رسالة طه عن الاسلام المتسامح والمساواة لكل السودانيين حية بين مجموعة من المثقفين والمخلصين وعلى رأسهم ابنته اسماء (67 عاما).وتقول ان الوقت مناسب الان لرفع الصوت بعد 25 عاما من حكم "الاصوليين" المسلمين بعد ان ايدوا في الماضي الرئيس السابق جعفر النميري الذي حكمت سلطاته القضائية باعدام طه.وتقول اسماء في مقابلة في منزل مصنوع من الطين والخشب حيث اقام طه وعمل، ان "هؤلاء الاشخاص يشوهون الاسلام. هذا ليس الاسلام. سنظهر للناس ما هو الاسلام الحقيقي -- بالنسبة للاستاذ (طه) ماذا يعني الاسلام الحقيقي".وآراؤه عن الديموقراطية معلقة على جدران المنزل.ويقول فاروق محمد ابراهيم (83 سنة) امين عام المنظمة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات ان طه "كان رجلا عظيما حقا". ويضيف "كان رجلا مسالما جدا. لم يرفع ابدا عصا او اي شيء بوجه احد".

ويقر ابراهيم ان بعض آراء طه كانت غريبة لكن جهوده لجمع "الايمان والمنطق" قدمت حلا للسودان الذي يواجه ازمات وللصراع بين العلمانية والاصولية على مستوى العالم.ويقول ابراهيم العضو في الحزب الشيوعي سابقا "اعتقد ان هناك حاجة ماسة الان لارائه". ويضيف "انها تقدم حل وسط ممتاز بين الدين والدولة العلمانية".وتتزامن جهود اسماء محمود لاعادة احياء الحزب الجمهوري مع تزايد الانتقادات الشديدة لحكومة السودان منذ الغائها دعم الوقود في ايلول/سبتمبر الماضي مما اثار اسوأ احتجاجات في تاريخ حكم الرئيس عمر البشير.

وقتل العشرات في الاحتجاجات التي جاءت في وقت يواجه النظام استياء داخليا وازمة اقتصادية وعمليات تمرد مسلحة متكررة.وتولى البشير السلطة في 1989 اثر انقلاب عسكري مدعوم من الاسلامي القوي حسن الترابي الذي تزايد نفوذه في عهد النميري.وقالت اسماء ان والدها لم يتنبأ فقط بسيطرة الاصوليين على السلطة، بل ايضا بالانقسام الذي سيسببه ذلك داخل السودان.وبحسب "الرسالة الثانية من الاسلام" لطه فان القوانين في الحقبة الحديثة يجب ان تتطور بحيث "تبني مجتمعا جيدا تتصالح فيه الديموقراطية والاشتراكية وتسود فيه المساواة الاجتماعية".ويقول ان هذا النوع من المجتمعات اضافة الى الخضوع الكلي لله يؤدي الى الحرية الفردية التامة في مرحلة "العلم" هذه من الاسلام.

وكتب طه ان الحلم البشري القديم ليس ارسال رواد فضاء الى الفضاء الخارجي بل جعل كل انسان "سيد مصيره".والف طه اكثر من ثلاثين كتابا في غرفة مطلية باللون الازرق اصبحت الان متحفا فيه هاتف قديم على منضدة وبجانبه مصحف. وفوق الباب صورة لطه مبتسما.والمنزل بحديقته الصغيرة يقع على طريق ترابي هادئ في مدينة ام درمان توأم الخرطوم، وبات "مركزا ثقافيا" ومكانا للاجتماعات.وقبل اعدامه في 18 كانون الثاني/يناير 1985 عن 76 عاما، انتقد طه فرض النميري الشريعة التي تنص على احكام كالبتر وغيرها من العقوبات القاسية.وقال طه ان الفقراء مستهدفون ظلما.

وفي صباح اليوم الذي نفذ فيه حكم الاعدام شنقا في سجن كوبر، انتظرت اسمى التي كانت في اواخر ثلاثينياتها في منزل عمتها المجاور دون ان تدمع عيناها.وقالت "كنا نحاول ان نكون هادئين لاننا كنا ندرك ان هذا ما يريده والدنا".وقالت اسمى نقلا عن شهود "عندما نزعوا الغطاء عن رأسه نظر الى جلاديه والى القضاة وابتسم لهم".واطيح بالنميري بعد ثلاثة اشهر في انتفاضة شعبية.وبعد اعدامه تلاشت حركته التي تعرضت للاضطهاد وكانت تضم نحو الف شخص. وفرت اسماء محمود الى الولايات المتحدة حيث اقامت لعدة سنوات.وقالت "في مرحلة ما تشعر بان لا امل من القيام باي شيء في هذا البلد الذي يقتل المفكرين والصالحين". واوضحت ان سنوات مرت قبل ان تتمكن من النهوض والسعي لاعادة احياء الحزب.واضافت ان الامر لن يكون سهلا. فصباح ذلك اليوم، جاء ضابط امن لاستجوابهم كما ان كتب والدها محظورة في السودان.

وتشرح "نحن بحاجة لديموقراطية حقيقية يشارك فيها الجميع بالسلطة ويتمتعون بحرية التعبير" حيث الحريات قائمة على اساس القوانين الدستورية.وكثيرون اساؤوا فهم افكار الحركة او اعتبروها نخبوية.ويقول مكي المغربي كاتب المقالات في صحيفة والعضو في حزب المؤتمر الوطني الحاكم انهم "مجموعة صغيرة معزولة".واعلن عن تنظيم انتخابات العام المقبل. غير ان اسماء محمود قالت ان الجمهوريين لن يشاركوا حسب رغبة طه، حتى تكون غالبية الناس قد قبلت آراءهم.واضافت "نريد اقناع الناس ... هذه هي الطريقة الصحيحة لتغيير حياتهم".وتابعت "انني اكرس باقي حياتي لهذه المهمة".