تشهد الساحة الليبية في الآونة الأخيرة تحركات متسارعة في عدة جهات خارجية لعل أبرزها التحركات الألمانية التي تسعى لتكون عراب التسوية في ليبيا على وقع الصراع العسكري المتفاقم في العاصمة الليبية طرابلس بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي.

وتزايدت وتيرة العمليات العسكرية في العاصمة طرابلس وسط مخاوف ولية من اتساع رقعة الصراع وتزايد خطره.ودفع ذلك ألمانيا للدخول على خط الأزمة الليبية المشتعلة مؤخرا حيث أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأربعاء أن بلادها ستقوم بدورها لتجنب نشوب حرب بالوكالة في ليبيا محذرة من أن الوضع هناك ينذر بزعزعة استقرار أفريقيا بأسرها.

وقالت في كلمة أمام البرلمان الألماني "هناك وضع يتطور في ليبيا وقد يتخذ أبعادا مثل التي شهدناها في سوريا.. ومن الضروري أن نبذل كل ما بوسعنا لضمان عدم تصعيد الوضع إلى حرب بالوكالة وستقوم ألمانيا بدورها". وأضافت "إذا لم تستقر الأوضاع في ليبيا فإن استقرار المنطقة الأفريقية بأسرها سيتزعزع".

ويتزامن تصريح ميركل اللافت مع إعلان السفير الألماني لدى ليبيا وليفر أوفكزا، أن برلين تجري مشاورات بهدف عقد مؤتمر دولي حول ليبيا في ألمانيا.وكتب الدبلوماسي الألماني في تغريدة "ألمانيا تشعر بالقلق حيال الوضع في ليبيا وتشارك الكثيرين في ضرورة بذل جهود جديدة لتحقيق الإستقرار في ليبيا، استناداً على الخطة المكونة من 3 بنود التي قدمها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، غسان سلامة في إحاطته الاخيرة لمجلس الأمن.وأردف كاشفاً عن قيام حكومة بلاده بـ"عملية تشاور مع الشركاء الدوليين الرئيسيين"، وقال "فبفضل العمل التحضيري الكافي، فإن مثل هذه الجهود ستؤدي إلى حدث دولي ذو مغزى في فصل الخريف الحالي".

وفي إحاطته أمام مجلس الأمن أعلن المبعوث الأممي عن شروعه في حملة مكثفة مع الفاعلين الدوليين من أجل التوصل إلى توافق في الآراء بشأن عقد اجتماع دولي للأطراف المعنية من شأنه أن يسهم – من خلال رسالة لا لبس فيها – في إنهاء النزاع واستئناف العملية السياسية. ودعما لهذا الهدف، قام بزيارة إلى ألمانيا ومالطا والإمارات العربية المتحدة وتركيا وتونس. وقبل يومين، أجرى مناقشات مطولة وبناءة مع كبار المسؤولين في القاهرة. ويعتزم مواصلة جولته في الأيام المقبلة.

وفي هذا السياق أعرب عن امتنانه بوجه خاص لمجموعة الدول الكبرى السبع على الرسالة القوية التي وجّهَتها من خلال دعوتها إلى عقد مؤتمر دولي يضم جميع الأطراف المؤثرة والفاعلين الإقليميين ذوي الصلة بالنزاع في ليبيا، ولإقرارها بأن الحل السياسي وحده يمكن أن يضمن استقرار ليبيا.

يذكر أن مجموعة الدول الكبرى السبع، كانت دعت خلال قمتها التي عُـقدت نهاية أغسطس الماضي، في فرنسا، إلى تنظيم مؤتمر دولي لمناقشة الملف الليبي. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حينه إن مجموعة الدول السبع أكدت دعمها لليبيا، مشددة على ضرورة وقف إطلاق النار، والدفع نحو حل سياسي.

والشهر الماضي كشف مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة عن خطط لعقد مؤتمر دولي بشأن ليبيا تشارك فيه الأطراف الأجنبية التي تدعم الجماعات المتناحرة على الأرض من دون أن يذكر مكان انعقاده.ونقل دبلوماسيون عن سلامة تأكيده قدرة ألمانيا على القيام بجهود وساطة لكونها طرفا محايدا في الصراع على عكس دول أخرى مثل فرنسا وإيطاليا اللتين تتنافسان على النفوذ ولهما مصالح تتعلق بالنفط والغاز في ليبيا.

وقالت صحيفة "العرب" اللندنية،الأربعاء،أن ألمانيا تستعد لعقد مؤتمر دولي بشأن ليبيا وهي الخطوة التي من شأنها إخراج الملف الليبي من دائرة التنافس الفرنسي الإيطالي الذي تصاعد في السنوات الأخيرة وتراجعت حدته خلال الأشهر الماضية.ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن المؤتمر الدولي يتم التجهيز له عبر خطوات رصينة لتحاشي أخطاء مؤتمري باريس في مايو وباليرمو في نوفمبر من العام الماضي حول ليبيا، والخروج بتوصيات قابلة للتنفيذ، لأن الأزمة لن تحتمل فشلا دوليا يضاعف جراحها.

وأكدت المصادر أن المؤتمر الجديد يعقد في ألمانيا خلال شهر نوفمبر المقبل،مشيرة الى أن دخول ألمانيا على خط الأزمة في هذا التوقيت،مأتاه أن حكومة برلين باتت على يقين بأن استمرار تدهور الأوضاع في ليبيا يمثل قنبلة موقوتة لها في ملف الهجرة غير المشروعة والذي يؤرقها كثيرا، وترى أن أي خطوات أمنية تتخذها في الداخل لن تنهي تماما أزمة الهجرة، طالما هناك مناطق تعم فيها الفوضى ويتسرب منها مهاجرون إلى أوروبا.

وأضافت الصحيفة نقلا عن المصادر أن أي رعاية مباشرة من فرنسا أو إيطاليا لن تكون مقبولة من جانب أطراف عديدة، لاهتزاز صورتهما السياسية بعد فشل مؤتمري باريس وباليرمو، ما تطلب دخول طرف غير متهم بالانحياز لأحد أطراف الصراع، مثل ألمانيا التي يحظى تحركها بدعم قوى كبرى راهنت على حسم الجيش الليبي المعركة العسكرية سريعا.

وقال منسق العلاقات العربية الألمانية في البرلمان الألماني،عبد المسيح الشامي، إن "الدور الحيادي لألمانيا يعطيها ميزة عند الفرقاء الليبيين في حال قيامها بالوساطة".وأعرب الشامي، في تصريحات لوكال "سبوتنيك" الروسية، عن اعتقاده بأن المؤتمر الذي دعت إليه ألمانيا تم التحضير له جيدا مع الأطراف المعنية، مشيرا إلى أن فرص نجاحه كبيرة، بالرغم من محاولات دول مثل وأمريكا وفرنسا لمنع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى ومنها ألمانيا من لعب دور مهم في ليبيا.ولفت الشامي إلى أن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل كانت حريصة منذ عدة سنوات على الدخول في مباحثات مع أطراف لها تأثير في ليبيا مثل مصر  لحل الأزمة.

وتتنافس فرنسا وإيطاليا على قيادة المحاولات الدبلوماسية لتحقيق الاستقرار في ليبيا،ففي مايو 2018، استضافت باريس محادثاتٍ ضمت العشرات من المندوبين ورؤساء الدول، فضلاً عن أربعة شخصيات ليبية متنافسة: فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق؛ والمشير خليفة حفتر،القائد العام للجيش الوطني الليبي ؛ وعقيلة صالح عيسى، رئيس البرلمان وخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا.

وفي مؤتمر باريس، وافق القادة الليبيون المتنافسون على إجراء الانتخابات بحلول 10 ديسمبر، والتي توقع الخبراء أنها غير قابلة للتنفيذ. وفي أغسطس، صرح السفير الإيطالي في ليبيا، جيوزيبي بيروني، للصحفيين أنه لا يريد إجراء انتخاباتٍ في ليبيا بأي ثمن. وعليه، أثار تصريحه احتجاجاتٍ في شوارع العديد من البلدات الليبية.

وشجع فشل فرنسا في تحقيق الاستقرار في البلاد إيطاليا على تنظيم مؤتمرها الخاص، الذي عقد في مدينة باليرمو في 12 نوفمبر 2018،ولكن كحال محادثات باريس، لم يساعد المؤتمر في باليرمو على استقرار البلاد،واعترف المسؤولون الإيطاليون والفرنسيون بأن اختلاف المصالح هي المسؤولة عن التنافس الحاصل في ليبيا.

ومنذ الرابع من أبريل/نيسان 2019،تشهد ليبيا توترا كبيرا بفعل الصراع العسكري بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق،وزادت الأمور تعقيدا مع  دخول دول داعمة للمليشيات على رأسها تركيا وقطر اللتين سارعتا لدعم المتطرفين في طرابلس استمرار لسياسة نهب ثروات البلاد وتمرير أجنداتهم في المنطقة عموما.

وحرّكت معركة طرابلس، الصراع القائم بين فرنسا وإيطاليا على ليبيا،خاصة وأن فرنسا، التي تمتلك أصولا نفطية كبيرة في شرق ليبيا تجريها شركة "توتال"،تدعم قوات الجيش الليبي بقيادة المشير القوّي خليفة حفتر، بينما تساند إيطاليا، اللاعب الرئيسي في قطاع النفط بليبيا، المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، وتتواجد لها قوّات عسكرية في مدينة مصراتة، غرب ليبيا.

ولم يعد يخفى ذلك الدعم العسكري الذي قدمته تركيا ولاتزال تحاول تطويره علنا إلى الميليشيات التي تقاتل إلى جانب حكومة فائز السراج.ويبدو أن برلين التي لا تزال تعاني من تداعيات الحرب في سوريا وأزمة اللاجئين الذين استقبلتهم بالآلاف على أراضيها منذ سنوات، أيقنت أن التجربة لا يجب أن تكرر في ليبيا التي تحولت إلى نقطة عبور للمهاجرين غير النظاميين نحو أوروبا.

وبالرغم من الضغوط الدولية التي تؤكد على ضرورة انهاء الصراع المسلح بين الليبيين وحقن الدماء والذهاب الى طاولة الحوار أملا في الوصول الى تسوية تنهى الأزمة الشائكة،فان التوافق بين الأطراف المتصارعة بات صعبا جدا في ظل اصرار كل منهم على رأيه.ويجمع الكثير من المراقبين أن أي استحقاق قادم في ليبيا لا يمكن تحقيقه في ظل وجود المليشيات المسلحة وسيطرتها على مؤسسات الدولة،ويؤكد هؤلاء أن دخول الجيش الى طرابلس واستعادة سلطة الدولة من شأنه وضع ليبيا في الطريق الصحيح نحو بداية البناء.

ومن هنا يمكن القول بأن الوساطة الألمانية وبالرغم التفاؤل الذي يرافقها،الا أن  البعض يرى أن مصيرها قد يكون الفشل أسوة بمبادرات واتفاقيات ولقاءات سابقة.حيث يرى مراقبون أن نجاح مبادرة ألمانيا أو أي مبادرة أخرى،يبقى رهين إجماع وتوافق جميع المكونات الليبية على بدء صفحة جديدة بغية تدشين مسار السلام والمصالحة لبناء دولة مستقرة بعيدا عن المصالح الشخصية وصراعات النفوذ التي كرست الانقسامات طيلة سنوات مضت.