قال الكاتب الصحفي محمد بعيو "أيـهـا الـحـاكـمـون..إعـمـلـوا ولـكـن أعـلِـمـونـا.. نـحـن الــلـيـبـيـون مـواطـنـون ولـسـنـا رعـايـا"
وأضاف بعيو في تدوينة له بموقع "فيسبوك" وأضاف "لست أدري لماذا تغفل حكومة الوحدة الوطنية، ممثلةً في رئيسها المهندس عبدالحميد الدبيبة، عن عناصر القوة والإيجابية التي امتلتكتها في تكوينها وبداياتها، والتي حققتها في عملها وأدائها، خلال الشهور الخمسة المنقضية، منذ نيلها ثقة مجلس النواب بإجماع لا سابق له، واستلامها الفعلي لمهامها وصلاحياتها ومسؤولياتها".
وزاد "لماذا هذا الإصرار الذي أظن أن دافعه الغفلة والسهو، أكثر مما هو التعمد والقصد، على إهدار الفرصة التاريخية التي لم تحصل عليها الحكومات التي سبقتها خلال السنوات العشر المنقضية من عمر المرحلة الفبرايرية في التاريخ الليبي الحديث، وأعني بها فرصة توحيد الشعب حول الخيارات والتوجهات المصيرية، بما يوازي بل ويسبق توحيد المؤسسات الدولتية الرسمية، التي لن تتوحد فعلياً، إلا بعد الإنتخابات وإنتاج السلطات من خلال الشرعية الشعبية".
وتابع بعيو "هذه الحكومة التي جاءت بترتيبات وتفاهمات توافقية محلية ودولية هشة، تحولت إلى حقائق قوية على أرض الواقع، بفضل الإلتفاف الشعبي الوطني حولها في البداية، باعتبارها تمثل أملاً في بعض الإستقرار المعيشي والأمني للسبعة ملايين ليبي، المعذبين في أرضهم، ولولا الحاضنة الشعبية وإلى حد ما الخارجية، لما حصلت الحكومة على الثقة الإكتساحية غير المسبوقة من مجلس النواب المنقسم المتشظي، ولما تجاوزت اعتراضات ومناورات القوى المتضررة من وجودها، والمستفيدة من واقع الإنقسام في الحكومات والمؤسسات والإدارات والموارد، والتقسيم الواقعي للبلاد جغرافياً وسياسياً ومصرفياً، تلك القوى التي خفضت رؤوسها لرياح التغيير التي هبت من جنيف، وعصفت بواقع ووقائع السنوات السبع العجاف من الإنقسام والتقسيم والتشظي والحروب، كانت ولا زالت تتربص وتنتظر لتستعيد ما ضاع منها، ولتعود بالبلاد إلى [المربع الأول] كما وصفه السيد عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، أو حتى إلى [المربع صفر] كما وصفه وزايد عليه السيد خالد المشري رئيس مجلس الدولة، [الشريك المناكف والمشاكس والمعطِّل بمقتضى اتفاق الصخيرات، ذلك الاتفاق المنتهي تاريخياً، والذي هو بلغة الطب ميت سريرياً]، والذي كان يجب أن يُنسخ ويلغى باتفاق جنيف، لولا أن اللاعبين الدوليين وأتباعهم المحليين، أرادوا تركه ليكون حقل ألغام يمكن تفجير بعضه متى شاءوا، في وجه أي محاولة جادة لتحقيق السلام المنشود".
وزاد بعيو "تلك القوى المتعددة المتربصة والمتضررة من وجود حكومة واحدة، لا تحكم واقعياً البلاد كلها، وإن تكن تتحكم في الأموال والتعيينات والزيارات، ولا تحكم بالطبع في السلاح وزعمائه وأمرائه، كانت تدرك أن انحناءتها المؤقتة للرياح ستنتهي قريباً، وستعود مجدداً للتحدي والفعل، مستغلةً أخطاء الحكومة ذاتها، وكي لا أظلم الحكومة وحدها أقول / أخطاء أو تجاوزات أو قصور وعجز السلطة التنفيذة بكاملها، ممثلة في المجلس الرئاسي ومجلس الوزراء".
وقال بعيو "من الطبيعي أن تخطيء الحكومة لأنها تعمل، أو تحاول أن تعمل وتنجز، والذي لا يخطيء هو الذي لا يعمل، ولست هنا في مقام تقييم أداء السلطة التنفيذية الناتجة عن اتفاق جنيف برأسيها الرئاسي والحكومي، ولا نقده في مجمله أو بالتفصيل، ليس لأنها لا تستحق النقد أو لأنني أجاملها، بل لأن هناك ما هو أولى بالقول في هذا المقام والمقال منعاً للإسترسال والإثقال".
وأضاف بعيو "إن حكومة الوحدة الوطنية، تشكو غياب الخطاب السياسي، الذي ينتجه عقل سياسي، وهو ما سبق وقلته مباشرة للسيد رئيس الحكومة، {في لقائي الأول والأخير معه مطلع شهر مايو الماضي}، وبعض الضالعين في علم وعمل السياسة يقولون [إن نصفها خطاب]، والسياسي الحاكم أو المعارض الذي لا يملك ناصية الخطاب، هو سياسي ضعيف مهما كانت قوة إنجازاته، وليس شرطاً أن تتوفر لديه القدرة الذاتية على الخطاب خاصة المرتجل، كما يحب ساسة العرب أن يفعلوا، فيمكن بل يجب حتى لو كان السياسي خطيباً مفوهاً، أن يتم إعداد خطابه وكتابته من فريق متخصص عالي الكفاءة، وأن يتناول كل خطاب موضوعاً محدداً، قد تتفرع عنه بعض الموضوعات الجانبية، في دقة وتركيز وباختصار، وباعتماد لغة الأرقام متوازية مع لغة الكلام".
وأردف بعيو "أن سلطةً في ظروف وواقع حكومة الوحدة الوطنية، بضخامة التحديات التي تواجهها، وحجم المطلوب منها، وضيق الزمن الممنوح لها، كان عليها أن تتوجه إلى الرأي العام ببياناتها وخطب رئيسها، وأحاديث ومؤتمرات الناطق بإسمها، يومياً، وبعض وزرائها عند الضرورة، لكنها للأسف تجاوزت الإتصال المباشر {الذي وللإنصاف عملت فيه بصورة أفضل من سابقاتها بكثير}، واكتفت إلى حد كبير بالإعتماد على منصاتها الألكترونية عبر فضاء التواصل الإجتماعي الواسع، الذي لا ينكر إلا جاهل أهميته وتأثيره في هذا الزمن الجماهيري التواصلي بامتياز، لكن لا يكتفي به وحده وعلى حساب الإعلام والاتصال الجماهيري، إلا واهمٌ يظن أن التقاء الفيس الإفتراضي يغني عن الالتقاء الواقعي وجهاً لوجه، وعقلاً لعقل، وحواراً بحوار".
وأردف بعيو "لقد أكسبت العفوية والاندفاع الحر، غير المحكوم بأي قيود بروتوكولية ثقيلة، المهندس عبدالحميد الدبيبة حضوراً شعبياً وتأثيراً شعبوياً، خاصة في المسائل المحلية، والتي تمس معيشة الناس وأزماتها، بقدر ما مكنت المتربصين به وبحكومته من التقاط أخطاء عفوية، وهنّات بعضها ليست هينة، واستخدامها كمواد خام في إنتاج إساءات، بعضها تجاوز حدود اللياقة والأدب، وإن كان الرجل بصبره وذكائه تجاوزها ولم يتوقف عندها، وخفف من تأثيرها الذي كان سيكون كبيراً وشديداً، لو كان واجهها بالرود الإنفعالية الغاضبة، أو بالشكوى لدى النائب العام، الذي يزدحم مكتبه بمئات الشكاوى، رفعها بعض اللاعبين السياسيين، وحتى بعض النكرات، ضد صحفيين ومدونين، من بينها عدة شكاوى ودعاوى، مرفوعة ضدي أنا شخصياً، وهنا أفتح قوساً وأخرج عن الموضوع قليلاً، لأوجه التحية للمستشار الصديق الصور بشخصه وصفته، والذي لولا اقتتناعه بحرية التعبير، وحق كل صاحب رأي في إبداء رأيه حتى إن أخطأ، خاصةً إذا لم يصاحبه تحريض على القتل أو الإيذاء، لوجدنا عشرات من أصحاب الرأي، وكتاب ومدوني التواصل الإجتماعي وراء القضبان، وذلك ما تريده للأسف كل الأطراف المتصارعة، من العسكريين إلى الليبراليين إلى المتأسلمين والإخوان".
وشدد بعيو على أن "وجود قصور في الأداء الإعلامي والتواصلي لحكومة الوحدة الوطنية في المسائل المحلية، يمكن التغاضي عنه والتسامح معه، لكن الأمر ليس كذلك، حين يتعلق الأمر بقضايا إشكالية كبيرة، ترتبط بالصراع الداخلي والأطراف الخارجية المشاركة فيه، وبما يزيد من حالة الإستقطاب الشعبي والوطني، ويتطلب الأمر وتقتضي الضرورة، بالتأكيد توجهاً مباشراً إلى الرأي العام الليبي كله، للشرح والتفسير والتبرير، وتوضيح الحقائق والمعطيات، وتبيان حقيقة أننا لسنا دولة بالمفهوم الطبيعي والحقيقي للدولة، ولا سيادة لنا بالمعنى الفعلي وحتى الإصطلاحي للسيادة، وأننا في أفضل الأحوال كيان يعيش مرحلة إنتقالية صعبة من اللادولة إلى بدايات الدولة، من خلال إنتاج سلطات السيادة تشريعية وتنفيذية عبر الإنتخابات العامة في 24 ديسمبر هذا العام بإذن الله، وأنّ هذه الحكومة ورثت أوضاعاً واتفاقات ومعاهدات والتزامات، لم تخلقها هي، ولم تكن هي موجودة في الظروف التي خلقت وأوجدت تلك الأوضاع والوقائع، وأن عليها التعامل معها بواقعية براغماتية، وبأعلى قدر من المناورة السياسية الذكية الواثقة الثابتة، غير المتأثرة بالمزايدات السياسية والحزبية والإعلامية والشعبوية والأيديولوجية".
وأردف بعيو "لا ينكر إلا جاحد قدرة رئيس حكومة الوحدة الوطنية على السير الآمن قدر الإمكان، في حقل السياسات الدولية والإقليمية، وتقاطعاتها ومخاطرها، فمن كان يظن أن يزور رئيس وزراء مصر طرابلس، ويتجول مدير مخابراتها في المدينة القديمة، ويجتمع رجال أعمال إماراتيون مع غرفة التجارة في العاصمة طرابلس، مثلما يأتي وزير خارجية قطر، وربما إذا سارت الأمور بنفس السيرورة، ربما سنجد الأتراك والقطريين في بنغازي، ففي السياسة كل شيء ممكن، لأنها هي ذاتها فن الممكن، وفي متغيرات السياسة فإن الثابت الوحيد هو المصالح".
وأضاف بعيو "لابد أن يكون للحكومة مطبخ سياسي قوي، يتكون من أصحاب الإختصاصات المعرفية والخبرات العملية، وعندنا في لــيـبـيــا منهم المئات، وأن يتم إيجاد حوار مجتمعي مباشر واتصالي وتواصلي واسع، وليس فقط نخبوي ضيق، حول القضايا والتحديات الكبرى التي تواجه الوطن وشعبه، ومن أهمها وأخطرها تلك المرتبطة بالجغرافيا السياسية، والصراعات على النفوذ والموارد بين القوى الدولية والإقليمية".
وحذر بعيو من أن "مستقبل هذا الوطن في خطر، والمخاطر كثيرة، لكن أخطرها غفلة الشعب أو استغفاله، أو تعبئته بالدعايات الغوغائية الجوفاء، والشعارات الديماغوجية الرعناء، أو تركه غارقاً في معاناته المعيشية المشروعة، دون وجود المشروع الوطني التقدمي الشامل والحقيقي، ودون أن يجد ما يكفي من الوقت ومن الوعي، لفهم ومواجهة التحديات الوجودية، فالشعوب ليست قطعاناً في حظائر لا حق لها سوى الطعام والهواء، بل هي ركبانٌ في قوافل، تقطع فيافي الحياة، بكامل قدراتها ومسؤولياتها، وتوزيع المهام بينها، مُسيرةً في أقدارها، لكنها مُخيّرةٌ في مصيرها وفي قرارها، بين ملاقاة الوجود، أو مواجهة العدم.".