تبدو الأوضاع الأمنية في ليبيا أكثر قتامة من ذي قبل، فالجماعات المسلحة المتشددة أصبحت أكثر عنفا من أي وقت مضى، وتخدم أجندات تنظيم القاعدة لأسلمة الدول المغاربية وإقامة إمارة تُطبّق فيها الشريعة، في مواجهة مجتمع يصبو إلى الخروج من الفوضى وبناء دولة المؤسسات وتحقيق التنمية والرفاه.

نفى مصدر بوزارة الدفاع الجزائرية، أمس، أن يكون قائد كتيبة “الموقعون بالدم”، المحسوبة على القاعدة، مختار بلمختار، قد وقع أسيرا في يد قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر مؤخرا ببنغازي (شرق ليبيا)، مشيرا إلى أنه مازال يتحرك على الأراضي الليبية.

ونقلت صحيفة الشروق الجزائرية الخاصة عن المصدر بوزارة الدفاع، والذي وصفته بالموثوق، قوله إن “القيادي في تنظيم القاعدة مختار بلمختار المكني بـ’الأعور’ تمّ رصده بمنطقة أوباري الليبية (جنوب غرب)، مع مجموعات مسلحة تنتمي إلى نفس التنظيم المسلح الناشط بمنطقة الساحل”.

ونشرت وسائل إعلام جزائرية نهاية مايو الماضي تقارير مفادها أن قوة أميركية ألقت القبض على مختار بلمختار بالتعاون مع قوات حفتر ببنغازي. وأعلنت السلطات الأمنية والعسكرية الجزائرية، “أنها لم تتلق أيّة معلومة مؤكدة حول مصير الإرهابي المطلوب دوليا خالد أبو العباس المكنى مختار بلمختار بليبيا”. وأكدت مصادر أمنية مختلفة، “أنّ بلمختار يتنقل باستمرار في مناطق صحراوية بين النيجر وليبيا، ويوجد أحيانا في جنوب غرب ليبيا”.

يشار إلى أن مختار بلمختار (واسمه الحقيقي خالد أبو العباس) هو جهادي جزائري ينشط في شمال مالي، وهو قائد كتيبة “الموقعون بالدم” التي تبنّت الهجوم على المنشأة الغازية، بجنوب شرق الجزائر، مطلع العام 2013.

وكان بلمختار (الشهير بلقب الأعور لفقده إحدى عينيه) أميرًا في تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، ثم قرر مغادرة التنظيم نهاية العام 2012، وإنشاء مجموعة خاصة به مكونة من انتحاريين في شمال مالي تسمى “الموقعون بالدم”.

ويذكرُ أنّه أعلن ولاءه مطلع الشهر الجاري لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، حيث قال في بيان نشرته مواقع جهادية: “وفي خضم هذه التطورات التي طرأت على الساحات الجهادية مؤخرا، رأينا لزاما علينا أن نؤكد ثقتنا والتزامنا بمنهج وتوجيهات أميرنا الشيخ أيمن الظواهري حفظه الله، إيماناً منَّا بصواب هذا المنهج”. وصدرت في حق بلمختار مذكرة توقيف دولية من واشنطن، قبل أشهر، كما أنّه مصنّف على رأس لوائح الإرهاب لديها.

ويرى مراقبون أن ليبيا تعيش اليوم حالة من الفوضى العارمة بسبب الانفلات الأمني وتواطؤ البرلمان مع الجهاديين الذين نجحوا في اختراق المجتمع السياسي، وذلك بدعم إخوان ليبيا من أجل التحريض باسم القوانين والتشريعات ضدّ قوات حفتر المناهضة للإرهاب ومواليه.

الجدير بالذكر أنّ الجماعات الجهادية في ليبيا بدأت تنشط منذ بداية الثمانينات، وقد تكوّنت العديد منها على أنقاض جماعات مقاتلة في أفغانستان، ولعلّ أهمّ تنظيم جهادي تولّى القيام بأعمال إرهابية في سبيل إقامة الإمارة الإسلامية، الجماعة الإسلامية المقاتلة التي اعتبرت في بيانها التأسيسي النظام الليبي “نظاما طاغوتيا مرتدا، لابد من إعلان الجهاد ضده، ولابد من استئصاله، انطلاقا من أن الإسلام: كتاب يهدي، وسيف ينصر ويحمي”.

 

وكان النظام الليبي قد واجه الجماعة الإسلامية المقاتلة بكل قوة، فقام بعدد من عمليات التصفية الجماعية ضد أعضائها، مثل العملية التي تعرف بمذبحة سجن “أبو سليم” سنة 1996، والتي تشبه ما حدث في سجن “تدمر” في سوريا، بالإضافة إلى تقسيم المدن والمناطق إلى مربعات أمنية، وانتشار رجال الأمن في كل المدن والقرى وتفيد تقارير استخباراتية بوجود ثلاثة معسكرات سرّية لتدريب الجهاديين العرب في منطقة “سبها”، جنوب ليبيا، تمّ استحداثها بعد الإطاحة بالقذافي ويشرف عليها قائد عسكري، وأحد الأمراء السابقين للجماعة الليبية المقاتلة المحظورة التي لها علاقات بالجماعات الإخوانية في مصر وبلدان عربية أخرى.

وتضمّ هذه المعسكرات الثلاثة المئات من الجهاديين الذّين تمّ استقطابهم حديثا من دول شمال أفريقيا وأفريقيا الوسطى، وفي مقدّمتها تونس، مصر، ساحل العاج، موريتانيا، السنيغال، السودان، الجزائر والنيجر، غير أنّ الجنسيات الأكثر تواترا بين الجهاديين هي التونسية والمصرية والموريتانية.

وبذلك تكون ليبيا قد أصبحت معقلا أساسيا لتنظيمات القاعدة الإرهابيّة، التي اتخذتها مركزا لعملياتها في منطقة شمال أفريقيا، وأفادت تقارير إخبارية بأن زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، أرسل العضو الناشط في التنظيم، عبدالباسط عزوز، إلى مدينة درنة الليبية التي أعلنها مؤخرا أنصار الشريعة “إمارة إسلامية”، للإشراف على هيكلة القاعدة في ليبيا والتنسيق بين مختلف فروع التنظيم الإرهابي في المنطقة المغاربية.

وفي سياق متصل، أصدرت بعثة الأمم المتحدة، في وقت سابق بيانا، تحث فيه الليبيين على التوحد ضد الإرهاب والعنف المتصاعد، وذلك بدعوتها إلى حوار وطني يضم جميع الأطياف السياسية والفاعلين في البلاد من أجل تجاوز الأزمة الراهنة، وعبر عن ذلك طارق متري، رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، بقوله: “على الليبيين أن يتوحدوا ويتحاوروا لحل الأزمة السياسية والأمنية، فالأزمة الراهنة حلّها بأيدي الليبيين أنفسهم”.

 

*نقلا عن العرب اللندنية