منذ تواتر عمليات "بوكو حرام" في منطقة أقصى الشمال الكاميروني، شهد الوضع الأمني تدهورا ملحوظا، كان لابدّ أن يخلق ثغرات تشجّع على تنامي التجارة الموازية، وتفشي الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة.

وهو ما أدى بحسب مراقبين إلى تراجع الإيرادات الجمركية بالكاميرون مقابل ازدهار السوق الموازية، بحسب رئيس الجمارك بأقصى منطقة الشمال الكاميرونية "جون ماري ويتونديي"، في تصريح للأناضول.

التوقّعات التي تضمّنتها القوائم المالية لسنة 2014، والخاصة بالعائدات الجمركية في الكاميرون، أظهرت استشرافات متفائلة حين بلغت الـ 1.6 مليون دولار، ولكن، كما عقب ويتونديي فإن "الحقيقة قد لا تحتمل كلّ هذا البريق".

رئيس الجمارك بأقصى منطقة الشمال الكاميرونية، والذي التقاه مراسل الأناضول في مدينة "ماروا"، أقصى الشمال، أوضح قائلا "في العام 2011، شهد قطاع الجمارك بمنطقة أقصى الشمال جنوحا نحو الارتفاع، ولو تمّ احترام المحاور العريضة التي تؤسّس لديمومة هذه الزيادة، لكنّا حقّقنا إيرادات شهرية تقدر بـ 1.6 مليون دولار، وليس 800 ألف دولار والتي تشكّل جملة دخلنا في الشهر".

أسباب الفجوة العميقة الحاصلة بين التوقّعات والإنجازات فيما يتعلق بالدخل الجمركي عديدة، غير أنّها، وبحسب ويتونديي، "تتفرّع لتعود إلى الجذور ذاتها: انعدام الأمن.. فالوضع الأمني في المنطقة ما فتئ يشهد تدهورا تدريجيا، أدّى بمرور الوقت إلى ازدهار تجارة البضائع المهرّبة".

وتابع رئيس جمارك المنطقة التي تتقاسم حدودها مع نيجيريا، معقل مجموعة بوكو حرام المسلّحة، قائلا "منذ ما يزيد عن السنتين، وتحديدا في يناير/ كانون الثاني 2012، تأثّر الاقتصاد الكاميروني في أقصى المنطقة الشمالية بفعل هجمات بوكو حرام، إلا أن الأمور شهدت تعقيدات متزايدة خلال الأشهر الأخيرة".

"ويتونديي" أضاف: "كان أهمّ مركز جمركي لنا يقع في مدينة "ليماني" (على بعد حوالي 20 كلم من الحدود مع نيجيريا)، وكان من بين مهامه مراقبة عبور البضائع القادمة من نيجيريا". وتابع: "اليوم، لم يعد هناك بضائع، وتحولت "ليماني" إلى منطقة يغيب فيها الأمن بشكل ملحوظ، وهذا ما أدّى تدريجيا إلى انخفاض كبير في حجم الواردات بشكل عام".

ووفقا لقانون المالية في الكاميرون، فإنّ ميزانية البلاد تعتمد بشكل كبير على الدخل الجمركي والجبائي (عائدات الضرائب)، تليها عائدات النفط، ثمّ القروض فالهبات، وهو ما يعني أنّ الجمارك هي العمود الفقري للاقتصاد الكاميروني.

وعلى الرغم من أنّ مركز الجمارك بـ "ليماني" على الحدود مع نيجيريا أغلق بصفة رسمية، إلا أنّ ذلك لم يمنع تدفّق بعض السلع المصنوعة في نيجيريا، والتي تلقى رواجا في الكاميرون، من ذلك عصائر الفاكهة، والمجوهرات، وإكسسوارات الهواتف المحمولة، بالإضافة إلى الملابس وحتى زيت الديزل والبنزين، بحسب مراقبين.

ويتم تسريب البضائع عبر الحدود الكاميرونية قادمة من نيجيريا، لكن بدون إتمام الإجراءات الجمركية المتعارف عليها في المعاملات التجارية الدولية. انعدام الأمن في منطقة أقصى الشمال الكاميروني فرض على السكان تغيير أنشطتهم، بعد اندثار وتراجع القطاعات التي تتطلّب مناخا أمنيا ملائما.

ومن هؤلاء "فيليكس كامسولوم" (أحد سكان ماروا)، والذي تحول منذ شهر مايو/ أيار الماضي من دليل سياحي في مدينة "ماروا" إلى بائع بنزين. ويتم جلب هذا الوقود في حاويات من البلاستيك تبلغ سعتها 50 لترا من نيجيريا نحو الكاميرون من قبل مهرّبين يستقلّون دراجات نارية تمكّنهم حركتها الخفيفة وقدرتها على اجتياز الهضاب والتلال من التحرّك بيسر، وعبور الحدود من جهات متعدّدة.

وتبريرا لهذا التغيير الجذري في مجال عمله، قال "كامسولوم"، في مقابلة سريعة جمعته بمراسل الأناضول، بمدينة "ماروا": "أفعل هذا لتغطية نفقاتي في انتظار عودة السياح إلى المنطقة".

وأضاف "كنت في انتظار مجموعة تضم 8 سياح، وكان من المتوقّع أن تأتي (إلى ماروا) في 8 أبريل (نيسان)، غير أنّ عملية اختطاف 3 رجال دين (أسقفين إيطاليين وراهبة كندية تم الإفراج عنهم مؤخرا) في الخامس من الشهر نفسه، أحبط المشروع برمته، وأجبر السياح على إلغاء حجوزاتهم على الفور".

عملية اختطاف رجال الدين أثارت الإحباط في نفوس الجميع في مدينة ماروا، غير أنّ اختطاف 10 عمال صينين شهرا بعد ذلك، وأد كلّ بارقة أمل باستعادة المدينة لنسقها المعهود، بحسب مراسل الأناضول. "كامسولوم" قال بأسف ظاهر "مع حادثة اختطاف الصينيين، فقدت الأمل نهائيا، إذ لا يمكن لأيّ سائح المجازفة بالمجيء إلى هنا في الوقت الراهن".

على طول شوارع مدينة "ماروا"، ينتصب باعة الوقود المهرّب على مرأى ومسمع من السلطات الإدارية والأمنية.. لا أحد بإمكانه التصدّي لهذه الظاهرة، لأنذ لا أحد – ببساطة - يجازف بتحويل الأزمة الاقتصادية إلى احتجاجات شعبية عارمة.

ويبلغ سعر اللتر الواحد من الوقود المهرب 1.07 دولار، في حين أنّ اللتر من الوقود الذي يباع في محطات الخدمات يتجاوز السعر المذكور بـ 0.2 دولار. "كاموسولوم" أوضح في السياق ذاته قائلا "بفضل هذا الوقود أتمكّن من إعالة عائلتي"، متابعا "أدرك جيدا أنه نشاط غير قانوني، لكني أعتقد أنّه من الأفضل الحصول على القوت بهذه الطريقة بدل الاستيلاء على ممتلكات الغير وسرقة المنازل".

وختم رئيس الجمارك "جون ماري ويتونديي" بقوله: "بطبيعة الحال، نحن نعلم بوجود السلع المهرّبة، فالحدود بين البلدين (نيجيريا والكاميرون) طويلة، ومن الصعب مراقبتها بشكل كامل، وهذا ما يخلق ثغرات ينفذ منها المهرّبون".