و أنت تسير على كورنيش العاصمة الجزائرية العتيق باتجاه غرب المدينة يستوقفك لا محال منظر بناية قديمة تبدو متأثرة بعوامل الزمن والإهمال أيضا. ملامح بنائها يوحي للوهلة الأولى على أنها كانت مركزا عسكريا استعماريا فرنسيا أو عثمانيا، خاصة وأنه يلاقي أمواج البحر المتوسط برحابة واجهته العالية وبكثرة نوافذه وأبوابه و شرفه. المنزل أو المكان ظل وإلى الوقت الحالي عنوانا للأشباح حتى سمي "ببت الأشباح" فيما اتخذه البعض من المنحرفين لتناول الكحول والمخدرات فيه حتى أصبح مهملا ووسخا جدا وهو الذي يستحق التفاتة من وزارة الثقافة الجزائرية بالنظر إلى موقعه وتاريخ بنائه وهندسته الجميلة ليصنف ويرمم ويكون مزارا أو متحفا لما لا.
تاريخ البيت العتيق
بنيت القلعة من طرف دوق فرنسي يمى "غراندفال" سنة 1930 ميلادية وسماها فيلا " فلورنسا" ويشاع أعلى أنه طبيب توخي إكثار الأبواب والنوافذ لتجنب الرطوبة العالية بسبب قربها من البحر. وقد توفي صاحبها عاما فقط بعد بنائها عن عمر ناهز ال57 عاما واضطرت عائلته لبيعها لسلطات الإدارية الفرنسية الحاكمة آنذاك والتي سلمتها بدورها بين سنتي 1939 و 1945 الي قوات الحلفاء الخاصة (وهي فترة الحرب العالمية الثانية) كموقع عسكري موكل له التنسيق والحراسة. وبعدها استفادت منها بلدية "الرايس حميدو" كما تسمى الآن (يوجين سابقا) لتحولها إلى مدرسة ابتدائية تعلم فيها بعض من أبناء الجزائريين أيضا على قلتهم. وسكن المدرسة في طابقها العلوي مديرها "سيغوري" مع عائلته وظلت تحافظ على جمال منظرها حتى عام 1992 وأيام فقط قبل استقلال الجزائر حين تعرضت لتفجير من قبل المنظمة السرية الفرنسية المناوئة لانسحاب فرنسا من الجزائر واستقلالها وحينها تعرض المنزل لانهيار جزئي.
القلعة بعيد استقلال الجزائر
بعد تعرض المنزل للانهيار الجزئي وبعد سنوات الاستقلال الأول للجزائر لم تهتم الدولة الفتية به بشكل كبير وسرعان ما أصبح ملجأ لعديد العائلات الجزائرية التي هجرت الأرياف باتجاه العاصمة بحثا عن العمل. ولكن هذا الحال لم يدوم بعد تزايد قدم المبنى وتخوف السلطات من انهياره فعمدت إلى طر العائلات منه و معها أصبح مهجورا ووكرا للفساد و لعربدي الخمور والمخدرات عبر عقود، ومع تأثره بالرطوبة وعدم تأهيله وترميمه بات ينهار جزءا بجزء وشهد سقوط لأسقف غرفه جملة واحدة، وهنا ومع تخوف الاقتراب منه خاصة ليلا أصبح يلقب "ببيت الأشباح". ويحكي عمي "علي" وهو حارس المكان بعد الاستقلال واحد تلميذة المدرسة الابتدائية فيه انه كان يتمتع بحالة جيدة حتى سنة 1970، وبغض النظر عن الجزء المفجر فيه إلا أن حالته العامة كان جيدة ويشكل منظر ساحرة قبالة البحر خاصة وأنه مصمم على ساحل صخري وبات يلقب أيضا ب " شاتو دوكس مولان " ويعني في شقي الكلمة قصر ومنطقة الطاحونتين والتي سميت كذلك إبان الحقبة الاستعمارية الفرنسية لوجود مطحنتي هواء على الساحل البحري. وقد نسجت الكثير من الحكايات عن الأشباح التي تسكنه والتي يعتقد السكان المحليون أنها موجودة حتى ألان وتناقلوا قصصا عمن قتل فيها ليلا لمجرد انه حاول كشف سرها.
حكاية قبو التعذيب بالكازينو
يشاع محليا أيضا من جملة الحكايات المتوارثة والمنقولة عن المكان الذي بات مخيفا عبر عقود -و هو أيضا على شبكات التواصل الاجتماعي الآن- حكاية القلعة التي كانت "كازينو" إبان الفترة الاستعمارية والتي كان بأسفلها قبوا يعذب فيه الجزائريون المجاهدون واللذين حسب الروايات أن أرواحهم تظهر بين الحين والحين. ولم تكتفى الحكايات بهذا القدر بل تعدت إلى أخرى مشهورة ورائجة أيضا والتي بطلها مريض عقلي اتخذ من المكان ملجأ له قبل أن يشنق نفسه ذات ليلة وبعدها أصبحت روحه حارسة للمكان و تقتل كل من يحاول الاقتراب منه خاصة ليلا.
ماذا لو يكون المكان مزارا سياحيا
تعرض المبنى مجددا لعمليات تساقط لأجزائه أثناء الزلزال الذي ضرب غرب العاصمة (في محافظة بومرداس) سنة 2003 وحينها ظهر بعض التشققات وتساقط الجزء الغربي مما تبقى من الشكل الدائري للمبنى بشكل شبه كلي. و معها ازداد الحديث حول المكان وأهميته التاريخية والحضارية وأصبح يتردد عند الكثيرين وعند من يرتدون المكان ولو لأول مرة أيضا مقولة: ماذا لو يكون المكان مزارا سياحيا. و قد لا يبدو الأمر بالشيء الكبير لدى وزارة الثقافة الجزائرية التي قامت بأعمال ترميم للعديد من المنشآت الثقافية بكامل أرجاء البلاد خاصة وانه يتوسط العاصمة ويقع بمكان بحري جذاب. وبالإضافة إلى الحركية السياحية التي سيبعثها فإنه على الأقل سيشكل منفذا للعمل لبعض شباب المنطقة ولمحالها ومطاعمها