تعد الخلافات السياسية بين دول المغرب العربي من أبرز العراقيل امام تطور المنطقة وتحولها الى قوة اقليمية كبيرة تواجه المنافسة الخارجية وتحقق طموحات الشعوب المغاربية.ويبدو الامر أكثر سوءا مع تواصل انعدام الثقة وغياب التعاون بين البلدان المغربية في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، الأمر الذي يُعطي الفرصة للتنظيمات الإرهابية التي مارست جرائمها خلال السنوات الماضية في دول المنطقة للعودة من جديد وهو ما يعني خطرا كامنا يتربص بالدول المغاربية.
بالرغم من الضربات التي تلقتها التنظيمات الارهابية مع سقوط أكبر معاقلها وافشال مخططاتها في عدة دول،فان ذلك لا ينفي تواصل المخاطر علي منطقة المغرب العربي التي شهدت معظم دولها خلال الربع الاشهر الأخيرة، عمليات إرهابية أو استباقية ألقي فيها القبض على بعض الخلايا التابعة للتنظيمات الإرهابية.
فالأسبوع الماضي،أعلن الجيش الوطني الليبي وقوع اشتباكات مع مجموعات إرهابية تنتمي إلى تنظيم "داعش" بالقرب من "القطرون" جنوب غرب البلاد.وأكد اللواء خالد المحجوب مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الليبي،في منشور عبر حسابه في"فيسبوك"، مقتل 23 عنصرا من تنظيم داعش الإرهابي في هذه المواجهات.
 وجاءت هذه الاشتباكات بعد هجوم إرهابي استهدف عسكريين للجيش الوطني الليبي، بين منطقتي مجدول والقطرون، حيث تعرضت سيارة عسكرية تابعة للجيش للهجوم أثناء عودتها من مهمة استطلاعية بمدينة تراغن، جنوب غرب البلاد، وإلى الجنوب من سبها، كبرى مدن الجنوب الليبي.وقتل جراء هذا الهجوم جنديان وأصيب ثالث بجروح خطيرة، فيما أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن الهجوم.
ويشهد الجنوب الليبي وجودا مكثفا للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم "داعش"، الذي يسعى جاهدا لتنظيم صفوفه وإيجاد قاعدة للتمركز وشن عمليات إرهابية في الداخل الليبي وذلك بعد أن خسر أهم معاقله في مدن سرت وبنغازي ودرنة وتشتت عناصره الفارة هنا وهناك.وسعى التنظيم الارهابي الى اعتماد نمط جديد من الانتشار والتمدد، من خلال الخروج للصحراء الواسعة بعيداً عن مدن الساحل المركزية، والتحصن بالوديان والجبال في سبيل إعادة تنظيم نفسه وإمكاناته.
وفي تونس،أحبطت السلطات عملية إرهابية خططت لها امرأة تلقت تدريبات في سوريا، وكانت تخطط لاستهداف مناطق سياحية بحزام ناسف،وفق ما أعلنت وزارة الداخلية التونسية الجمعة 28 كانون الثاني/يناير 2022 ،مشيرة الى أن التحقيق كشف أيضاً تورط "عضو ارهابي" آخر من الجنسية التونسية في التخطيط لهذا الهجوم.
وكشفت وزارة الداخلية أن الفتاة التونسية البالغة 22 عاما، قدِمت من سوريا بعد أن التحقت بأحد التنظيمات الإرهابية في 2020، وتلقت تدريبات هناك.وتم توقيف المشتبه فيها بمطار قرطاج بالعاصمة تونس، حيث تواصلت خلال تواجدها بسوريا مع شخص تونسي الجنسية، الذي كان سيتولّى انتظار وصولها وتمكينها من حزام ناسف.وتبين فيما بعد أنه عنصر إرهابي تم إيداعه مؤخرا السجن بعد تورطه في التخطيط والإعداد لعمليات إرهابية كانت ستستهدف مسؤولين بارزين في الدولة نهاية 2021، بحسب بيان للداخلية التونسية.
وشن تنظيم داعش الإرهابي العديد من الهجمات الدموية البشعة في تونس على غرار  الهجوم على شاطئ في مدينة سوسة،والذي ادى الى مقتل39 أجنبياً بالرصاص ما أدى إلى نزوح جماعي للسياح وألحق أضراراً بالغة بالاقتصاد التونسي.وأصبحت الأجهزة الأمنية التونسية أكثر فاعلية في منع الهجمات والرد عليها، لكن الخلايا النائمة لا تزال تمثل تهديداً، خاصة مع عودة الجهاديين من سوريا والعراق وليبيا.
وفي الجزائر،قتل الاسبوع الماضي، عسكريين اثنين، على اثر إشتباك مع مجموعة إرهابية على الشريط الحدودي بمنطقة حاسي تيريرين بالقطاع العملياتي عين قزام بإقليم الناحية العسكرية السادسة.وأفاد بيان لوزارة الدفاع أن القتيلين، هما الملازم العامل سيدهم مرباح الدين والعريف المتعاقد بن عليوة نسيم.
وأوضحت الوزارة أن هذه العملية أسفرت عن القضاء على إرهابيين واسترجاع رشاش ثقيل عيار (12.7 ملم) ومسدسين رشاشين من نوع كلاشينكوف، وسيارة رباعية الدفع وكمية من الذخيرة من مختلف العيارات.وقدم رئيس أركان الجيش الفريق السعيد شنقريحة تعازيه إلى عائلاتي الجنديين، وشدد على مواصلة عمليات مكافحة فلول الجماعات الإرهابية وحماية الحدود من آفة الإرهاب وكل أشكال الجريمة المنظمة في كل الظروف والأحوال.
وتعتبر الجزائر إحدى أكثر الدول التي تتهددها المخاطر التى تشكلها الجماعات الإرهابية خاصة  التي تنشط في الأراضي الليبية.وتثير حالة الفوضى وتمركز العناصر الارهابية في المناطق الحدودية،مخاوف السلطات الجزائرية التى باتت تعتبر حماية الحدود أولوية قصوى لتحصين نفسها ضد المخاطر الإرهابية.
وفي المغرب،أعلنت شرطة مكافحة الإرهاب المغربية،الأربعاء 26 يناير 2022، أنها أوقفت شخصين يشتبه بارتباطهما "بخلية إرهابية" موالية لتنظيم الدولة الإسلامية.وقالت السلطات المغربية،في بيان صحفي،إنه تم القبض على المشتبه فيهما في مدينة "بن جرير ودوار سيدى كروم " في إطار الجهود التي تبذلها سلطات الأمن من أجل مكافحة مخاطر التهديد الإرهابي، وإجهاض المخططات التخريبية التي تستهدف أمن الأشخاص والممتلكات.
وأضافت أنه اثناء عمليات البحث والتفتيش التى جرت في منزلي المشتبه بهما عثر على هواتف نقالة ومجموعة من المنشورات ذات محتوى متطرف.وأكدت أنه تم التحفظ على الشخصين المقبوض عليهما تحت الحراسة لحين استكمال التحقيقات تحت إشراف النيابة العامة المكلفة بقضايا الإرهاب والتطرف، للكشف عن ارتباطاتهما بالتنظيمات الإرهابية الإقليمية والدولية، وتحديد مشاريعهما التخريبية التي كانت تستهدف أمن المغرب وسلامة المواطنين.
وظل المغرب بمنأى عن هجمات إرهابية في السنوات الأخيرة حتى أواخر 2018 عندما قتلت سائحتان اسكندنافيتان ذبحاً في ضواحي مراكش بجنوب البلاد، في اعتداء شنه موالون لتنظيم الدولة الإسلامية من دون أن يعلن التنظيم تبنيها.تعلن السلطات المغربية من حين لآخر تفكيك خلايا إرهابية موالية لتنظيم الدولة الإسلامية خصوصا، وتجاوز عددها ألفين منذ عام 2002 مع توقيف أكثر من 3500 شخص، وفق معطيات رسمية.
لا شك ان القضاء على إمارة داعش في سرت الليبية نهاية 2016، وصد القوات الأمنية التونسية محاولة إقامة إمارة للتنظيم في بن قردان في 2017،ناهيك عن الضربات التي تلقتها العناصر الارهابية في الجزائر،جعلت التنظيمات الارهابية عاجزة عن القيام بأي عملية إرهابية واسعة بالمنطقة المغاربية منذ نهاية 2019،لكن نشاطها الأخير في عدة مناطق ينذر بامكانية عودتها وتنظيم صفوفها.
ويمكن أن تكون التحركات الاخيرة في المنطقة المغاربية مرتبطة بمخطط دولي لتنظيم "داعش" خاصة أنها تزامنت مع هجوم شنه التنظيم على سجن غويران الذي يضم نحو 5 آلاف عنصر ارهابي بمدينة الحسكة السورية (شمال شرق) في 19 يناير 2022، واستمر لعدة أيام،كما قتل 11 عسكري عراقي بينهم ضابط في هجوم لعناصر داعش بمحافظة ديالى (شرق)،في 21 من نفس الشهر.
وتبدو المخاطر الارهابية أكثر جدية خاصة مع تواصل ضعف التنسيق الامني بين دول المغرب العربي في ظل استمرار الخلافات على غرار التوتر بين الجارتين المغرب والجزائر والذي وصل الى إعلان الجزائر في 25 أغسطس/آب الماضي، عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط،فيما تصاعدت التحذيرات والمخاوف من اندلاع حرب بين البلدين وسط حديث عن تحشيد عسكري على الحدود
تحضى منطقة المغرب العربي بموقع جيوسياسي حيوي وهام على المستوى الدولي، وتعتبر المنطقة المغاربية ذات موقع جغرافي استراتيجي كونها تقع على مفترق طرق إفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط وجنوب أوروبا والبحر الأبيض المتوسط، كما تعج بالثروات الطبيعية المختلفة وهو ما يجعلها مطمعا للتنظيمات الارهابية التي تسعى للتمدد السيطرة على مناطق لتمويل عملياتها.
وتأتي أهمية التنسيق الامني بين دول المغرب العربي، من منطلق الوضعية الإقليمية الجيوسياسية والجيوإستراتيجية الشديدة التعقيد التي تميز المنطقة، بسبب انتشار الحركات الإرهابية في ليبيا ودول الساحل الإفريقي.ويشير العديد من المراقبون الى أن التنظيمات الارهابية وعلى رأسها "داعش" لديها نوايا واضحة للبقاء فى المنطقة المغاربية ومحاولة السيطرة على مناطق فيها مستغلة الازمات والخلافات التي تعيشها دول المنطقة.