تثير الأوضاع الأمنية المتردية في ليبيا في ظل استمرار حالة الانقسامات والصراعات بين الفرقاء مخاوف كبيرة من إمكانية تحول هذه المنطقة إلى ملاذ آمن للإرهاب ومركز استقطاب للمقاتلين الأجانب حيث يسعى تنظيم"داعش" لاعادة ترتيب صفوفه ونشر الفوضى في اوساط الليبيين؛بغية تعزيز الظروف التي من شأنها أن تتيح له ترسيخ نفوذه السابق.
ومن جديد يعود الحديث عن الخطر الكبير الذي يشكله تنظيم "داعش" الارهابي في ليبيا،وجاء ذلك مع اطلاق روسيا لتحذيرات جديدة من إمكانية تحويل ليبيا إلى قاعدة للتنظيمات الإرهابية في ظل رفض الدول الأوروبية استقبال مواطنيها الذين قاتلوا مع الجماعات الإرهابية، وذلك في فترة تمكن فيها إرهابيون من الفرار من شمال سوريا مستغلين الهجوم التركي على الأراضي السورية.
واعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الأربعاء أن ليبيا تخاطر بأن تصبح قاعدة كبرى للإرهابيين في شمال أفريقيا، في ظل رفض عدة دول أوروبية استقبال مواطنيها الذين قاتلوا في صفوف التنظيمات الإرهابية.ولاحظ في كلمة له خلال المنتدى الاقتصادي الروسي الأفريقي المنعقد في سوتشي،أن "المواجهات العنيفة المستمرة بين الأطراف الليبية أدت إلى ظهور واستمرار فراغ أمني في هذا البلد الذي ينسحب المقاتلون من العراق وسوريا ويتجهون إليه".
ودعا إلى "مساءلة الدول التي توفر المأوى للمقاتلين الذين يغادرون سوريا… الدول الأوروبية تحاول في الآونة الأخيرة وبمختلف الطرق ألا تستقبل مواطنيها الذين قاتلوا في صفوف الإرهابيين الدوليين في سوريا".وقال إن ليبيا تجازف بأن تصبح قاعدة رئيسية للإرهاب، حيث ستنتشر هذه العدوى إلى العديد من بلدان القارة.
ويتوافق التحذير الروسي من إمكانية تحويل ليبيا إلى قاعدة للإرهابيين مع تحذير أطلقه الجيش الليبي خلال الأيام القليلة الماضية وحذر ضمنه من فتح تركيا ممرا آمنا للإرهابيين للتحول إلى ليبيا.وقال الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي، اللواء أحمد المسماري،إنّ تركيا تقوم بغزو في سوريا وتقتحم أراضي عربية، مشيراً إلى أنّ أعداداً كبيرة من الإرهابيين أطلق سراحهم من السجون وباتوا في أيدي الأتراك، محذراً من أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد يعمل على إرسال الإرهابيين الموجودين في سوريا إلى ليبيا عبر موانئ ومطارات طرابلس ومصراتة وزوارة.
وأضاف المسماري، إنّ تركيا سبق لها نقل إرهابيين لدعم الميليشيات المرتبطة بغرف العمليات التركية، وإنها لن تتردد في التخلص من إرهابيي داعش بعد إخراجهم من سجون قوات سوريا الديمقراطية عبر إرسالهم إلى الغرب الليبي لمساندة حلفائها في محاور القتال.ورجّح المسماري أن تتولى تركيا إطلاق آلاف الإرهابيين، ما يمثل خطراً على الأمن والسلام في المنطقة، ولا سيما في ظل وجود عائلات إرهابية ليبية تسكن في تركيا ستساهم في نقل الإرهابيين من سوريا إلى الغرب الليبي، وأبرزها عائلة علي الصلابي، عضو التنظيم الدولي للإخوان.
وكشفت تقارير ليبية وعربية، خلال الاشهر القليلة الماضية؛ أنّ السلطات التركية كثفت من عمليات تجميع العناصر الإرهابية الفارة من المعارك في سوريا، خاصة أفراد تنظيمي "جبهة النصرة" و"داعش"؛ حيث شرعت في نقلهم جواً إلى الأراضي الليبية لدعم الميليشيات المسلحة المنتشرة في العاصمة طرابلس. وتحدثت لجنة الدفاع والأمن القومي في يوليو الماضي عن وصول إرهابيين من مدينة إدلب السورية للقتال إلى جانب "ميليشيات طرابلس" متهمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنقل مقاتلين أجانب من سوريا إلى ليبيا وفقا لبيان صادر عن اللجنة.
ويأتي التحذير الروسي أياما قليلة بعد إعلان القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا "الأفريكوم" عن تنفيذ 3 ضربات جوية استهدفت مجموعات إرهابية متحصنة في الجنوب الليبي وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 57 إرهابيا.وقال مسؤول بوزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" إن سلسلة الضربات الجوية الأخيرة في ليبيا ضد أفراد تنظيم الدولة أدت إلى القضاء على ما يقرب من ثلث القوة القتالية للتنظيم.
وقال مسؤول أمني ليبي، من شرق ليبيا، إن ما تحدث عنه وزير الخارجية الروسي "هو عين الحقيقة، وسبق ونبهنا عنه أكثر من مرة، والقيادة العامة في الجيش الليبي تدرك ذلك"، لكنه قال إن مناطق شرق البلاد "تخلصت من هذا الخطر وقضت عليه".وأضاف العقيد محمد عبد السلام المصينعي لصحيفة "الشرق الأوسط":"كان هناك مخطط رهيب لغزو شمال أفريقيا وآسيا، وتكون ليبيا هي القاعدة الرئيسية ويتم الانطلاق منها إلى دول عربية".
وفي غضون ذلك،تتواصل المؤشرات حول تعويل حكومة الوفاق على عناصر ارهابية في الحرب ضد الجيش الليبي،حيث رصدت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش الليبي ظهور عنصر من عناصر تنظيم "مجلس شوري ثوار بنغازي" الإرهابي الفارين من بنغازي، في صفوف قوات الوفاق في محاور القتال جنوب طرابلس.
وهذا العنصر هو محمد نوري حمد وحيشي (37) عام،وهو مطلوب لدى الأجهزة الأمنية لتورطه في عمليات إغتيال داخل مدينة بنغازي والمشاركة مع شورى بنغازي الإرهابي،وقد شارك في أحداث فبراير 2011 رفقة ما عرف بـ "كتيبة 17 فبراير"، كما شارك في المعارك ضد الجيش الليبي مع مجلس شورى ثوار بنغازي منذ عام 2014، وفقا لمقطع فيديو نشرته شعبة الإعلام الحربي عبر صفحتها الرسمية على موقع فيس بوك.
وقد فر الوحيشي خارج بنغازي في أواخر عام 2015 وانتقل إلى مدينة مصراته، وشارك مع ما يعرف بـ"سرايا الدفاع عن بنغازي" في الحرب ضد الجيش الليبي، أثناء محاولتهم التقدم باتجاه مدينة بنغازي، ولديه 5 أشقاء منهم (عيسى وموسى ويونس) الوحيشي، ينتمون لتنظيمات إرهابية مثل مجلس شوري ثوار بنغازي وداعش.
كما عاد الإرهابي المدعو زياد بلعم القيادي المؤسس لما يسمى مجلس شورى بنغازي الإرهابي،للظهور مجددا في أحد محاور القتال بالعاصمة طرابلس ضمن صفوف مجموعات الوفاق المسلحة.وكشف مصدر إعلامي تابع للواء 73 مشاة، أن ظهور الإرهابي زياد بلعم، لم يكن أمرا مفاجئا، لإن القوات المسلحة تدرك جيدا بإن التنظيمات الإرهابية سوف تكشر عن انيابها ولا يستبعد استخدامهم أساليب القتال السابقة في بنغازي ودرنه من ملاغم بإشكال مختلفه إلى العمليات الإرهابية بالسيارات المفخخه (دقم) وغيرها.
ومنذ انطلاق عملية "طوفان الكرامة" التي أعلنها الجيش الليبي في الرابع من أبريل/نيسان الماضي،تقدمت العناصر والجماعات المتطرفة والإرهابية من تنظيمي "القاعدة" و"داعش" الصفوف الأمامية للمليشيات التي تتصدى للقوات المسلحة،على غرار قوات أبو عبيدة الزاوية، والتي تتمركز بشكل أساسي في مدينة الزاوية الليبية، ويقودها شعبان هدية المكني بأبو عبيدة الزاوي، والذي سبق أن اعتقل في القاهرة لانتمائه لتيارات جهادية وعلى إثر ذلك اختطف 5 دبلوماسيين مصريين تمت مقايضتهم به، وينسب لهذه المليشيات حرق 10 طائرات بمطار طرابلس قبل سنوات.
وكشف اللواء أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الليبي عبر مؤتمراته الاستثنائية اليومية منذ انطلاق العلمية أسماء عدد من الإرهابيين والمطلوبين دوليا يقاتلون في صفوف قوات الوفاق.كما كشف المسماري أن مليشيات مصراتة تمكنت بقيادة الإرهابي خالد الشريف من استقدام عناصر داعش من سوريا والعراق عبر مطارات المدينة للمشاركة في الحرب ضد الجيش الوطني الليبي.
ورغم نفي حكومة السراج ذلك فإن جريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية ذكرت في تقرير لها 13 أبريل/نيسان الماضي أن من ضمن المليشيات الموجودة في طرابلس "جماعة أنصار الشريعة" التي بايعت تنظيم داعش.وظهرت أعلام تنظيمي "داعش" و"القاعدة" في عدد من المناطق في طرابلس أثناء المعركة معلقة على جسور المدينة (جسر السواني) ومرسومة على الحوائط،بل شاركت المليشيات صورا لمتطرفين مقتولين تصفهم بالشهداء، تظهر في خلفيتها أعلام وشعارات تنظيم داعش.
وكشفت معركة طرابلس عن انتشار العديد من العناصر الارهابية الفارة من مناطق في شرق وجنوب البلاد وانضمامها للقتال في صفوف المليشيات ضد الجيش الليبي على غرار فلول مجالس شورى بنغازي وإجدابيا ودرنة الفارة من المنطقة الشرقية وبقايا تنظيم أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة الفارة من صبراتة وسرت ومناطق الجنوب.
وتأتي هذه الاتهامات لحكومة الوفاق بالتزامن مع التحذيرات من انتقال عناصر ارهابية الى ليبيا عن طريق تركيا الداعم الرئيسي لحكومة السراج في العاصمة طرابلس.حيث يؤكد متابعون للشأن الليبي أن أنقرة تراهن على عناصر "داعش" الفارة من سجون قوات "قس"د بعد استهدافها من قبل القوات التركية وبهدف نقلهم الى ليبيا نظرًا لاعتباره المكان الأكثر اشتعالًا في المنطقة، لاسيما المصالح التركية الكبيرة فيه.
ومع فوضى انتشار السلاح وتضارب المصالح لدى قادة عدد من الميليشيات المسيطرة على العاصمة طرابلس، يصر الجيش الليبي على مواصلة عملياته العسكرية التي تأتي بحسب مراقبين بسبب استمرار مشهد الانفلات الامني وسيطرة الميليشيات المسلحة على طرابلس، وضعف حكومة الوفاق على الأرض في مواجهة هذا الخليط من الميليشيات وتعويلها عليها ما أدخل البلاد في أزمة خانقة تستمر تداعياتها منذ ثماني سنوات.
ونظرًا لغياب الدولة الليبية، والانقسامات التي تعيشها منذ 2011،يستطيع أي تنظيمٍ إرهابي الاستقرار في هذه الدولة دون مقاومةٍ حقيقية؛ لذلك يسعى تنظيم داعش إلى الاستقرار فيها.وذلك من خلال التعجيل بانهيار الدولة ونشر الفوضى في اوساط الليبيين؛بغية تعزيز الظروف التي من شأنها أن تتيح له ترسيخ نفوذه.
وقد سبق أن جعَل التنظيم من ليبيا في الفترة من 2015-2016 قلعةً له في شمال أفريقيا، واستولى على مدينة (سرت) في 2015، وصرّح البنتاجون في 2016م أن عدد مقاتلي تنظيم داعش في ليبيا في حدود 6500 مقاتل، ومن أهم مميزات ليبيا بالنسبة للتنظيم امتلاكُها ثروةً نفطية هائلة توفّر لهم -حال السيطرة عليها- مواردَ ماليّةً ضخمة،من شأنه توفير التمويل الذي يبحث عنه التنظيم لشن عملياته الارهابية.
ونجح الجيش الليبي منذ العام 2014،في تحرير أغلب مناطق شرق وجنوب ليبيا في خطوة هامة في الحرب على الإرهاب،حيث ساهم في تجنيب ليبيا المزيد من سفك الدماء،اضافة الى تجنيب دول الجوار وخاصة مصر هجمات ارهابية كانت تنطلق من الأراضي الليبية وخاصة مدينة درنة التي مثلت خلال السنوات الماضية أبرز معاقل تنظيم القاعدة على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط،وملاذا لخلايا إرهابية عابرة للحدود من مصر وتونس والسودان.كما نجحت ليبيا في دحر التنظيم في مدينة سرت ومدن شرق البلاد، إلّا أنه ما زال له خلايا في الصحراء.
ويشير خبراء الى أنه من أهم الأسباب التي تدفع تنظيمَ داعش، لاختيار ليبيا كمعقلٍ له، هو الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمعظم جيرانها، ما قد تجعلهم هدفًا سهلًا للتنظيم، بالإضافة إلى موقع ليبيا الجيوسياسي، حيث تقع على حافَة منطقة الساحل، ممّا يسمح لتنظيم داعش بالتوسُّع نحو غرب أفريقيا، ومحاولة التحالف مع "بوكو حرام" التي تنشر الرعب في نيجيريا، وفي منطقة بحيرة تشاد، جنوب النيجر وشمال الكاميرون.