في الوقت الذي مازالت فيه المعارك في العاصمة الليبية طرابلس بين الجيش الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق تراوح مكانها بعد تسعة أشهر من القتال العنيف بين الطرفين،تتجه الأوضاع نحو مزيد من التأزم في ظل التدخل التركي السافر لدعم حلفاء أنقرة من جماعة "الاخوان" وهو ما يهدد باطالة أمد الصراع في البلاد واشعال فتيل أزمة اقليمية قد تكون تداعياتها خطيرة على المنطقة ككل.
وتزايدت المخاوف من توجه الأوضاع في ليبيا نحو الأوسوأ في ظل التدخلات الخارجية التي تؤجج الصراع وعلى رأسها التهديدات التركية المتصاعدة مؤخرا.وحذّرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ،اليوم الجمعة ،من ان التطورات الأخيرة والتصعيد العسكري المتفاقم والتدخل الخارجي المتنامي في ليبيا سيعرض وحدة البلاد للخطر.
وعبرت البعثة،على تويتر،عن أسفها البعثة "للتطورات الأخيرة وللتصعيد العسكري المتفاقم، والتدخل الخارجي المتنامي في ليبيا ولقيام الأطراف بتبادل التخوين وبتعريض وحدة ليبيا للخطر"،مؤكدة حتمية الحل السياسي،واضافت أنها ماضية قدما في مسعاها الحثيث لترميم الموقف الدولي المتصدع في ليبيا وحث الليبيين للعودة لطاولة التفاوض في سبيل حقن الدماء ووقف التقاتل وكبح التدخل الخارجي ووقف إنزال المزيد من النوائب بالمدنيين.

 ومن جانبها،أعربت وزارة الخارجية الروسية، اليوم الجمعة، عن قلقها البالغ من احتمال إرسال تركيا قوات إلى ليبيا.نقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية عن مصدر بالخارجية الروسية،قوله إن موسكو تبدي قلقها البالغ من احتمال إرسال تركيا قوات إلى ليبيا.وأضافت الوكالة أن الاتفاق الأمني بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية يثير تساؤلات كثيرة بالنسبة لروسيا.
وأكدت إيلينا سوبونينا، المحللة السياسية والمستشارة بمعهد الدراسات الإستراتيجية فى موسكو،فى مداخلة هاتفية مع قناة "الغد"،  على أن روسيا تدرك خطورة تصريحات الرئيس التركى أردوغان، والمتعلقة بالملف الليبى، مشيرة إلى أن تصريحات الخارجية الروسية جاءت بمثابة تحذير للرئيس التركى من مغبة التدخل فى الشأن الليبى.

وقالت سوبونينا إن روسيا تريد الحفاظ على علاقتها الجيدة مع تركيا، لافتة إلى أن رجال السياسة فى تركيا يدركون جيدا أهمية التعاون الروسى التركى.وأوضحت المستشارة فى معهد الدراسات الإستراتيجية بموسكو، أن روسيا لديها علاقات مع جميع القوى فى لبيبا، كما تجمعها علاقات قوية مع مصر والإمارات والسعودية، وأن بلادها تلعب دور الوسيط فى الأزمة الليبية.
وكان وزير الخارجية سامح شكري،بحث مع نظيره الإيطالي لويجي دي مايو، آخر مستجدات الأزمة في ليبيا وسُبل دفع جهود استعادة الأمن والاستقرار هناك ودعم مسار التحضير لمؤتمر برلين.وقال المُستشار أحمد حافظ المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية -في تصريح صحفي،الخميس،أن الوزيران تناولا-خلال اتصال هاتفي- مخاطر التصعيد الراهن جراء خطوة توقيع مذكرتيّ التفاهم بين الحكومة التركية وفايز السراج، لما تمثله تلك الخطوة من انتهاك لاتفاق الصخيرات، وتعارضها مع جهود التوصل إلى تسوية شاملة للأزمة في ليبيا.

تأتي هذه التحذيرات في أعقاب تأكيدات تقارير اعلامية نقلا عن مصادر عسكرية أن تركيا قامت بإرسال أسلحة إلى مدينة مصراتة، تمهيداً لنقلها إلى القوات التابعة لحكومة الوفاق في العاصمة طرابلس.وكشفت مصادر عسكرية ليبية لوكالة "سبوتنك" الروسية،الجمعة، أن هناك فرق اقتحام وقناصة أتراك يقاتلون في صفوف حكومة الوفاق في محور خلة الفرجان بالعاصمة الليبية طرابلس.
وقالت المصادر: "لقد رأينا جنود أتراك يقاتلون على الأرض في محور خلة الفرجان بطرابلس في صفوف القوات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق ونراهم بأعيننا"، مؤكدة أن "الجنود هم عبارة عن قناصة وفرق اقتحام اتراك". وأضافت: "الوفاق والمرتزقة الذين معهم كل يوم في تراجع إلى الوراء أمام مدفعيات قواتنا المسلحة، فيما يسيطر الجيش الوطني الليبي والوحدات العسكرية كل يوم على أماكن جديدة ولكن تقدم قواتنا بطئ لكن دائم".

وفي وقت سابق،أعلن الجيش الليبي استهدافه مواقع عسكرية في مصراتة استخدمت لتخزين الأسلحة والمعدات التركية الأسلحة التركية.قال الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري،في بينا له أن "استهداف مصراتة سوف يتواصل يومياً دون انقطاع وبشكل مكثف لم يسبق له مثيل نهارًا وليلاً إذا لم تسحب مصراتة مليشياتها من طرابلس وسرت خلال 3 أيام بحد أقصي تنتهي مدتها الساعة 12 مساء يوم الأحد".
وأشار في البيان إلى "أنه حرصاً من القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية على استمرارها في حماية سيادة وأمن ليبيا من التدخل التركي ورداً علي إعلان حكومة الوفاق المزعوم طلب الدعم اللوجستي والفني من تركيا ، نفذت مقاتلات سلاح الجو الليبي الليلة عملية استهداف نوعية بعدة غارات جوية على عدة مواقع عسكرية في مصراته تم استخدامها لتخزين الأسلحة والمعدات العسكرية التركية من قبل مليشيات حكومة الوفاق المزعوم التي أكدت الليلة ارتهانها الكامل وتبعيتها المطلقة لحكومة تركيا".

وأعلنت حكومة الوفاق في بيان،الخميس، أنها وافقت على تفعيل مذكرة التفاهم للتعاون الأمني والعسكري مع تركيا.وقالت الحكومة على حسابها الرسمي بـ "فيسبوك"، "وافق المجلس بالإجماع خلال الجلسة على تفعيل مذكرة التفاهم للتعاون الأمني والعسكري بين حكومة الوفاق الوطني وحكومة جمهورية تركيا الموقعة في 27 نوفمبر الماضي.
وكانت تركيا قد وقّعت مع السراج أواخر الشهر الماضي، اتفاقاً أمنياً وعسكرياً موسعاً، كما وقّع الطرفان على نحو منفصل مذكرة تفاهم حول الحدود البحرية اعتبرتها عدة دول، منها مصر واليونان، انتهاكاً للقانون الدولي.وأكد الاتحاد الأوروبي أنه يقف متضامنا بشكل كامل مع اليونان وقبرص بشأن التحركات الأخيرة من جانب تركيا في شرق البحر المتوسط، بما في ذلك بحر إيجه"، مضيفا أنه "على تركيا أن تحترم سيادة جميع الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي وحقوقها السيادية، كما شدد المجلس الأوروبي مرارا".

ويرى مراقبون أن حكومة السراج تعرضت لضغوطات كبيرة من تيار الاسلام السياسي وعلى راسه جماعة "الاخوان" ومليشياتها المسيطرة على العاصمة لطلب التدخل التركي بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها مليشياتهم وتراجعهم في عدة مواقع.وفي وقت سابق، اشترط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إرسال قوات تركية إلى طرابلس بطلب حكومة الوفاق ذلك.
وتصاعدت مؤخرا تهديدات المسؤولين الأتراك بالتدخل العسكري في ليبيا لصالح حكومة الوفاق على حد زعمهم لكن هذا التدخل يأتي ارضاءا لأطماع أردوغان التي لم يخفيها حين زعم في أكتوبر الماضي بأن "الأتراك يتواجدون فى ليبيا وسوريا، من أجل حقهم، وحق إخوانهم فى المستقبل"،وأضاف "تركيا وريث الإمبراطورية العثمانية" مشيرا إلى سعيه لإحياء ما وصفه بالمجد القديم للأتراك.
وتهدد الأطماع التركية باطالة أمد الصراع في ليبيا كما تهدد باشعال التوتر في المنطقة ككل،وتحت عنوان "طموح الهيمنة لأنقرة في ليبيا"،حذرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية من الطموحات التوسعية للرئيس رجب طيب أردوغان ورغبته في الهيمنة على ليبيا.مشيرة الى "إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يخفي طموحه التوسعي الجيوسياسي في السيطرة على الدول الأخرى.

وقالت الصحيفة الفرنسية إنه منذ أبريل/نيسان الماضي، تقع ليبيا رهينة الصراع الذي تؤججه تركيا وقطر، بين حكومة السراج والجيش الوطني الليبي.وذكرت أنه خلال الفترة الأخيرة، تقدمت قوات الجيش الوطني الليبي لتحرير عدة مناطق في البلاد، مقابل ضعف وهشاشة مليشيا السراج، الأمر الذي دفع تركيا لتوقيع اتفاق غير شرعي يسمح لها بالتدخل المباشر في ليبيا لإنقاذ عملائها هناك.
واعتبرت "لوفيجارو" أنه بالتدخل العسكري التركي في ليبيا، فإن الصراع يأخذ منعطفاً آخر أكثر دراماتيكية وضرراً بالنسبة لليبيين، ومرادفًا للحرب بالوكالة للسيطرة على ثروات النفط. ورأت أن الاتفاقية البحرية التي أبرمت بين تركيا وليبيا ستكون ذريعة جديدة لتفاقم النزاع، خاصة بالنسبة لليونان وقبرص لأنها تضمن لأنقرة الحقوق على مناطق واسعة في شرق البحر المتوسط غني بالهيدروكربونات.
من جهة أخرى،يمثل التدخل التركي في ليبيا تهديدا لدول الجوار ولأمنها القومي وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي،في التصريحات الصحفية الأخيرة التي قال فيها : "الحرب الأهلية الكامنة في ليبيا هي الأمن القومي لمصر"، مضيفًا أنه "لن نسمح لأحد أن يعتقد أنه يستطيع السيطرة علي ليبيا".

وفي اتصال هاتفي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل،الخميس،أكد السيسي موقف مصر الساعي إلى وحدة واستقرار وأمن ليبيا، ودعمها لجهود مكافحة الإرهاب والجماعات والميليشيات المتطرفة التي تمثل تهديداً ليس فقط على ليبيا بل أيضاً لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط بأسرها، وكذا وضع حد لحجم التدخلات الخارجية غير المشروعة في الشأن الليبي، وهي الجهود التي تهدف لتلبية طموحات الشعب الليبي الشقيق في عودة الاستقرار وبدء عملية التنمية الشاملة في شتى ربوع الأراضي الليبية.وفق ما صرح به السفير بسام راضي، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية.

ويرى مراقبون،أنه من الطبيعى جدا أن يكون لمصر دور فعال ومؤثر فى الأزمة الليبية باعتبار أنها تتشارك مع ليبيا فى مصالح كثيرة، إضافة إلى الامتداد التاريخى والجوار، وهناك أيضا مشاركة فى المسألة الأمنية والاقتصادية، وبالتالى كان من الضرورى تفهم الجميع سواء فى ليبيا أو فى مصر أن يكون للأخيرة دور إيجابى للمساعدة فى استقرار ليبيا.ولطالما شددت تصريحات السياسيين الليبين على أهمية دور مصر خاصة في ملف مكافحة الإرهاب وحماية وتأمين الحدود المشتركة.
والحدود المصرية الليبية هي عبارة عن شريط حدودي بطول 1049 كيلو مترا، الأمر الذي يجعل كل تلك المساحة الشاسعة مهددة بعمليات اختراق وتهريب وبخاصة السلاح للأراضي المصرية في ظل الفوضى الليبية التي مثلت بيئة مناسبة لإنتشار تجار السلاح وهو ما يزيد من المخاطر والتهديدات التي تؤثر علي مصر في الجانب السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري.

ويشير المتابعون للشأن الليبي أن مخططات أردوغان تقوم أساسا على منع سقوط حلفائه من جماعة "الاخوان" في ليبيا في محاولة لانقاذ مشروعه التوسعي الذي تلقى ضربة موجعة مع سقوط "الاخوان" في مصر وحكومة البشير في السودان.ويشير هؤلاء الى أن أطماع أردوغان تهدد باطالة الصراع في ليبيا والابتعاد أكثر عن الوصول الى تسوية سياسية في بلد يعاني منذ سنوات من الحروب والفوضى،كما تهدد بزيادة التوتر في المنطقة وهو ما سيكون له انعكاسات سلبية على الأمن القومي للدول في ظل انتشار التنظيمات الارهابية التي تهدد بمزيد من العنف في المنطقة والعالم.