تتسارع الأحداث في الجنوب الليبي حيث تشهد المنطقة تحركات عسكرية مكثفة منذ اعلان عن إطلاق عملية عسكرية بهدف تحرير الجنوب والقضاء على التنظيمات الإرهابة والعصابات الأجنبية التي إتخذت من المنطقة مركزا لها لممارسة أنشطتها الإجرامية وسط غياب سلطة الدولة.

ونجحت القوات الليبية في القضاء على قيادات إرهابية خطيرة منها القيادي البارز في تنظيم القاعدة عبد المنعم سالم خليفة، المكنّى بأبي طلحة الليبي،الذي يعتبر أحد أبرز الوجوه الإرهابية في ليبيا،والذي يعتبر القضاء عليه ضربة موجعة لكونه يمثل حلقة الوصل بين الإرهابيين في المغرب العربي وأولئك المتواجدين بليبيا.

ويمثل تحرك الجيش الليبي في الجنوب مؤشرا إيجابيا نحو إنهاء الفوضى في هذه المنطقة الإستراتيجية.وهو ما دفع المجلس الاجتماعي الأعلى لطوارق ليبيا،للإعلان عن تأييده للعملية العسكرية للجيش الوطني، في مناطق الجنوب".

وقال المجلس الذي يترأسه الشيخ مولاي قديدي، في بيان صدر عنه السبت، "إنه يتابع المستجدات في مناطق الجنوب الليبي، وما آلت إليه الأوضاع خاصة في الجانب الأمني".مؤكدا بأنه يبدي ارتياحه العميق للإعلان الصادر عن القيادة العامة للجيش الليبي ، بانطلاق العمليات العسكرية في الجنوب ضد عصابات المعارضة الأجنبية وبقايا عصابات الإرهاب والتطرف التي تعبث بأمن الجنوب.

وأضاف البيان:"ندعم هذه الصرخة الصادرة من القيادة العامة للجيش الليبي، مؤكدين على ما جاء في بنودها من ضرورة حفظ الدماء المعصومة، وصون الممتلكات الخاصة والعامة، وعدم تعريض المدنيين الأبرياء للخطر بل العمل على تأمينهم من كل الشرور المحيطة بهم".مؤكدا إن معاناة الجنوب ومنذ سنوات قد فاقت كل تصور بسبب تفشي الجريمة بفعل مجموعات الإرهاب وتجار المخدرات والهجرة غير القانونية وما صاحب ذلك وغيره من تدني في الحالة المعيشية التي تحولت إلى كابوس أثقل كاهل كل أبناء فزان وفي مقدمتهم الطوارق.

كما جدد الطوارق على رفعهم الغطاء الإجتماعي عن كل فرد من أبنائهم يثبت تورطه في أفعال تزعزع أمن البلاد عامة والجنوب خاصة داعين بقية القبائل والمناطق والمدن الليبية أن تحذوا حذوهم في ذلك .معتبرا أن "الوقت قد حان كي نضع خلافاتنا جانبًا ونقف جميعًا وقفة رجل واحد؛ لتأمين هذا الجزء العزيز من تراب الوطن والعمل على صون كرامته ووحدة ترابه وتحقيق أمنه، في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الوطن".

ورأى مراقبون أنه بتأييد المجلس الأعلى للطوارق لعمليات الجيش الليبي في الجنوب تحقق القيادة العامة نصرًا اجتماعيًا وسياسيًا جديدًا، يضاف لانتصاراتها العسكرية.خاصة وأنه يأتي عقب إعلان  المجلس الأعلى لمشائخ وأعيان قبائل التبو الليبية،فى بيان له، تأييد ودعم أوامر القيادة العامة بقيادة المشير خليفة حفتر بتوجه القوات المسلحة للجنوب الليبي لتطهيره من الإرهابيين والمرتزقة والخارجين عن القانون وتأمين الحدود الليبية.

وفي غضون ذلك،عبرت البعثة الأممية في ليبيا،في بيان له،عن "قلقها البالغ إزاء التقارير الواردة من الجنوب عن تحشيد قوات مسلحة، وفي ظل بيانات وبيانات مضادة، مما ينذر بوقوع نزاع وشيك".وتابع البيان "ويدعو الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، جميع الأطراف في الجنوب إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس".

لكن المبعوث الأممي لم يحدد إذا ماكان من بين هذه الأطراف مرتزقة المعارضة التشادية الذين يقاتلهم الجيش فى الجنوب بعد ما إقترفوه فى حق الليبيين من خطف وطلب للفدية والمشاركة فى هجمات مدمرة على المرافق النفطية وهو الأمر الذي أكده مكتب النائب العام فى طرابلس.

ويأتي هذا التحذير كدليل آخر على تجاهل المبعوث الأممي للعملية العسكرية التي يقوم بها الجيش الليبي لتحرير الجنوب وذلك بعد أن أثارت إحاطته الأخيرة، أمام مجلس الأمن الدولي، انتقادات واسعة في شرق البلاد، إذ رأى فيها الكثيرون الجيش الوطني تجاهلاً متعمداً لدور القوات المسلحة بقيادة المشير خليفة حفتر في محاربة الإرهاب.

وقالت كتلة "نواب برقة" في مجلس النواب، أنّ سلامة تجاوز الواقع والحقيقة والأحداث والزمن وتسبّب في استفزاز بالغ للشعب الليبي ومؤسساته الشرعية، متهمة إياه بعدم احترام الضحايا الذين سقطوا في طرابلس قبيل ساعات من إلقاء كلمته، أو حرب الجيش الليبي في الجنوب لتحريره من الإرهاب والتطرف والقضاء على قيادات إرهابية مطلوبة دولياً.

واعتبرت الكتلة في بيان لها، أنّ مقتل هذه القيادات الإرهابية خير دليل على عدالة الحرب التي يلتف حولها كل الشعب الليبي، مشيرة إلى أنّ غسّان سلامة لم يكلف نفسه الحديث بشأنها.واستغربت الكتلة، قيام سلامة قام خلال إحاطته بـ"تعظيم وضع حجر أساس مركز شرطة وتجاهل بناء 11 مركزًا أمنيًا نموذجيًا في مدينة بنغازي ومحيطها جرى افتتاحها بعد تدميرها من قبل داعش"، مشيرة إلى أن هذا يعد سلوكا انتقائيا ومتحيزا لطرف دون آخر".

من جهته،أكد عضو مجلس النواب الصالحين عبد النبي،"إن المبعوث الأممي إلى لبييا غسان سلامة تجاهل في إحاطته أمام مجلس الأمن،المجهودات التي قام بها الجيش في درنة وبنغازي وآخرها في الجنوب".وأكمل عبد النبي،خلال تصريحات صحفية، أنه كان من الأجدر أن يقوم المبعوث الأممي بطلب دعم الجيش في مكافحة الإرهاب،من خلال رفع حظر التسليح على الجيش.

وتجاهل المبعوث الأممى إلى ليبيا الاشتباكات المسلحة والعنيفة التى تشهدها العاصمة طرابلس بسبب فشل خطة الترتيبات الأمنية التى تشرف عليها البعثة، واكتفى بالإشارة لاستمرار اتفاق وقف إطلاق النار فى العاصمة طرابلس ودعوته لاحتواء الوضع القائم، وأشاد بجهود وزير داخلية حكومة الوفاق فتحى باشاغا فيما وصفه النهوض بمستوى الترتيبات الأمنية فى طرابلس

وذهب البعض إلى إعتبار إحاطة سلامة مفتقرة للحقيقة والواقعية،وأنه بات منحازا لطرف على حساب الآخر وهو ما من شأنه أن يفقد الأمم المتحدة أحد أهم صفة وهى الحيادية وعدم دعم طرف على حساب آخر، وعدم التوازن بين الشرق والغرب الليبى. 

وفي هذا السياق،قال عضو مجلس النواب صالح افحيمة، في تدوينة له بموقع "فيسبوك"،أن البعثة نفسها تتحرك وفقا لتعليمات متناقضة تاتيها من اطراف دولية مختلفة المصالح حول ليبيا، مما يفسر هذا التخبط المخجل الذي تقع فيه شخصية لها خبرتها السياسية كالسيد غسان سلامة والذي بات جلياً ايضا أنه اصبح يكيل بمكيالين ويستخدم صلاحيات البعثة وصلاحياته كمبعوث لتغليب طرف سياسي بعينه على اخر".

وأشار افحيمة،أن "ترحيبات سلامة المتكرره وانبهاره بما يقوم به هذا الطرف حتى وإن كان هذا العمل هو مجرد تعيين وكيل وزارة أو ربما مدير إدارة في وزارة ما وبالمخالفة للاتفاق السياسي نفسه والتي يقابلها اهماله لأعمال وطنية اخرى هي اكبر حجما وأكثر نفعا للبلاد كعملية تأمين الجنوب مثلاً التي يخوضها الجيش الليبي حاليا، هي اكبر دليل على التحيز المدروس والممنهج".

ويرى مراقبون أن الإنجازات السياسية والعسكرية التى حققها الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر ونجاحه في دحر الإرهاب،والتصدي لقيام ولاية لتنظيم داعش الإرهابي على أرض بلاده، كذلك تعاونه البناء والمثمر مع محيطه الإقليمي والعربي، والعمل على الملفات الخطيرة مثل الهجرة غير الشرعية، والوقوف دون مزيد من الانقسام الداخلي في الساحة الليبية،جعلت منه طرفا رئيسيا ومؤثرا فى المعادلة الليبية،وهو ما دفع إلى تعالى الأصوات الليبية والدولية الى ضرورة اشراكه في التسوية السياسية في ليبيا.

وفي  20 حزيران/يونيو 2017،وافق مجلس الأمن الدولي على تعيين الأستاذ الجامعي ووزير الثقافة اللبناني الأسبق غسان سلامة مبعوثا للأمم المتحدة الى ليبيا خلفا للألماني مارتن كوبلر الذي قاد البعثة الأممية منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2015،وذلك بعد أربعة أشهر من البحث عن شخصية تتولى رئاسة البعثة السياسية للأمم المتحدة في ليبيا وتشرف على المفاوضات الرامية للتوصل إلى تسوية شاملة في هذا البلد.

ورغم أن تعيين سلامة أنعش آمالا جديدة للمتابعين للشأن الليبى بعد أن فشل من سبقه فى تحقيق تسوية شاملة ودائمة بين الفرقاء فى ليبيا،إلا أن الآمال باتت محل شك حيث يرى مراقبون،أن تحقيق المبعوث الأممي نجاحات في الأزمة الليبية مرهون بقدرته على إحداث توازن بين جميع أطياف الصراع الليبي .كما أن نجاح المبعوث الأممي في التعامل مع قيادة الجيش الليبي يعتبر أحد المرتكزات الرئيسية التي قد تساعده في الوصول إلى حلول توافقية للأزمة الليبية، نظرا للنجاحات المستمرة له بتحقيق انتصارات على الأرض.