في غياب شبه تام لمؤسسات الدولة، يعيش الجنوب الليبي منذ سنوات أزمات متتالية ألقت بكل ثقلها على سكانه، من عجز عن توفير السيولة وتوقف دائم للكهرباء وخاصة غياب كل مقومات الظروف الصحية الملائمة، تُضاف إلى أزمة انقطاع البنزين وغلاء الأسعار، ناهيك عن غياب الأمن.
ويعد الجنوب الليبى ممرا لتهريب الأسلحة والهجرة غير الشرعية وتجارة البشر وهو ما يهدد أمن واستقرار ليبيا خاصة مع انتشار العصابات الإفريقية التي استغلت جملة من العوامل والأسباب المحلية والخارجية لتتمدد وتسرع نشاطاتها في المنطقة بين قتل ونهب وخطف وابتزاز، لتزيد بذلك في معاناة المنطقة.
غضب شعبي
وتتصاعد حالة السخط والغضب، في مناطق الجنوب الليبي الذي يعيش حالة من البؤس بسبب عدم مده بالخدمات الأساسية، واستمرار تهميش مطالب سكانه وتواصل غياب السلطة المركزية.غضب ترجمه إعلان حراك غضب فزان عزمه إيقاف ضخ النفط في محاولة للفت انتباه السلطة التي تتجاهل مطالبهم بـ"رفع التهميش والإقصاء.
وقال محتجون من الحراك في بيان مصور إن "هذه الخطوة جاءت لتحقيق مطالب إقليم فزان بالعيش الكريم"، مستعرضين الظروف القاهرة التي يعانيها سكان المنطقة "من ظلم الحكومات المتعاقبة، وانقطاع الكهرباء، إلى جانب شح السيولة النقدية، الأمر الذي أفضى إلى نزوح أهالي فزان إلى مناطق الشمال.
وقدم الحراك اعتذاره للشعب الليبي مشددا على أنه مضطر لإيقاف ضخ النفط بداية من 11 نوفمبر القادم، احتجاجا على "الظروف القاهرة التي يكابدها أهالي فزان، والتي تحولت من التهميش إلى الإقصاء".وطالب المحتجون بنصيبهم من المحروقات وتأمين منطقتهم التي تشهد توترا مستمرا بسبب هجمات تنفذها مجموعات مسلحة محسوبة على المعارضة التشادية، وتعيين شباب الجنوب الخرّيجين في الحقول النفطية والشركات.
ويتركز في الجنوب الليبي اثنان من أبرز الحقول النفطية وهما حقلي الشرارة والفيل اللذين تشرف عليهما شركة إيني الإيطالية. وفشلت مفاوضات جرت مساء الخميس بين معتصمين في حقل الشرارة النفطي ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله.
وتقلّص تدخل الدولة لمساعدة السكان في مواجهة صعوبة الحياة ودعم المستشفيات بالأدوية التي تلزمها، نتيجة لحالة الانقسام السياسي، وهو ما جعل المدنيين يعيشون حياة معزولة يواجهون فيها مشاكلهم بأنفسهم. ويشكو سكان الجنوب خاصة من تردي الخدمات الصحية، إذ أن أغلب المستشفيات لا تعمل أو بصدد الصيانة، باستثناء البعض على غرار مركز سبها الطبي الذي يقدّم خدمات سيئة جدا.
ويعتقد البعض أن بُعد الجنوب الذي يسمّى تاريخيا بإقليم فزان عن الساحل والعاصمة طرابلس، جعل منه غير مؤثر على اتخاذ القرارات السياسية ما حوله إلى إقليم هامشي، غير فاعل في القرار السياسي رغم ثرائه بالموارد الطبيعية.ويرى مراقبون إن هذا التصعيد يمثّل رسالة للسلطات في طرابلس وللمجتمع الدولي وبعثة الأمم المتحدة، مفادها أن الجنوب تنازل بما فيه الكفاية، وسيكون رقما صعبا في المعادلة السياسية في المستقبل.
عملية عسكرية
ويأتي هذا في وقت يشهد الجنوب الليبي منذ نحو أسبوعين توترا أمنيا بسبب مواجهات بين مجموعات مسلحة تابعة للمعارضة التشادية، وشباب المنطقة، وهو ما دفع الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر للإعلن عن عملية عسكرية واسعة تستهدف تطهير منطقة الجنوب الليبي من العصابات المسلحة الوافدة من خارج البلاد، بمشاركة قوات من المنطقة الشرقية للمرة الأولى.
وأعلنت إدارة الدعم والتوجيه المعنوي بالقوات الخاصة، الخميس، في بيان عبر صفحتها على موقع فيسبوك، أن المشير خليفة حفتر أمر القوات الخاصة (الصاعقة)، التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي، بالاستعداد من أجل التوجه إلى الجنوب، والمشاركة في معركة تحريره من الميليشيات الأفريقية المتمركزة فيه.
وكان حفتر، أعلن يوم الجمعة الماضي، إطلاق عملية "حوض مرزق" بالتنسيق مع عمليات المناطق العسكرية "الوسطى وسبها وبراك وأوباري وغات ومرزق والكفرة، بهدف ملاحقة العصابات الأجنبية المسلّحة حتى طردها إلى بلدانها الأصلية، وتحرير منطقة الجنوب بالكامل..
وقالت القوات المسلحة الليبية، في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية الأربعاء، إنها أمهلت مَن أطلقت عليها العصابات التشادية، الموجودة في جنوب البلاد والمتمركزة في مقرّ الشركة الصينية ببلدية أم الأرانب، يومين لمغادرة البلاد، شريطة أن تتخلى هذه العناصر عن أسلحتها بعد محاصرتها في مقرّ الشركة.
وانتشرت قوات وعناصر أجنبية تقاتل من أجل السيطرة على أهم النقاط الاستراتيجية ومنافذ التهريب، وبحسب المراقبين، فإن الفصائل الإفريقية التي تحتل جنوب ليبيا، استغلت الفراغ السياسي والأمني لتجعل من المنطقة مرتعاً لها ومركزاً لمهربي البشر من إفريقيا ومهربي السلع والسلاح والمخدرات، وهو ما يمثل تحديا جديدا للجيش الليبي.
وكان العميد أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم قوات الجيش، قد وصف وضع الجيش الوطني في الجنوب بأنه جيد جداً، لافتاً إلى أن قوات الجيش تمتلك غطاءً جويّاً ممتازاً.وتوقع المسماري أن المعركة في الجنوب لن تكون قصيرة، وذلك بسبب اتساع رقعة المنطقة والحدود المفتوحة على دول الجوار، مشيراً إلى أن العصابات التشادية والمرتزقة قد توحّدت تحت قيادة واحدة لقتال القوات المسلحة.
وسبق للجيش الوطني الليبي أن خاض معارك ضد جماعات إرهابية انتهت بطردها من قواعد عسكرية مهمة كقاعدة الجفرة وبراك الشاطئ وتمنهنت. وقاد تلك المعركة اللواء 12 الذي يتزعمه العقيد محمد بن نايل.
أمن ليبيا
ويعد إقليم "فزان" أو جنوب ليبيا أحد أهم المناطق الاستراتيجية فى ليبيا لما ينعم به من ثروات هائلة من ذهب وماس ويحتوي بحسب دراسات المسح الجيولوجي الحديثة التي قامت بها شركات نفط أوروبية وأمريكية، على احتياطي هائل من النفط والغاز، ويوجد به حقل الشرارة للغاز والنفط الذي تعمل به شركة إيني الإيطالية، إضافة لكونه ممرا إلى دول الساحل الإفريقى ويرتبط بحدود مشتركة مع تشاد والنيجر والسودان.
كما يوجد في الجنوب خزانات المياه الجوفية العميقة التي توفر المياه للنهر الصناعي العظيم، وتوفر أيضًا نحو ثلثي إمدادات المياه في البلاد، كما يعد الجنوب الليبي واعدًا في مجال إنتاج الطاقة الشمسية، وقامت مجموعة شركات ألمانية بدراسات قدمتها للحكومة الليبية إبان رئاسة عبد الرحيم الكيب لها، إلا أن الوضع الأمني حال دون ذلك.
كل هذه الثروات جعلت الجنوب في مرمى الصراعات والأطماع الخارجية في وقت تغيب فيه السلطات الليبية، والتي أدت جميعها إلى غياب الأمن والاستقرار فيه، حتى أصبح الجنوب مصدر قلق لكامل البلاد.وهو ما دفع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ، إلى دعوة السلطات الليبية إلى "اتخاذ إجراءات فورية وفعالة حيال حالة الانفلات الأمني" في الجنوب.
وأدانت البعثة في بيان لها "الانتهاكات التي تقترفها المجموعات المسلحة الأجنبية داخل الأراضي الليبية"، وحثت الأطراف الفاعلة الإقليمية على "دعم السلطات الليبية لمعالجة للوضع الراهن على نحو يصون سيادة ليبيا ووحدة وسلامة أراضيها". وأعربت الأمم المتحدة، عن "قلقها البالغ إزاء تصاعد معدل الجريمة، لاسيما موجة حوادث الخطف والأعمال التخريبية الأخيرة التي طالت البنية التحتية لجهاز النهر الصناعي.
كما يعد الجنوب الليبى مسرحا للتهديدات الإرهابية التى تشهدها ليبيا والقارة الأفريقية، ويتمركز عدد من مقاتلى داعش جنوب ليبيا والذين يمثلون خطرا على كامل البلاد، وهو ما العمليات الإرهابية التي شهدتها عدة مناطق في البلاد مؤخرا وخاصة ي العاصمة طرابلس.ويرى مراقبون أن تطهير الجنوب وإخراجه من حالة التهميش يمثل أهمية كبيرة في إطار فرض الأمن والإستقرار في كامل ربوع ليبيا.