منذ سنوات تعيش ليبيا على وقع انقسامات حادة،في أعقاب تدخل دولي في البلاد تسبب في إسقاط نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وأدخل البلاد في غياهب العنف الفوضى.ومثل انتخاب حكومة وحدة وطنية بعد أشهر من المفاوضات انعراجة مهمة في المشهد الليبي مع تصاعد الآمال بانتهاء الأزمة،لكن تيار الاسلام السياسي وعلى راسه جماعة "الاخوانمازال مصرا على تسميم الاجواء في البلاد ومنع الاستقرار فيها.

لم تستسغ جماعة "الاخواندعوة وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش الى خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا،حيث شنت الجماعة هجوما شديدا على الوزيرة وذلك في محاولة للدفاع على الوجود التركي في الاراضي الليبية والمطالبة باستمراره بحكم انه يمثل الضامن الوحيد لاستمرار وجود الجماعة المنبوذة في البلاد.

وأكد حزب "العدالة والبناءالذراع السياسية لتنظيم الإخوان في ليبيا،أن دعوة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش إلى انسحاب القوات التركية من ليبيا "أمر مثير للاستغراب"، زاعماً أن "هذه القوات المتواجدة على الأراضي التركية جاءت دعماً للاستقرار وبناءً على اتفاقية رسمية مشتركة مع الدولة الليبية"، مضيفاً: "إنهم ليسوا مرتزقة". 

ومن جانبه هاجم القيادي الاخواني خالد المشري،وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش معلنا رفضه تصريحاتها.وقال المشري، في بيانه، إن "وجود قوات أجنبية على الأراضي الليبية مبدأ مرفوض جملة وتفصيلاً ولا يجب أن يكون محل نقاش أو مزايدة من أحد، غير أن الجميع يجب أن يعي جيداً الفرق بين المرتزقة وبين وجود قوات بناءً على هذه الاتفاقيات المبرمة مع تركيا".وطالب المشري بـ"ضرورة بقاء القوات التركية ومرتزقتهم السوريين والتركمان في ليبيا لأنهم موجودون بشكل شرعي".حسب زعمه.

اما المفتي المعزول الصادق الغرياني،فقد أهالي مدينة طرابلس ومقاتلي "بركان الغضبلقيادة حملة استنكار واسعة ضد الوزيرة وإجبارها على تقديم استقالتها، متهماً إياها بخدمة مشروع يسعى لاحتلال ليبيا.ورفض الغرياني، الذي يقيم في تركيا ويوصف في ليبيا بـ "مفتي الفتنة والإرهاب والدّم"، خلال ظهور تلفزيوني له عبر قناة "التناصح"، تصريحات وزيرة الخارجية المنقوش، وزعم أنها "تنكرت فيها لجميل تركيا وفضلها على ليبيابعد تدخلها لدعم حكومة الوفاق،وفق زعمه.

واذعانا لفتوى الغرياني، المفتي المعزول بقرار من مجلس النواب الليبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2014،عقدت ما يسمى قوات "بركان الغضباجتماعًا الجمعة في المقر الإداري وسط مصنع التبغ بالعاصمة طرابلس الذي يسيطر عليه عماد الطرابلس رئيس المخابرات السابق.واستنكر المجتمعون في بيان، تصريحات وزيرة الخارجية حول القوات التركية التي زعموا أنها "داعمة ومتواجدة لأغراض مشروعة"، من خلال اتفاقية رسمية مع الدولة الليبية، مطالبين بإقالة الوزيرة نجلاء المنقوش لـ"عدم أهليتها وعدم مراعاة المصالح العليا للدولة الليبية في أمر يمس الأمن القومي".

وأعلنت "بركان الغضبرفضها تعيين حسين العائب رئيسا لجهاز المخابرات العامة، خلفًا لعماد الطرابلسي الذي أصدر قرارا بتعيينه فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق السابقة.وزعم آمر مليشيا 166 محمد الحصان، أن حكومة الوحدة الوطنية رضخت للقائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، داعيًا لتمرد مسلح ضد المجلس الرئاسي.

وعقب هذا الاجتماع حاصرت مليشيات مسلحة، مقر فندق "كورثينافي العاصمة الليبية طرابلس، لإجبار رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي على إقالة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، والإبقاء على عماد الطرابلس، وعدم تكليف العائب بمهام رئيس المخابرات.وقالت المتحدثة باسم المجلس الرئاسي نجوى وهيبة، إن ما جرى هو اقتحام لفندق وليس لمقر المجلس، مشيرة إلى أنه ليس للمجلس مقر اجتماعات دائم، مشيرة إلى أن أحدًا لم يتعرض للأذى نتيجة لاقتحام الفندق.

وتلقي هذه التطورات الضوء على الخطر الكبير الذي يتهدد العملية السياسية في ليبيا في ظل استمرار مؤامرات جماعة "الاخوانوتقلباتها،حيث تذكر الأحداث الأخيرة بأخرى جرت في العام 2014 حين خسر الإسلاميون الانتخابات بالضربة القاضية،   رغم الإمكانات المرصودة لهم إعلاميا وماليا وأمنيا،  ما دفع بهم إلى الانقلاب على النتيجة من خلال الحرب الأهلية المعلنة من قبل مليشيات "فجر ليبيا"،  والتي أدت إلى ترحيل البرلمان إلى مدينة طبرق في شرق البلاد.

وتسعى جماعة "الاخوانجاهدة للبقاء في السلطة التي وصلت اليها بعد دعمها للتدخل الغربي في البلاد في العام 2011، فالجماعة التي تزعم بحثها عن دولة مدنية ديموقراطية،استعانت بالمليشيات المسلحة للسيطرة على مؤسسات الدولةوطيلة السنوات الماضية كرست الجماعة ومليشياتها الفوضى والنهب والفساد.

وفتحت الجماعة الباب امام التدخلات التركية التي تقودها اطماع اردوغان في الثروات النفطية واحلامه التوسعية المهووسة.ومنذ توقيع مذكرة التفاهم للتعاون الأمني والعسكري بين حكومة الوفاق ونظام أردوغان في نوفمبر 2019، تداعت قيادات "الاخوانللتهليل والتطبيل لهذه الاتفاقية والتي وصلت حد الدعوة لتسليم ليبيا الى تركيا.

وتتالت شحنات السلاح القادمة من تركيا الى ليبيا دعما لمليشيات "الاخوانوتأجيجا للصراعات والحروب في البلد العربي.كما تحولت الأراضي الليبية الى مسرح لتجريب تركيا لطائراتها المسيرة على غرار طائرات مقاتلة جديدة من نوع "بيرقدار تي بي 2"، التي تفاخر رئيس المجلس الأعلى للدولة والقيادي في جماعة "الاخوانخالد المشري، في تصريح لصحيفة الإندبندنت البريطانية،بحصوله عليها دون أن يشير الى أن هذه الطائرات تسفك دماء الليبيين.

وباتت كل مخططات المجموعات المنتمية إلى الإسلام السياسي في ليبيا وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين مكشوفة لدى الشعب الليبي الذي أدرك أن هذه التنظيمات لا تحاول إلا السيطرة على الحكم وتنفيذ مشروعها التخريبي في المنطقة.وأطلق ناشطون ومدونون ليبيون هاشتاغ تركيا تطلع برا ، انتقدوا من خلاله موقف تنظيم الإخوان في بلادهم، الذي تحرك بقوة لرفض أي دعوة لانسحاب القوات التركية وإجلاء مرتزقتها من ليبيا.

ودعا النشطاء في منشورات إلى إيقاف العمل بالاتفاقيات الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق السابقة، والتي بمقتضاها فتحت الباب أمام القوات التركية للتدخل في ليبيا وإغراقها بالمرتزقة الأجانب والأسلحة والعتاد العسكري، إلى جانب السيطرة على قواعدها العسكرية وإبرام اتفاقيات لتدريب الميليشيات المسلحة.

وسبق ان شهدت المدن الليبية خلال السنوات الماضية تحركات ضد "الاخوان"،والتنديد بسيطرة الجماعة على مفاصل الدولة وتغلغلها في المؤسسات، إضافة إلى تحميلها مسؤولية الفتنة والاقتتال في البلاد.ويشير مراقبون أن الفترة القادمة ستكشف أكثر حجم المؤامرات الاخوانية التي تحاك في ليبيا بدعم تركي لاجهاض جهود التسوية ولانهاك البلاد واستنزافها.

وأعلنت جماعة الإخوان في ليبيا،منذ ايام، تحولها إلى جمعية تحمل اسم "الإحياء والتجديد"، وذلك تمهيدا لخوض الإخوان معترك الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة.وقال التنظيم إن "جمعية الإحياء والتجديد ستؤدي رسالتها في المجتمع الليبي من خلال عملها الدؤوب في شتى مجالات العمل".وجاء هذا الاعلان بعد سلسلة من الندوات وورش العمل تحضيرا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.

وتبدو هذه الخطوة محاولة مكشوفة لإعادة ترتيب أوراق الجماعة لكسب ثقة الليبيين مرة أخرى خاصة بعد النكسات التي تعرضت لها الجماعة مع تقديم عدد من أعضائها في ليبيا استقالات جماعية وإعلانهم إغلاق مكتب الجماعة بمنطقة الزاوية اعتراضًا على ما تتعرض له البلاد.ويشير مراقبون الى أن هذه المناورة لن تفيد بعد تعود الشعب الليبي على خبث الجماعة ونواياها السيئة.