منذ ان انتشر فيروس كورونا الجديد في مدينة ووهان الصينية وتفشى في جميع أنحاء العالم وأصبح وباء عالميا، يحاول العلماء فهم أصل "كوفيد-19"، والفيروس الذي تسبب به.
وكان العلماء يعتقدون أن فيروس كورونا الجديد، ربما يكون قد تطور في الخفافيش، ثم انتقل في وقت لاحق إلى أكل النمل الحرشفي أو "البنغول".
ومع ذلك، تشير المقارنات الجينومية إلى أن فيروس كورونا الجديد أو "سارس-كوف-2" هو نتيجة لإعادة التركيب بين فيروسين مختلفين، مما يعني أن المصدر الدقيق للفيروس لا يزال غير واضح.
وبعد أسابيع من تفشي الفيروس القاتل الذي أودى بحياة أكثر من 11 ألفا وأصاب ما يزيد على ربع مليون شخص حتى الآن، كانت هناك أيضا الكثير من الشائعات.
وبينما يتزايد عدد المقالات العلمية حول هذا الفيروس، لا يزال هناك العديد من المناطق الرمادية فيما يتعلق بأصله، مثل، في أي الحيوانات نشأ؟ هل نشأ في الخفاش أم آكل النمل الحرشفي أم أنواع برية أخرى؟، ومن أين أتى، هل جاء من كهف أو غابة في مقاطعة هوبي الصينية؟
وبحسب الروايات، في ديسمبر 2019، مر أشخاص قبل ظهور الفيروس في سوق يقع في قلب مدينة ووهان في مقاطعة هوبي، إلا أن تقدير التأريخ الجزيئي استنادا إلى تسلسلات جينوم فيروس "سارس-كوف-2" أشار إلى أن أصله بدأ في نوفمبر، الأمر الذي يثير تساؤلات حول العلاقة بين وباء كورونا الجديد والحياة البرية.
وبحسب تسلسل جينوم فيروس كورونا الجديد، الذي أجري بسرعة من قبل الباحثين الصينيين، تبين أن جزيء "آر إن إيه" RNA يتكون من حوالي 30000 قاعدة تحتوي على 15 جينا، بما في ذلك جين "أس"، الذي يرمز لبروتين موجود على سطح الغلاف الفيروسي.
وأظهرت التحليلات الجينومية المقارنة أن فيروس كورونا الجديد ينتمي إلى مجموعة فيروسات "بيتا كورونا"، وأنه قريب جدا من فيروس سارس، المسؤول عن وباء الالتهاب الرئوي الحاد الذي ظهر في نوفمبر 2002 في مقاطعة قوانغدونغ الصينية ثم انتشر إلى 29 دولة في عام 2003، وتسبب بإصابة ما مجموعه 8098 شخصا، بما في ذلك 774 حالة وفاة.
ومن المعروف أن الخفافيش من جنس "خفاش حدوة الفرس"، كانت خزانا لهذا الفيروس وأن آكلة اللحوم الصغيرة، مثل حيوان زباد النخيل المقنع، قد يكون بمثابة مضيف وسيط بين الخفافيش والحالات البشرية الأولى لفيروس السارس.
ومنذ ذلك الحين، تم اكتشاف العديد من فيروسات بيتا كورونا، خاصة في الخفافيش، وفي البشر أيضا، وتم وصف فيروس "راتجي-13" RaTG13، المعزول من خفاش من النوع "خفاش حدوة الفرس الوسطي"، الذي تم جمعه في مقاطعة يونان الصينية، مؤخرا على أنه مشابه جدا لفيروس كورونا الجديد، مع تسلسل للجينوم مطابق بنسبة 96 في المئة.
وتشير هذه النتائج إلى أن الخفافيش، وخاصة الأنواع من جنس "حدوة الفرس"، تشكل خزان فيروسات السارس وكوفيد-19.
في 7 فبراير 2020، توصل العلماء إلى أنه تم اكتشاف فيروس أقرب إلى "السارس" في آكل النمل الحرشفي، مع نسبة 99 في المئة من التوافق الجينومي، وهذا يشير إلى وجود خزان فيروسي آخر أكثر احتمالا من الخفافيش، حسبما ذكر موقع المنتدى الاقتصادي العالمي.
لكن دراسة حديثة قيد المراجعة بينت أن جينوم فيروس كورونا الجديد المعزول من آكل النمل الحرشفي الماليزي أقل تشابها مع كورونا الجديد، مع 90 في المئة فقط من التوافق الجينومي، وهذا يعني أن الفيروس المعزول في آكل النمل ليس مسؤولا عن وباء "كوفيد-19" المستفحل حاليا.
ومع ذلك، فإن فيروس كورونا الجديد المعزول من آكل النمل مشابه بنسبة 99 في المئة في منطقة معينة من بروتين "أس"، والذي يتوافق مع 74 من الأحماض الأمينية المشاركة في مجال ربط مستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2، وهو المجال الذي يسمح للفيروس بالدخول الخلايا البشرية لتصيبها.
وعلى النقيض من ذلك، فإن الفيروس "راتجي 13" المعزول من خفافيش حدوة الفرس الوسطي متباعد للغاية في هذه المنطقة المحددة، إذ تحتوي على تشابه بنسبة 77 في المئة فقط، وهذا يعني أن فيروس كورونا الجديد المعزول من آكل النمل قادر على دخول الخلايا البشرية في حين أن الفيروس المعزول من خفاش حدوة الفرس ليس كذلك.
وبالإضافة إلى ذلك، تشير هذه المقارنات الجينومية إلى أن فيروس كورونا الجديد هو نتيجة لإعادة التركيب بين فيروسين مختلفين، أحدهما قريب من الفيروس في خفاش حدوة الفرس الوسطي والآخر أقرب إلى فيروس آكل النمل، وبمعنى آخر، هو فيروس يجمع بين فيروسين موجودين من قبل.
وقد تم وصف آلية إعادة التركيب هذه بالفعل في فيروس كورونا الجديد، على وجه الخصوص لشرح أصل فيروس السارس.
ومن المهم معرفة أن إعادة التركيب ينتج عنه فيروس جديد قادر على إصابة أنواع مضيفة جديدة، ولكي يحدث هذا، يجب أن يكون الفيروسان المتباعدان قد أصابا نفس الكائن الحي في وقت واحد.
ولكن يظل هناك سؤالان لا يزالان دون إجابة، هما: في أي كائن حدثت إعادة التركيب هذه؟ في الخفاش أم آكل النمل أم نوع آخر؟ وعلاوة على ذلك، ما هي الظروف التي تمت فيها إعادة التركيب؟