كشفت مصادر مقربة من القصر الرئاسي (بالمرادية) عن أن السلطات الجزائرية تتخوف من أن تتسع دائرة الفوضى التي تعيشها ليبيا لتصل إليها خاصة أنها لم تتعاف بعد من مخلفات الظاهرة الإرهابية.

وقالت المصادر إن مخاوف القيادة الجزائرية من السيناريو الليبي جعلها تفتح قنوات تواصل مع قياديين إسلاميين في تونس وليبيا حيث استقبل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي وسط تسريبات عن زيارات أدتها شخصيات أخرى من ليبيا مثل عبدالرحمن السويحلي إسلامي من مصراتة التي شارك مقاتلوها بقوة في ميليشيات “فجر ليبيا” التي سيطرت مؤخرا على العاصمة الليبية.

وكانت السلطات الجزائرية قد فتحت قنوات التواصل داخليا مع جبهة الإنقاذ المحظورة، وهي الجبهة التي أطلقت المواجهة العسكرية مع الجيش وتفرعت عنها مختلف المجموعات الإرهابية في الجزائر، وهي خطوة استغربها مراقبون معتبرين أن السلطات الجزائرية قلبت سياساتها رأسا على عقب في العلاقة بمجموعات الإسلام السياسي.

وقال المراقبون إن الجزائر تريد المراهنة على ورقة الإسلاميين، فيما يتهمها إسلاميون تونسيون بأنها عملت ما في وسعها لقطع الطريق أمام نجاح “الثورة” خوفا من أن يمتد اللهيب إليها.

وأرجعت مصادر سر تسريع الوتيرة الدبلوماسية الجزائرية في المدة الأخيرة من أجل حلحلة بؤر التوتر المحيطة بها، إلى قناعات ترسخت لديها بناء على معلومات وتقارير تؤكد أن “رأس” الجزائر هو المطلوب من وراء الفتيل المشتعل في مالي وليبيا وتونس.

وتقول المصادر، حسبما نشرت صحيفة العرب في عددها الصادر اليوم، إن السلطة الجزائرية تستشعر مخاطر حقيقية، كان بوتفليقة قد عبر عنها مؤخرا بالقول: “الجزائر لن ترضى بتفكيك الدول وإسقاط الأنظمة” في إشارة إلى ما وقع في الجارتين تونس وليبيا.

ويقول المحلل والمعارض السياسي، أحمد عظيمي، إن السلطة تأخرت كثيرا في قراءة التطورات الإقليمية واستشراف مستقبل المنطقة المهددة بالتفكك”.
وأضاف: “رغم التحذيرات والأصوات المنادية بالحذر واليقظة، إلا أن نظام بوتفليقة لم يقدر المسألة جيدا، وظل يركب موجة شراكات وهمية مع الغرب والولايات المتحدة”.

وتابع عظيمي: “السلطة الجزائرية لم تستخلص الدروس مما يحيط بالبلاد، ومضت في مقارباتها غير المجدية ولم تتفطن إلى الوضع إلا متأخرة، لذلك تسرع الخطى إلى السعي إلى تسوية بؤر التوتر المشتعلة في حدودها الجنوبية والجنوبية الشرقية، بينما كان الأجدر بها التعاطي مع الأحداث منذ اندلاع ثورة الإطاحة بمعمر القذافي، وسقوط الشمال المالي في قبضة التنظيمات الإسلامية المتشددة”.

من جانبه أكد المعارض، والوزير والدبلوماسي السابق، عبدالعزيز رحابي أن “دبلوماسية بوتفليقة ارتكبت الكثير من الأخطاء القاتلة، ولم تستوعب التطورات المحيطة منذ اندلاع أحداث الربيع العربي في تونس، بحيث ظلت مترددة أو مرتبكة في بلورة موقف يستشرف المستقبل، وظلت تهتم بحماية نفسها بدل الاهتمام بتحصين البلاد من المخاطر”.

وتحتضن الجزائر منذ مطلع الشهر الجاري، الجولة الثانية من المفاوضات بين الفصائل الأزوادية المعارضة وحكومة باماكو، من أجل التوصل إلى تسوية نهائية للوضع في الشمال المالي.

إلى ذلك تحدثت مصادر عديدة عن وساطة جزائرية منتظرة بين أطراف الصراع في ليبيا، حيث تجري الدبلوماسية اتصالات عبر قنوات مختلفة مع مختلف أطراف الأزمة، من أجل استضافتها في الجزائر لبحث تسوية سياسية وسلمية للوضع.

وقالت مصادر مطلعة إن الدبلوماسية الجزائرية التي انتقلت من الدفاع في حدودها إلى الدفاع في حدود الآخرين، لا تمانع في إدارة شؤون المنطقة من طرف الإسلاميين إذا كانوا من “المعتدلين”، وهذا ما يفسر زيارة الغنوشي واستقباله من بوتفليقة شخصيا.

وتستعد الجزائر لاستقبال رئيس حزب الوطن الإسلامي، عبدالحكيم بلحاج، الذي يرجح أن يكون قد لعب دورا في عملية إطلاق سراح الدبلوماسيين الجزائريين في مالي.

وتذكر مصادر دبلوماسية أن الجزائر تتعرض في الآونة الأخيرة إلى ضغوط كبيرة من طرف باريس وواشنطن، من أجل تأمين تدخل عسكري في ليبيا من أجل ما تراه العاصمتان قطعا لدابر الإرهاب في ليبيا.

وهو الأمر الذي وضع الجزائر في حرج أمام شركائها الأمنيين، الذين لا تبادلهم نفس المقاربة في ليبيا، وتصر على فسح المجال للتسويات السياسية قبل أي تدخل عسكري.

لكن محللين سياسيين حذروا من أن الجزائر تلعب بالنار في انفتاحها على من تسميهم بـ"المعتدلين" في المجموعات الإسلامية، لأن ذلك يثير الأحزاب الأخرى التي تخوض معارك ضدهم وتتهمهم بالتشدد وتعريض الأمن المحلي الإقليمي للخطر.