مع انتشار العنف في ليبيا وإغلاق السفارة الأميركية في طرابلس، انتقد المشرعون الجمهوريون نهاية هذا الأسبوع إدارة أوباما بسبب فشلها في إنقاذ دولة عربية أخرى من الانزلاق إلى الفوضى، بل أن ديمقراطيين اعترفوا بأن نفوذ أمريكا في العالم تراجع إلى حد كبير.

لقد أدى اقتتال الفصائل في ليبيا، مرة أخرى، إلى تحويل البلاد إلى واحدة من أكثر المناطق خطورة في العالم. وأضحت البلاد  – منذ الإطاحة المدعومة من الولايات المتحدة بالدكتاتور معمر القذافي سنة 2011 – غير آمنة للدبلوماسيين الغربيين.

وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية السبت الماضي أنها أغلقت مؤقتا مصالحها في طرابلس عقب تعرض مركب السفارة لإطلاق الصواريخ والرصاص. وأكد مسؤولون بريطانيون الأحد الماضي أن قافلة تقل موظفي السفارة تعرضت لإطلاق النار، دون أن يصاب أحد.

ويعود بنا إخلاء السفارة الأميركية إلى 11 سبتمبر 2012، عندما تعرض مقرها في بنغازي لهجوم قتل على إثره أربعة أميركيين ، من بينهم السفير كريستوفر ستيفنز.

يعمل البيت الأبيض على اتخاذ بعض الخطوات لمنع وقوع كارثة مماثلة، لكن النقاد يرون أن ليبيا سلمية يبدو الآن حلما بعيد المنال.

ويقول بعض المحللين السياسيين إن قرار خارجية الولايات المتحدة منذ هجمات 11/9الإرهابية على تشجيع القوى الثورية في الشرق الأوسط - للمساعدة على الإطاحة بالطغاة أمثال القذافي، صدام حسين وأيضا بشار الأسد – أدى إلى عواقب وخيمة.

ويرى بنيامين فريدمان، وهو باحث في الدفاع والدراسات حول الأمن الوطني في معهد كاتو، أنه بصرف النظر عن نجاح أو فشل جهود بناء الدولة في العراق وأفغانستان تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية، فإنه من الحماقة أن نتوقع أن ليبيا أو دول أخرى في المنطقة ستتحول تلقائيا إلى حكومات سلمية، موالية للغرب.

"إن إخلاء السفارة الأميركية يعكس الأوضاع التي ساعدنا على خلقها في ليبيا من خلال دعم إسقاط نظام القذافي. ومهما يكن رأيك في نظام القذافي، أعتقد أن إدارة أوباما كانت ساذجة ولم تفكر في العواقب عندما ظنت أن مساعدة المتمردين على عزله  من شأنه أن يخلق حكومة مستقرة".

وأضاف، "لقد قررنا أن نصبح قوة ثورية في ذلك الجزء من العالم. إن نتيجة الثورة هناك لم تأت سوى بالفوضى".

كما نبه الجمهوريون في الكونغرس خارجية أوباما، وخاصة فيما يتعلق بليبيا، إذ يرون أنه بعد إبعاد القذافي عن السلطة فشلت  الإدارة الأمريكية في اختيار الوقت والموارد المناسبين لتحقيق الاستقرار في البلاد، بعد أزيد من أربعة عقود من حكم الدكتاتور.

"يعكس الوضع الأمني ​​المتدهور في المنطقة فشل الإدارة الأمريكية في نهج خطة طويلة الأمد في ليبيا بعد التدخل الذي جرى  دون تبصر أو تنسيق وثيق مع الكونغرس"، يقول السيناتور الجمهوري بوب كوركر من تينيسي، وهو عضو بارز في لجنة  العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.

إن الوضع في ليبيا والعنف في العراق وتقدم حركة طالبان في أفغانستان والحرب الأهلية الجارية في سوريا واضطرابات أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كلها سلطت الضوء على الضغوط الكبيرة التي تواجه السياسة الخارجية للبيت الأبيض.

ففي أفغانستان، نُقل عن مقاتلي طالبان أنهم استولوا على أراضي استراتيجية بالقرب منكابول، ما جعل مستقبل البلاد أكثر غموضا. وفي العراق، اضطر أوباما – الذي جعل من إنهاء الحرب هناك هدفا رئيسيا في حملته الانتخابية - لإرسال عناصر من الجيش لحماية السفارة الأميركية في بغداد وسط تزايد العنف.

كما أرسلت الولايات المتحدة مستشارين عسكريين لتدريب الجيش العراقي في محاولة درء تهديدات الإسلاميين السنة المتنامية.

الآن ليبيا على حافة الخطر وأن تصبح دولة محكومة بعدم الاستقرار بعد التدخل الأمريكي.

الأحد الماضي قتل 38 شخصا على الأقل في اشتباكات بين جنود موالين للجنرال خليفة حفتر والميليشيات الإسلامية الموالية لنهج القاعدة.

وترى الجماعات الإسلامية أن الجنرال حفتر مجرد "عميل أمريكي". وبالرغم من أنه قضى وقتا في الولايات المتحدة، إلا أن المسؤولين الأميركيين يقولون إنهم لم يتواصلوا معه في الآونة الأخير.  

وقد دارت أعنف المعارك بالقرب من مطار طرابلس الدولي، حيث ذكرت وكالة أسوشيتدبريس أن عشرات الأشخاص قتلوا خلال الأسابيع القليلة الماضية، فيما ظهر في فيديو بُث السبت الماضي طائرات محروقة في المطار نتيجة تعرضها لصواريخ ونيران الرشاشات الثقيلة.

وقد أمر الصليب الأحمر وبعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا بإجلاء موظفيها خارج البلاد.كما حذرت مصر المجاورة والعديد من الدول الأوروبية كبريطانيا وألمانيا مواطنيها من خطر التواجد في ليبيا وخاصة في المدن الرئيسية. أما إيطاليا فقد رحلت أكثر من مائة من مواطنيها المقيمين في المستعمرة السابقة.

وقد ناشد وزيرة الخارجية جون كيري السبت الماضي الليبيين لوضع حد "للعنف الذي تمارسه الميليشيات الطليقة" وتبني الحل السياسي لبناء حكومة سلمية.

"لقد سقط الكثير من الضحايا، وقُدت تضحيات كبيرة من أجل ولادة ليبيا جديدة، ونحن متفائلون جدا أن كل هؤلاء الأطراف  سوف يدركون أن العنف لن يجلب سوى الفوضى وربما صعوبات جمة على المدى الطويل"، يقول كيري.

كما صرح كيري بأن السفارة الأمريكية ستعيد فتح أبوابها في أقرب وقت ممكن بمجرد تحسن الوضع الأمني.

لكن حتى بعض زملائه الديمقراطيين أضحوا يشككون في قدرة الولايات المتحدة على التأثير في مجريات الأحداث الدائرة في ليبيا ويخشون من أن أيام النفوذ الأمريكي القوي في طريقها إلى الزوال.

"من الواضح أن مثل هذه الأوضاع تتسم بالصعوبة البالغة. وبينما يجب علينا التحلي بأكبر قدر من الإنسانية، إلا أنني أشك في قدرتنا على التأثير على الأوضاع في هذا الجزء من العالم. في الواقع، لم نكن قادرين على القيام بذلك في أي مكان آخر، وربما في تونس أيضا"،  يقول السيناتور تشارلز شومر، وهو ديمقراطي من نيويورك، خلال ظهوره الأحد الماضي في برنامج "لقاء مع الصحافة" الذي تبثه قناة إن بي سي.