بالرغم من المساعي الحثيثة محليا واقليميا ودوليا لاحتواء الصراع المتفاقم في ليبيا والبحث عن حلول سياسية تنهي سنوات من الانقسامات في البلاد،فان هذا التوجه مازال يواجه تحديات كبرى على رأسها الأطماع التركية التي مازالت تحاول حبك خيوطها حول ليبيا طمعا في ثرواتها وأملا في أن تكون بوابة النظام التركي للتمدد والتوسع في المنطقة عموما.
يحاول النظام التركي التسويق لنفسه على أنه رسول سلام في ليبيا،فوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو،وفي مقابلة مع قناة "تي آر تي" التركية اليوم الخميس،زعم مجددا أن  أنقرة تسعى لتحقيق وقف إطلاق النار في ليبيا متهما الجيش الوطني الليبي بأنه لم يلتزم باتفاقي وقف إطلاق النار الصادرين عن اجتماع موسكو ومؤتمر برلين.
وأشار أوغلو إلى أن النظام العالمي غير قادر على التحرك لوقف الاقتتال في ليبيا، وليس لديه إرادة قوية لإنهاء الصراع هناك.وأكد أن "موقف تركيا واضح حيال ليبيا،قائلا "نحن نريد تحقيق توازن في الميدان"، وأضاف "الانتقال إلى مرحلة الحل السياسي في ليبيا، سيكون صعبا للغاية في ظل انتهاكات حفتر لوقف إطلاق النار"، بحسب تعبيره.
 تصريحات الوزير التركي لا تتناسب مع حقيقة الأوضاع على الأرض،فتركيا لم تكترث بتعهداتها السابقة في مؤتمر برلين بعدم التدخل في ليبيا ولم تراعي بالقرارات والإدانات الصادرة من أوروبا ودول الجوار الليبي،ولا للدعوات الأممية بضرورة وقف شحنات السلاح إلى ليبيا وواصلت عمليات نقل المسلحين المرتزقة والأسلحة إلى الأراضي الليبية.
وتتجدد الأدلة على التورط التركي لاشعال الصراع في ليبيا،فقد أعلن الجيش الليبي، الثلاثاء، إسقاط طائرة تركية مسيرة شرقي العاصمة، بعد أقل من 24 ساعة من استهدافه مخزن أسلحة وذخائر وصلت إلى ميناء طرابلس البحري.وقال بيان لشعبة إعلامه الحربي أن منصات دفاعه الجوي أسقطت طائرة تركية مُسيّرة، أقلعت من قاعدة معيتيقة العسكرية، بعد أن حاولت استهداف تمركزات لوحدات الجيش في محاور العاصمة.


وكانت قيادة الجيش قد أعلنت في بيان لها،مسؤوليتها عن قصف ميناء طرابلس البحري،مشيرة إلى أنه "جاء نظراً للخروقات المتكررة، وإطلاق النار من قبل الجماعات الإرهابية، التي خرجت عن سيطرة السراج وزمرته". وقالت إنها أعطت أوامرها لتوجيه ضربة عسكرية على مستودع أسلحة وذخيرة داخل ميناء طرابلس، بهدف إضعاف الإمكانيات القتالية للمرتزقة، الذين وصلوا من سوريا لمساعدة عناصر الجماعات المسلحة المتحالفة مع مقاتلي تنظيم "داعش" و"القاعدة".
وأكدت القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية أنها تحترم اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا،مضيفة في بيانها أن "الجيش الوطني الليبي يدعوا العناصر المنطوية تحت الجماعات المدعومة من قبل السراج إلى الامتناع عن انتهاك وقف إطلاق النار والالتزام بما تم التعهد عليه في مؤتمر برلين أمام العالم، وذلك لأن رد القوات المسلحة العربية الليبية لن يكون بالأمر الهين والبسيط".
حكومة الوفاق وكالعادة سارعت الى اتهام الجيش الوطني الليبي باستهداف المدنيين دون الاشارة الى حقيقة وجود شحنات السلاح التركي في ميناء طرابلس.واكتفت الحكومة ببيان عاجل، قالت فيه إن "ثلاثة مدنيين قُتلوا وأُصيب خمسة آخرون" جراء القصف، أعقبه بيان آخر لوزارة الداخلية قدمت فيه العزاء و"التضامن الكامل مع أسر الضحايا المدنيين جرا قصف لميناء طرابلس".
رواية حكومة الوفاق سرعان ما نفاها آمر كتيبة النواصي، المكلف بتأمين الميناء،محمد الأزهر أبو ذراع،مشيراً إلى أن قتلى القصف هم أفراد تابعون له.وقال أبو ذراع،في منشور على صفحته على فيسبوك، رداً على منشور التعزية الذي نشرته وزارة الداخلية، إن من قُتلوا في القصف هم "أفراد الأمن وعسكريون وليسوا مدنيين".

وتتبع كتيبة النواصي إلى وزارة الداخلية في حكومة الوفاق. وعلى الرغم من مشاركة أفرادها في القتال ضد قوات الجيش الوطني جنوب العاصمة، إلاّ أنّها مكلفة من الوزارة بتأمين ميناء طرابلس البحري، بصفتها "قوة شرطة".وتوجه أبو ذراع بخطابه إلى وزير الداخلية فتحي باشاغا، واصفاً إياه بوزير "الصدفة"، بل اتهمه بالقول "أنت العدو مش حفتر".

من جهة أخرى،يمكن القول بأن تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية ابراهيم قالن، التي صاحبت القصف، تُعدُّ اعترافاً ضمنياً بصحة استهدافه أسلحة تركية في الميناء.حيث قال قالن لوكالة "الأناضول"، الثلاثاء، إن "تركيا لا تؤكد معلومات تفيد بأن سفينتها غرقت خلال هجوم صاروخي في ميناء طرابلس"، مضيفاً "كان هناك قصف، لكن لم تقع إصابات، وتم الرد على مصدر هذه النيران".

وتتزامن هذه التطورات الميدانية مع اعتراف قائد السفينة اللبنانية "بانا" المحتجزة في ميناء جنوة الإيطالي منذ 3 فبراير الجاري، الثلاثاء، بأنه كان ينقل أسلحة ومعدات عسكرية على متن السفينة من تركيا إلى طرابلس.وقال قائد السفينة، إنه شاهد الآليات والأسلحة في مخازن السفينة وعشرات الجنود الأتراك على متنها،  وأن الشحنة كانت عربات مزودة بالرادار وسيارات جيب ذات مدافع مضادة للدبابات والمدافع الرشاشة والقاذفات والصواريخ، وفقا لصحيفة إيطالية.

وكانت سلطات ميناء جنوة، جنوبي إيطاليا، احتجزت سفينة شحن على خلفية تهريبها أسلحة من تركيا إلى ليبيا.وذكر قائد السفينة، أن الجيش التركي والمخابرات طلبا من طاقم السفينة أن ينفي التوجه إلى ليبيا، كاشفا عن أن هناك على الأقل 3 رحلات قامت بها السفينة لنقل الأسلحة والمعدات العسكرية من تركيا إلى طرابلس قبل أن يتم حجز السفينة، بحسب "العين الإخبارية".

وتواصل تركيا دعم حكومة السراج بالذخيرة والسلاح واستقدمت مرتزقة من سوريا للقتال في مساعي لصد مكاسب الجيش الليبي الميدانية،وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان،الأربعاء،أنه "في حال لم تفض المساعي الدولية لحل عادل في ليبيا، فسندعم حكومة الوفاق الليبية الشرعية للسيطرة على البلد بأكمله"، بحسب تعبيره في اعتراف واضح بمخططاته للسيطرة على ليبيا.

وتشير تصريحات المسؤولين الأتراك إلى ان تركيا اصبحت هي المتحكم في مختلف قرارات حكومة طرابلس.هذا الأمر أكده الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي أحمد المسماري،في مؤتمر صحفي مساء الأربعاء،قائلا أن أردوغان أصبح يصدر تصريحات رسمية وكأنه أصبح رئيس طرابلس.وأشار المسماري،الى إن أردوغان يتجه إلى التصعيد في الأزمة الليبية بشكل كبير جدا، ويواصل إرسال السلاح والإرهابيين إلى طرابلس وعرقلة أي مبادرة سلمية لحل النزاع الليبي.

وندد المسماري بموقف البعثة الأممية من استمرار التحركات التركية المشبوهة في ليبيا،قائلا،"سلامة انتقد استهداف شحنة الأسلحة والذخائر دون أن يدين خرق حظر الأسلحة إلى ليبيا،  وينتقد دفاع الجيش الليبي عن نفسه بينما يلتزم الصمت إزاء ممارسات أردوغان العلنية".وتابع: "مثلما أرسل أردوغان الإرهابيين من ليبيا إلى سوريا، الآن يقوم بنقلهم عكسيا من سوريا إلى ليبيا".

وعلقت حكومة الوفاق الوطني الليبية مشاركتها في محادثات جنيف العسكرية، بعد استهداف الجيش الليبي لسفينة شحن تركية محملة بالأسلحة والذخائر،فيما أعلنت وزارة خارجيتها على موقع "تويتر"، أن حكومة الوفاق لھا الحق في مواصلة تحالفاتھا العسكریة العلنية مع الحلفاء من خلال القنوات الشرعية.على حد تعبيرها.

وفي المقابل،رحبت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي بقراري وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي وبما جاء في مؤتمر ميونيخ للأمن بشأن مراقبة الاتحاد الأوروبي لحظر السلاح في ليبيا.وقال الجروشي، في بيان نُشر عبر موقع مجلس النواب: "يجب أن نكثف الجهود الدولية بفرض حظر الإرهاب الدولي العابر والمتمثل في ارسال تركيا آلاف الإرهابيين إلى عاصمتنا طرابلس لمساندة حكومة السراج غير الشرعية"، مضيفا أن أي حديث عن وقف إطلاق النار من قريب أو بعيد يعد خيانة عظمى، لأننا في حالة احتلال إرهابي عابر الحدود ، ولنا الحق الدولي والشرعي والقومي في الدفاع عن وطننا"، بحسب البيان.

وطالب الجروشي،العالم بوضع حدّ "للعربدة التركية ، حتي تنعم ليبيا و دول الجوار بالأمن ؛ ولكي يتمكن الجيش الليبي من تطهير البلاد من الاٍرهاب والفساد ومساعدة البرلمان لبناء الدولة الليبية القائمة على الديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان".وبيّن أن أمن ليبيا مرتبط بأمن العالم ولاسيما الاتحاد الأوروبي نتيجة لموقع ليبيا؛ وهو ما يتطلب مزيد من العمل الأمني الدولي المشترك لضبط الحدود البحرية المشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي المطلة على المتوسط ودول الاتحاد المغربي التي سيستغلها الارهابيين.

وتمثل حكومة السراج البوابة التي يسعى نظام أردوغان لاستغلالها لنهب ثروات ليبيا ومد نفوذه في البلاد وهو ما يدفعه لمحاولة انقاذها بأي طريقة.وتسود ليبيا حالة من الغضب بعد أن فتحت حكومة الوفاق الباب لتركيا لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية في ليبيا.وشهدت المدن الليبية مظاهرات حاشدة ضد الغزو التركي وتصاعدت الدعوات الى ضرورة توحيد الصف الليبي في مواجهة هذا الخطر الذي يتهدد ليبيا والمنطقة ككل.