تتجه الأوضاع في طرابلس الى انهيار وشيك للهدنة والعودة الى مربع الاقتتال الذي يتواصل منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي،وذلك في ظل استمرار التحشيدات العسكرية التي تغذيها التدخلات التركية المتواصلة الساعية الى ابقاء حالة الفوضى والصراع في ليبيا،بالرغم من التحركات الاقليمية والدولية التي تصاعدت خلال الايام الماضية بحثا عن حل للازمة المتنامية في هذا البلد الممزق منذ سنوات.
وفي تطور جديد، أعلن المتحدث باسم قوات الوفاق محمد قنونو اندلاع اشتباكات مع قوات الجيش في شارع المطبات جنوب العاصمة طرابلس.وقال قنونو بحسب صفحة عملية "بركان الغضب" بموقع "فيسبوك" أن عناصر الكتيبة 301 التابعة لقوات المنطقة العسكرية الوسطى تعاملوا مع ثلاث آليات مسلحة وتجمع للمشاة التابعين للجيش في شارع المطبات.وأكد قنونو أن قوات الجيش كررت خرق هدنة وقف القتال في الأحياء السكنية خلف خطوط القتال بالعاصمة طرابلس مشيرا إلى أن التعليمات التي صدرت لقوات الوفاق تقضي بالرد على مصادر النيران.على حد تعبيره.

وبالرغم من اعلان وقف اطلاق النار بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق،في 12 يناير الماضي،لم تتوقف المناوشات وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بخرق الهدنة في وقت حاولت فيه القوى الدولية في مؤتمر برلين البناء على هذه الهدنة للتوصل الى وقف دائم لاطلاق النار يسمح بالمرور الى الحلول السياسية لتسوية الأزمة المستعصية.
وتأتي هذه الاشتباكات بالتزامن مع اعلان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،السبت،انتهاء الجولة الاولى من محادثات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 والتي كانت قد بدأت أعمالها يوم الاثنين الماضي،مؤكدة "وجود توافق بين الطرفين على اهمية استمرار الهدنة التي بدأت في 12 يناير من هذا العام، وعلى اهمية احترامها وتجنب خرقها.
كما أشارت البعثة الى "وجود توافق واسع بين الطرفين حول حاجة اللبيبين الملحّة للمحافظة على سيادة ليبيا وسلامة أراضيها والحفاظ عليها وحماية حدودها، وعلى ضرورة الامتناع عن رهن القرار الوطني ومقدرات البلاد لأية قوة خارجية، وعلى وقف تدفق المقاتلين غير الليبيين وإخراجهم من الاراضي الليبية"،وأضافت البعثة أنها اقترحت تاريخ 18 فبراير موعداً لجولة جديدة من التفاوض.
وتصاعدت التحذيرات من احتمال انهيار الهدنة في طرابلس على وقع التحشيدات العسكرية.وعبرت السفارة الأمريكية في ليبيا في سلسلة تغريدات بموقع "تويتر" عن قلقها ازاء التقارير التي وصفتها "بالموثوقة" والتي "تفيد بأن هناك عمليات عسكرية هامة يتم التخطيط لها من قبل القوات التابعة لكل من القوات المسلحة العربية الليبية وحكومة الوفاق الوطني في المستقبل القريب" مضيفة "سواء كانت عدائية أو استباقية، فإن مثل هذه الأعمال تنتهك الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في برلين".
ودعت السفارة الأمريكية "الأطراف ومؤيديهم من الخارج إلى النظر بعناية في المخاطر الكامنة في مثل هذه الأعمال، ومضاعفة دعم الحوار الأمني الذي تيسره الأمم المتحدة في جنيف في محاولة للوصول إلى اتفاق على وقف دائم لإطلاق النار".وفق تعبيرها.
وفي السياق ذاته،عبرت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا،عن قلقها ازاء تطورات الأوضاع في العاصمة طرابلس وما تشهده من تحشيد عسكري متبادل من جميع أطراف النزاع المسلح.وحذرت اللجنة في بيان لها من أن هذا التحشيد من شأنه تجديد المواجهات المسلحة، ونسف جهود وقف إطلاق النار والتهدئة وإجهاض الجهود الدولية والاممية والعربية والأفريقية والإقليمية الرامية إلى التوصل إلى حل سلمي وشامل للأزمة الليبية والتي كان آخرها مؤتمر برلين بشأن الأزمة الليبية.
وأشارت اللجنة إلى مغبة هذا التصعيد العسكري الذي من شأنه أن يسهم في مفاقمة الأزمة والمعاناة الإنسانية التي يمر بها السكان المدنيين بمناطق النزاع والتوتر،داعية  جميع أطراف النزاع إلى احترام إعلان الهدنة ووقف إطلاق النار والالتزام الكامل به، حيث يشكل وقف إطلاق النار والتهدئة عنصر أساسي لتوفير المساعدات الإنسانية الضرورية لأهالي المناطق المتضررة من الاشتباكات، والتخفيف من وطأة المعاناة الإنسانية التي يمر بها السكان المدنيين الأبرياء جراء الحرب.
وطالبت اللجنة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بدعم جهود اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 والتي تمثل أبرز مقررات ومخرجات مؤتمر برلين بشأن الأزمة الليبية من أجل تهيئة الظروف المناسبة لاستئناف المفاوضات والحوار السياسي فيما بين أطراف النزاع المسلح وأطراف الأزمة السياسية في ليبيا، داعية بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا لسرعة العمل على وضع آليات لمراقبة وقف إطلاق النار، وذلك لضمان الالتزام بتطبيقه على النحو الأمثل.

وتصاعدت مؤخرا التصريحات بين الأطراف المتصارعة التي تنذر بعودة القتال،حيث أكد الناطق باسم وزارة خارجية حكومة الوفاق محمد القبلاوي،في لقاء مع وكالة "الأناضول"،أن حكومة الوفاق استعدت عسكريا من كل الجوانب، انطلاقا من مذكرة التفاهم مع تركيا،قائلا: "أمددنا كل خطوطنا الأمامية بالعتاد والسلاح اللازم".ويتعارض هذا التحشيد مع الجهود المتواصلة لوقف التصعيد بين الأطراف المتصارعة في البلاد.
وقبل ذلك،خرج صلاح بادي، قائد "لواء الصمود" بمصراتة،ليعلن انقلابه على الهدنة.وأكد بادي في مقطع فيديو نشرته الصفحات التابعة لقوات الوفاق على مواقع التواصل الاجتماعي، مواصلة العمليات القتالية في منطقة أبو قرين والوشكة الواقعتين بمدينة مصراتة، لاستعادتهما من الجيش الليبي الذي سيطر عليها قبل أسبوع، كما دعا قوات مصراتة إلى الخروج للدفاع عن مدينتهم والحشد للمعركة القادمة.
وبالمقابل، أكد الناطق باسم القيادة العامة للقوات المسلحة اللواء أحمد المسماري أن قوات الجيش جاهزة وقادرة على الرد على أي تهديد أمني أو خرق للهدنة، وأضاف خلال مؤتمر صحفي، أن الأوضاع في مختلف المناطق العسكرية والتي تمثل 90% من مساحة ليبيا جيدة جدا وتعمل بشكل طبيعي رغم الحرب، مشددا على أن "القوات على أهبة الاستعداد" للرد على أي خرق في أي ساعة.
وياتي تصاعد التوتر في ظل التدخلات التركية التي تصاعدت وتيرتها في محاولة لتأجيج الصراع في البلاد خدمة لمخططات أردوغان التي باتت واضحة للعيان وهو ما أكده تصاعد الاتهامات والانتقادات للنظام التركي داخليا ا دفع الرئيس التركي،لمهاجمة المعارضة الداخلية التي ترفض السياسة التي ينتهجها في سوريا وليبيا، بقوله:"هؤلاء لا يدركون تاريخ وثقافة وقيم الأمة التركية.


وفي وقت سابق اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تركيا بتأزيم الأوضاع في ليبيا حيث اعتبر في تصريحات صحافية أن نظيره التركي لا يحترم كلامه المتعلق بإنهاء التدخل في الأزمة الليبية ولاسيما عدم إرسال سفن تركية تقل مرتزقة للقتال إلى جانب ميليشيات حكومة الوفاق التي تسيطر على العاصمة طرابلس.
كما أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف،في وقت سابق،إن عددا كبيرا من المسلحين في إدلب بسوريا يتوجه إلى ليبيا، في خرق للقرارات الدولية.وأوضح لافروف لصحيفة "روسيسكايا غازيتا" أن الجانب الثاني المتعلق بالمخاطر والتهديدات الناشئة عن منطقة خفض التصعيد في إدلب هو نقل مئات المقاتلين بما في ذلك مقاتلو النصرة وهيئة تحرير الشام، إلى ليبيا للمشاركة في الأعمال القتالية في ذلك البلد.وأضاف وزير الخارجية الروسي أن بلاده لا يمكنها حل هذه المشاكل بمفردها ، مشيرا إلى أن بلاده تتحدث عن هذا مع الأتراك.
وتستغل أنقرة الهدنة المعلنة في ليبيا من أجل تعزيز وجودها ودعم حلفائها في طرابلس،وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير له إن تركيا أرسلت إلى ليبيا متشددين سوريين ينتمون إلى جماعات مثل تنظيمي داعش والقاعدة، مشيرا إلى أن تركيا جلبت أكثر من 4 آلاف مقاتل أجنبي إلى طرابلس وإن العشرات منهم ينتمون إلى جماعات متطرفة.وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن إنه تم رصد ما لا يقل عن 130 من مقاتلي داعش أو القاعدة ضمن ما يقرب من 4700 مرتزق سوري أرسلتهم تركيا لدعم السراج.
كما دفعت تركيا بمزيد من شحنات السلاح الى ليبيا حيث نشرت وسائل إعلام صورا ومقاطع فيديو تظهر أسلحة تركية مرسلة إلى قوات حكومة الوفاق.وأكدت وكالة الصحافة الفرنسية،أن حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" رصدت الفرقاطة التركية إلى جانب سفينة الشحن "بانا" التي تستخدم في تهريب الأسلحة من تركيا إلى ميناء طرابلس.وتداولت منصات إخبارية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أسبوع، مقطع فيديو يُظهر أسلحة وآليات عسكرية، قالو إن سفينة الشحن (بانا) نقلتها لميناء طرابلس الليبي.


وتحدثت تقارير اعلامية عن قيام تركيا بنصب آليات الدفاع الجوي في طرابلس ومصراتة،وسط حديث عن اعداد أنقرة لإنشاء قاعدة عسكرية مصغرة قرب العاصمة طرابلس ستكون مسؤولة عن العمليات العسكرية في ليبيا، على أن تضم قوات تركية خاصة، وأخرى من البحرية، إضافة إلى مهبط للطائرات، وغرفة اتصال مباشر بحكومة الوفاق، بحسب ما نقلته قناة العربية عن مصادرها العسكرية.
وحث رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، الاتحاد البرلماني العربي على مطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته ودعم جهود مكافحة الإرهاب في العاصمة الليبية طرابلس، وإعلان رفضه الاعتداء على ليبيا، واستنكار إرسال المرتزقة والإرهابيين لقتل الليبيين.وقال صالح في كلمته،السبت 08 فبراير 2020، أمام المؤتمر الطارئ للاتحاد البرلماني العربي المنعقد في العاصمة الأردنية عمان، إن "الشعب الليبي يطالب الاتحاد العربي برفض الغزو التركي لليبيا".
وتثير التدخلات التركية مخاوف كبيرة من تحويل ليبيا الى بؤرة للمتطرفين وهو ما دفع دول الجوار للتعبير عن رفضها للتدخلات التركية.وأكدت وزارة الخارجية المصرية،خلال اجتماع موسع، عُقِد بمقر وزارة الخارجية المصرية، الخميس، لسفراء كافة الدول الأوروبية بالقاهرة على أهمية تكاتف الجهود الدولية لوقف الدور السلبي والتخريبي الذي تلعبه بعض الدول الإقليمية بهدف مد الصراع في ليبيا وسوريا، ما يؤدى لاستمرار معاناة الشعبين، فضلاً عن زعزعة مجمل الاستقرار في المنطقة.
وبدورها عبرت تونس والجزائر عن توافقهما على أن يكون حل الأزمة الليبية داخليا عبر لجوء طرفي الصراع في ليبيا إلى الحوار.وقال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في تصريح للصحافة عقب محادثات جمعته بنظيره التونسي قيس سعيد،الأحد الماضي،"اتفقنا على أن يكون الحل في ليبيا داخليا وإبعاد ليبيا عن كل ما هو أجنبي ومنع تدفق السلاح.
وفي غضون ذلك تسارعت وتيرة التحركات للتوفيق بين الأطراف الليبية،حيث أعلنت الخارجية المغربية، الجمعة، عن عزمها استضافة جولة جديدة من المباحثات الليبية في الرباط.وقالت في بيان بعد ساعات من وصول وزير الخارجية الليبي عبدالهادي الحويج، ولقائه نظيره المغربي، إن رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري رحب باستضافة الرباط جولة جديدة من الحوار الليبي.
ومن جهتها تجري الجزائر، خلال الأسابيع الأخيرة، تحركات دبلوماسية بشأن الأزمة الليبية؛ من أجل تثبيت وقف إطلاق النار في العاصمة طرابلس، وإطلاق مسار سياسي لحل الأزمة، واحتضنت الجزائر العاصمة، قبل أيام، اجتماعا إقليميا لوزراء خارجية دول جوار ليبيا ومعهم وزيري خارجية مالي وألمانيا، لبحث مخرجات مؤتمر برلين الدولي ومستجدات الوضع الأمني والسياسي في ليبيا.اتفقت دول الجوار الليبي على رفض التدخلات العسكرية الأجنبية في الأزمة، وأكدت أنها تزيدها تعقيدا، وشددت على ضرورة التواصل فيما بينها سعيا لحل سياسي للأزمة.