سميت السنوات الرابطة بين 1990 و2000 بالعشرية السوداء في الجزائر نظرا لدموية تلك الفترة العصيبة من التاريخ السياسي الجزائري نتيجة الصراع المحتدم بين مؤسسات الدولة الجزائرية والمجموعات الإسلامية المتشددة التابعة لجبهة الإنقاذ الجزائرية بعد أن أحرز الإسلاميون تقدما ملحوظا في الانتخابات البرلمانية والبلدية آنذاك مقابل رفض النظام صعود الإسلاميين إلى السلطة وتمكنهم من الاستحواذ على نصف عدد مقاعد البرلمان تقريبا والسيطرة على بعض المدن الهامة في الجزائر.

بعد أن أصاب الاقتصاد الجزائري في فترة السبعينات نوع من الكساد نتيجة ضعف الإطارات القادرة على التحكم في الموارد وشساعة المساحة الجزائرية، وبعد أن أخذت الحركات الأمازيغية والمناصرين للفرنكوفونية في الاحتجاج المتزايد على سياسة التعريب التي انتهجها الرئيس الشاذلي بن جديد، سارع الإسلاميون في الجزائر إلى رفع شعار “ضرورة حفظ هوية الشعب الجزائري من التغريب والفرنسة” واعتبروا أن سبب الأزمة هو “ابتعاد الجزائريين عن دينهم”.

وبذلك تمكنت الجماعات الإسلامية من التغلغل في صفوف الجماهير وتكوين خلايا تنظيمية في مناطق مختلفة تنشط ضد الدولة ونظام الحكم، خاصة وأن نهاية السبعينات انتهت بما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران، والتي أعطت دفعا للحركات الإسلامية في أنحاء عديدة من العالم، مرجعة حلم الخلافة الإسلامية إلى الواجهة بعد أن خاضت الحركات الوطنية ملاحم التحرر الوطني ضد الاستعمار في الخمسينات والستينات.

وبعد تطور لمجريات الأحداث دام عقدا من الزمن، استطاع الإسلاميون الوصول إلى اتفاقات مع السلطة تسمح لهم بالنشاط السياسي القانوني والعلني وقد تكمن هؤلاء من الفوز في الانتخابات البلدية والتشريعية، ولكن بعد ضغوط من داخل النظام، تم إلغاء النتائج وتشكيل المجلس الأعلى للدولة الذي أتى بالرئيس محمد أبو ضياف (بعد استقالة الشاذلي بن جديد) والذي اغتيل على يد أحد معاونيه الذين كانوا ينتمون إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

في 4 مارس 1992 قامت الحكومة بإلغاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ كحزب سياسي مرخص، واعتبر أعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذين لم تطلهم يد الاعتقال تصرفات الجيش بمثابة إعلان حرب على الجبهة وقرروا البدء في حرب عصابات بكل وسيلة متوفرة لهم، وانضمت إلى الجبهة فصائل أخرى كانت تنتهج مبدأ الإسلام السياسي وكان أفراد الجيش وقوات الشرطة الهدف الرئيسي للمسلحين الذين اتخذوا من المناطق الجبلية في شمال الجزائر معاقل رئيسية لهم.

وقد استمرت أعمال العنف طيلة سنوات دون انقطاع، رفضت فيها بعض المجموعات دعوات الحوار التي أطلقتها السلطة آنذاك، وبقيت على منهج الإرهاب والصراع المسلح. وقد عرفت منطقة نشاطهم باسم مثلث الموت وكانت أطراف هذا المثلث تتمركز في ولاية الجزائر وبليدة والأربعاء (ولاية البليدة) ووقعت في هذا المثلث مذابح عديدة وكانت من أبشع الحملات الدموية التي قامت بها الجماعة قتل 400 مدني جزائري في بلدة جنوب غرب الجزائر في 31 ديسمبر 1997.

وبعد أن قبلت الجبهة الإسلامية بهدنة مع السلطة في إطار توافقات جديدة، تشكلت الجبهة الإسلامية المسلحة منشقة عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وقامت بتنفيذ عمليات اغتيال حتى في صفوف جبهة الإنقاذ ذاتها، من بينها عملية اغتيال القيادي الإسلامي عبدالباقي الصحراوي في باريس سنة 1997. وكانت المذابح لا تميز بين ذكر أو أنثى أو بين طفل رضيع أو شيخ طاعن في السن، وكانت طرق القتل في غاية الوحشية تحمل دائما بصمات الجماعة الإسلامية المسلحة التي اعترفت عن مسؤوليتها عن مذبحتي الرايس (400 ضحية قتلوا ذبحا) وبن طلحة (200 مدني ذبحوا تحت أصوات التكبير).

وقد تطورت هذه الجماعات المتطرفة الإرهابية في السنوات الماضية لتصبح مجموعات مقاتلة تعتمد المنهج الجهادي المسلح، من بينها جماعة الدعوة والقتال والجبهة الإسلامية المسلحة لتتطور وتصبح “تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي”.