تعاني ليبيا منذ العام 2011، من أزمة سياسية حادة تغذيها الخلافات الداخلية بين الاطراف التي تتنازع السلطة،حيث تقف العوائق السياسية في طريق المصالحة وإنقاذ البلاد من الانهيار،وهو ما جر البلاد في منعطفات خطيرة رغم تعدد المبادرات الداخلية والخارجية لتلمس حل يخرج البلاد من أزمتها الخانقة.

ويعتبر التوصل إلى حل سياسي في ليبيا مهمة صعبة خاصة في ظل تواصل الخلافات بين الفرقاء السياسيين في البلاد وعجزهم عن التوصل إلى توافق حول القضايا الرئيسية،وهو ما يؤكده تعثر تصويت أعضاء البرلمان على مشروع قانون الاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد.


** حسم مؤجل

إلى ذلك،علّق مجلس النواب الليبي جلسة عقدها،الثلاثاء 14 أغسطس/آب 2018،والتي كانت مقررة للتصويت على قانون الاستفتاء على مسودة مشروع الدستور الليبي الدائم، الذي قدمته الهيئة التأسيسية لإعداد مشروع الدستور.

وقال عضو مجلس النواب عبد المنعم بلكور في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية: "بعد انعقاد الجلسة بحضور نحو 100 عضو، بالإضافة للرئيس ونائبه الأول، تم التوافق على إقرار قانون الاستفتاء، ولكن إقرار القانون بشكل رسمي يحتاج لتعديل الإعلان الدستوري الليبي، وبعد شد وجذب حول موعد التعديل، تم الاتفاق على عقد جلسة بعد عيد الأضحى، يتم فيها التصويت على تعديل الإعلان الدستوري، وإقرار قانون الاستفتاء معا، بعد أن تقوم رئاسة المجلس بتحديد تاريخ معين للجلسة".

وقال المتحدث باسم مجلس النواب الليبي، عبدالله بليحق،إن الجلسة خلصت إلى توافق النواب الحاضرين على مشروع قانون الاستفتاء على الدستور الدائم للبلاد.وعلّق بلحيق نفاذ قانون الاستفتاء على تحصين المادة السادسة من مشروع القانون وذلك بإجراء تعديل دستوري في جلسة ما بعد عيد الأضحى.

وتنص المادة السادسة من مشروع القانون على "ينال مشروع الدستور ثقة الشعب إذا صوَّت له بـ(نعم) أغلبية ثلثي الأصوات الصحيحة للمقترعين الليبيين، وبنسبة لا تقل عن 51% من المسجلين بسجلات المفوضية بكل دائرة من الدوائر الثلاث، وتحال نتيجة الاستفتاء مباشرة للهيئة التأسيسية للمصادقة عليه كدستور دائم ويعتمده مجلس النواب".

وكان مجلس النواب أرجأ منذ أسبوعين التصويت على مشروع قانون بسبب خلافات بشأن المادة الثامنة.والتي تنص على أن "تنتهي أعمال هيئة صياغة الدستور، إذا ما رفض الشعب خلال الاستفتاء الشعبي مسودة الدستور المطروحة".كما تنص "على أنه في حال تم ذلك يقوم مجلس النواب خلال 30 يوما، باختيار لجنة تتكون من 30 عضوا تتولى صياغة مسودة الدستور، على أن تتم أعمالها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ المصادقة على تشكيلها من قبل المجلس، ليقوم خلال 30 يوما من تاريخ انتهاء أعمال اللجنة، بإحالة مشروع قانون الاستفتاء إلى المفوضية العليا للانتخابات لغرض الاستفتاء".

ويعني التصويت على مشروع القانون الدخول في مرحلة التحضير لإجراء الاستفتاء على الدستور وتأجيل إجراء الانتخابات.أما رفض القانون فيعني المرور إلى تعديل الإعلان الدستوري وتفعيل القرار رقم 5 لسنة 2014 بشأن انتخاب رئيس للدولة وإجراء الانتخابات في موعدها.


** جلسة متوترة

جلسة البرلمان تخللتها مناوشات وتوتر وصل حد إطلاق النار بحسب ما أكدت وسائل إعلامية.ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"،عن نواب حضروا الجلسة،إن إطلاق نار عشوائيا أدى إلى إصابة صالح هاشم، عضو المجلس، إثر مشادة كلامية مع بعض الحراس المكلفين تأمين المجلس، لكنهم نفوا قيام مسلحين باقتحام مقر المجلس، أو تهديد بعض النواب، بينما تحدث مصدر أمني عن إصابة ضابط برتبة رائد من حراس المجلس برصاصة، قال إنها خرجت بطريق الخطأ من سلاح كان بحوزة هاشم داخل قاعة مجلس النواب.

وأكد فتحي المريمي، المستشار الإعلامي لرئيس المجلس، صحة هذه الرواية، وقال إن المشاجرة التي وقعت أمام مقر المجلس انتهت بالمصالحة بعد تدخل العقلاء. لكن هاشم قال في المقابل إنه أصيب أمام مقر المجلس إثر مشادة كلامية مع أحد حراس رئيس البرلمان.

وبدوره قلل النائب إبراهيم الزغيد، عضو المجلس، من خطورة هذه الواقعة، معتبرا أن "ما حدث مجرد مشكلات بسيطة تم حلها" على حد قوله، وأوضح أن الجلسة التي حضرها 92 نائبا ناقشت مشروع الاستفتاء، وتقسيم ليبيا إلى ثلاث دوائر انتخابية.

من جانبه،وصف رئيس لجنة الحوار السياسي البرلماني عبد السلام نصية، جلسة مجلس النواب التي عقدها الثلاثاء بـ"جلسة التوتر"، سواء داخل القاعة أم خارجها.وأوضح نصية أن الجلسةَ بدأت فعليا بالتصويت على مشروع الاستفتاء، غير أن سلسلة من المشادات والمناقشات، وتحول عدد كبير من الأعضاء إلى طاولة المستشار عقيلة صالح، أوقفت عملية التصويت.

وبين نصية أن الاعتراض يتمثل في طلب بعض الأعضاء ضرورة إجراء تعديل دستوري، يحصن المادة السادسة من القانون قبل التصويت عليه، مبينا أنه تم التوافق على إقرار مشروع القانون، وإقرار التعديل الدستوري، على أن يصدرا بعد عُطلة العيد.


** الإنتخابات

وفي ظل تواصل فشل تمرير قانون الاستفتاء على الدستور الدائم للبلاد،تستعد مفوضية الانتخابات لإجراء الاستحقاقات في موعدها. وقال رئيس المفوضية عماد السايح، إن المفوضية في طور التجهيز والإعداد لإجراء الاقتراع المقرر في ليبيا قبل نهاية العام الجاري.

وأضاف السايح في تصريح لصحيفة العين الإخبارية، إن غموض القرار السياسي بشأن إجراء انتخابات عامة أو استفتاء على الدستور، يربك خطط المفوضية.ولفت إلى أن المفوضية تتطلع إلى رفع نسبة المسجلين في سجل الانتخابات مع اقتراب موعد الاقتراع، حيث إن نسبة المسجلين إلى الآن 50 بالمئة بعدد مليونين ونصف المليون ناخب من المؤهلين لممارسة حق التصويت.

من جهته،أعرب مبعوث الأمين العام لجامعة الدول العربية، صلاح الدين الجمالي،الأربعاء 15 أغسطس/آب، عن أسفه لعدم تمكن مجلس النواب الليبي من إصدار قانون الاستفتاء، مطالبًا بإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن.وطلب الجمالي من الليبيين والمؤسسات الشرعية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب وقت.

وقال الجمالي في تصريح خاص لقناة "ليبيا روحها الوطن"، إنه"يجب على الساسة في ليبيا أن يقدروا رغبة الليبيين في إجراء الانتخابات في أقرب وقت لإنهاء المعاناة".مشيرا إلى إن كلًا من القائد العام للجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، ورئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج ، لديهما رغبة أكيدة لإجراء الانتخابات في أقرب وقت وفقًا لاتفاق باريس.

وأوضح الجمالي أن الدستور ليس أهم من الانتخابات في هذه الفترة، مذكرًا بأن هناك أطرافًا – لم يسمّها- تسعى لعرقلة العملية الانتخابية، مشيرًا إلى أنه "كلما تأخرت العملية الانتخابية زادت معاناة الشعب الليبي".وشدد على أن التدخل الخارجي لن ينتهي إلا بالانتخابات ووجود دولة قوية وموحدة.

ويزداد المشهد الليبي تعقيدًا من يوم إلى آخر في ظل تواصل حالة الفوضي والصراعات التي كرستها الإنقسامات ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية في أغلب المناطق والتي تؤثر بشكل كبير على المواطن.فيما يزيد التدخل الخارجي في تأزيم الأوضاع خاصة مع  تباين وجهات النظر الفرنسية - الإيطالية،والذي لا يسمح بتفعيل ملموس للدور الأوروبي في حل الأزمة الليبية.