سقطت مختلف وسائل الإعلام الجزائرية في فضيحة هزت من مصداقيتها أمام الرأي العام، بسبب نشرها صورا مغلوطة للواء بشير طرطاق المعين مؤخرا على رأس جهاز الاستخبارات، واضطر أحد الضباط، الذي تضرر من نشر صوره على أنه هو القائد الجديد، للتدخل لدى إحدى الفضائيات الخاصة، ليطلع وسائل الإعلام بأنه ليس هو اللواء بشير طرطاق المعني بالقرار.

وحسب صحيفة العرب اللندنية، وجد الإعلام الجزائري نفسه في قلب فضيحة مهنية بعد تداوله لصور مغلوطة لقائد جهاز الاستخبارات الجديد اللواء بشير طرطاق، حيث بثت ونشرت على نطاق واسع لضابط آخر لا علاقة له بالمسألة تماما، وهو ما أوقع الصحفيين في حرج شديد أمام مشاهديهم وقرائهم، بسبب الخطأ المهني الذي يعكس الوضع المتردي الذي يعيشه الإعلام الجزائري، في ظل انغلاق السلطة على نفسها وتكتمها الشديد الموروث عن الزمن الاشتراكي حتى على القرارات الحاسمة.

ورغم أهمية القرار المتخذ من طرف السلطات العليا للبلاد، وتسليط الأضواء عليه من طرف مختلف وسائل الإعلام العربية والغربية، إلا أن التعاطي الفوتوغرافي مع الحدث يعكس توجهات التعتيم والتكتم التي ما زالت تهيمن على مصادر القرار، إذ مر حفل تنصيب القائد الجديد لجهاز الاستخبارات بعيدا عن عيون الإعلام، واكتفت السلطة ببيان مقتضب كما كان الأمر مع قرار إقالة القائد السابق اللواء محمد مدين (توفيق).

وفيما ذهبت بعض الآراء إلى إدراج التحول الأخير في إطار مخطط لتمدين الدولة وتحييد نفوذ جهاز الاستخبارات، فإن ترتيب حفل التنصيب بعيدا عن الأضواء الإعلامية، وعدم تسريب أي صور له، يعطي الانطباع بأن مشروع التمدين هو حلم فقط، ولو كان في نية السلطة ذلك، لدعت وسائل الإعلام إلى حفل التنصيب، لتكون الدعوة أفضل رسالة للرأي العام حول مشروعها.

ورغم الجدل المثار في مختلف الأوساط السياسية حول جهاز الاستخبارات، والأضواء المسلطة عليه من طرف وسائل الإعلام المحلية والدولية، إلا أن مسألة الشفافية لا تزال غائبة إلى درجة أن تخطئ معظم الصحف والفضائيات في صورة طرطاق.

ويشتهر كبار ضباط الجهاز بتحفظهم الشديد وابتعادهم عن الأضواء والكاميرات، مما فوت الفرصة على أكبر الصحف والفضائيات المحلية والدولية، للفوز بصورة جيدة لهذا الضابط أو ذاك.

وتتكرس القدرة على التخفي، حسب بعض الروايات بشكل واضح في شخصية اللواء الراحل إسماعيل العماري، الذي كلف في ذروة العشرية الحمراء، بإدارة ملف المفاوضات مع مسلحي جبهة الإنقاذ المحظورة من أجل وقف العمل المسلح وإرساء المصالحة الوطنية، في أن جيرانه في ضاحية الحراش بالعاصمة لم يتفطنوا لمنصبه ومهمته إلا بعد وفاته، ليكتشفوا حينها أن “اللواء إسماعيل هو ذلك الشخص النحيل الذي كان لا يتخلف عن صلاة الفجر معهم في مسجد الضاحية”.

إلا أن المشهد الهزلي الذي رسمته وسائل الإعلام المحلية، دفع البعض إلى القول بضرورة التفريق بين “التخفي المهني والتعتيم الإعلامي”.

وقالت الإعلامية فتيحة بوروينة إن “كل وسائل الإعلام الجزائرية بلا استثناء تداولت صورة الرئيس الجديد لجهاز المخابرات وهي ليست له”، و”حتى الصحف والقنوات التي تحوز على إمكانيات تأكيد الصورة أهي لطرطاق أم لا، تكاسلت عن فعل ذلك”.

وأضافت “المأساة أن صاحب الصورة الحقيقي، اضطر إلى مغادرة بيته والتوجه إلى مؤسسة إعلامية لوضع حدّ للمهزلة”، متسائلة “أين هي المصادر العليمة والمطلعة.. والتي لا تكذب أبدا؟ لماذا لم تستعن بها (الصحف والقنوات النافذة) للتأكد من صحة الصورة؟”، وذلك في إشارة إلى وسائل الإعلام التي كانت تزعم قربها من قيادة الاستخبارات.

وتابعت “ليس هذا فقط.. كل الصحف أوردت سيرة ذاتية واحدة (نسخ لصق) للفريق مدين.. أخطأت في تاريخ ومكان ميلاده، إنه الانحدار الإعلامي”.