أربكت الانتصارات التي يحققها الجيش الليبي في العاصمة الليبية طرابلس منذ أسابيع، حسابات جماعة الإخوان في ليبيا، وبعثرت أوراق حكومة الوفاق الليبية، التي سارعت عدة أطراف فيها الى طلب التدخل الخارجي فيما صعدت أطراف أخرى من الاتهامات لحكومة السراج في مشهد يشي بحجم الخلافات والانقسامات داخلها.
الى ذلك،نجحت القوات المسلحة الليبية في اختراق دفاعات القوات الموالية لحكومة الوفاق،بعد تجاوزها تخوم الضواحي الجنوبية للعاصمة طرابلس، وذلك في تطور لافت للأحداث المتصاعدة منذ أشهر عقب اطلاق الجيش الوطني الليبي لعملية "طوفان الكرامة" في الرابع من أبريل/نيسان الماضي يهدف انهاء سطوة المليشيات المسلحة.
وأظهرت لقطات مصورة بثتها شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش الوطني، مساء أول من أمس، تجول قواته داخل محاور القتال بالعاصمة طرابلس، وبسط سيطرتها على عدة مواقع في محوري اليرموك والخلاطات بجنوب المدينة.وطبقا لما أعلنه المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، التابع للجيش الوطني، فقد سيطرت قواته على كامل الخلاطات، ووصلت إلى منطقة الروابش المطلة على ضاحية أبو سليم جنوب العاصمة.
وكانت قوات الجيش الليبي نجحت في الانتشار في مدينة العجيلات التي تبعد حوالي 79 كيلومترا إلى الغرب من العاصمة الليبية طرابلس مساءالإثنين. وقال آمر فرع التوجيه المعنوي بالمنطقة الغربية أن وحدات من القوات المسلحة انتشرت بمدينة العجيلات وقامت بتفعيل البوابات. وأضاف آمر فرع التوجيه المعنوي بالمنطقة الغربية أن قوة الجيش دخلت إلى المدينة وسط ابتهاج الأهالي.بحسب ما نقل المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الوطني.
من جهة أخرى،أعلن الجيش الوطني الليبي،أمس، أنه دمّر شحنة أسلحة تضم 19 مدرعة تركية، وصلت حديثاً للقوات الموالية لحكومة الوفاق، في سلسة غارات جوية استهدفت مدينة مصراتة على بعد 200 كيلومتر شرق العاصمة طرابلس.وأوضحت القيادة العامة للجيش الليبي - في بيان عاجل - أنه "بناء على المعلومات الاستخباراتية الدقيقة، تم رصد ومتابعة عملية نقل عدد (19مدرعة ) بواسطة السفينة المدنية التركية (كوسافاك رست) من تركيا إلى ميناء الحديد والصلب بمنطقة مصراتة، الاثنين، ليتمّ لاحقا نقلها من الميناء وتخزينها في منطقة صناعية في وسط المدينة، بهدف استخدامها في أرض العمليات، وفق خططهم المعروفة لأجهزتنا الاستخباراتية".
وأضاف البيان أنّه "بعد اكتمال المعلومات الاستخباراتية من خلال التتبع والمراقبة لهذه الشحنة العسكرية منذ بداية تنزيل المدرعات من السفينة حتى وصولها إلى المخازن، تدخل سلاح الجو التابع للجيش الليبي، وقام بتدمير هذه المدرعات بدقة عالية، في نفس يوم وصولها وقبل خروجها من مخازنها لمنع استخدامها في أعمال عدوانية تهدد أمن وسلامة البلاد والعباد"، مشيراً إلى أنّ "هذا الاستهداف نتج عنه انفجارات هائلة متتالية، نتيجة تخزين أسلحة وذخائر وصواريخ فيها، إلى جانب المدرعات".
وسارع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق،للتأكيد على أن القصف استهدف المخازن الرئيسية لجهاز تطوير المراكز الإدارية.وأضاف المجلس الرئاسي في بيان له أن هذا العمل الإرهابي يضاف إلى سلسلة من الاعتداءات الإرهابية على المطارات والمستشفيات والمدارس والمقار الحكومية والممتلكات العامة والخاصة.وطالب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بعثة الأمم المتحدة في ليبيا أن تتحمل مسؤولياتها في دعوة مجلس الأمن الدولي لتفعيل قراراته واتخاذ موقف حازم ورادع تجاه قوات الجيش.
بيان المجلس الرئاسي سرعان ما فنده عضو المؤتمر الوطني العام – المنتهية ولايته – عن حزب العدالة والبناء محمود عبدالعزيز الورفلي،باعترافه أن ماتم قصفه من قبل طائرات سلاح الجو التابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة في مدينة مصراتة مخازن ذخيرة.حيث أبدى الورفلي استغرابه من إمكانية سلاح الجو الليبي من استهداف مخازن ذخيرة في مصراتة قائلا :"إنه أمر خطير".".
وأضاف الورفلي خلال مداخلة على قناة التناصح التابعة لتيار الإسلام السياسي أن صور تسجيل الاعتداء على منطقة الرويسات في مصراتة خرجت في وسائل الإعلام المؤيدة لعملية الكرامة والقوات المسلحة بعد 6 دقائق فقط من الغارة.موضحا أن هذا الأمر يعني أن من أعطى الإحداثيات وصور الغارة جهز نفسه وينتظرها، وهو موجود بالقرب من مكان القصف.وتابع بالقول :"كنت اليوم أتوقع أن تخرج مظاهرات مليونية في الزاوية وطرابلس وغريان ومصراتة للتنديد بهذه الغارة لكن للأسف الشديد لم يحدث هذا الشيء ما يعني أن التعبئة لدينا معدومة".
اعتراف الورفلي بأن ماتم قصفه من قبل طائرات سلاح الجو التابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة في مدينة مصراتة هو مخازن ذخيرة، أيده أيضا مفتي ليبيا المعزول من قبل مجلس النواب الليبي، الصادق الغرياني،الذي قال ان استهداف مخازن الذخيرة في مصراتة جاء بعد التنسيق مع أجهزة الإستخبارات الدولية منها الموساد الإسرائيلي على حد زعمه.
وتصف أوساط ليبية الغرياني بـ"مفتي الإرهاب" بسبب آرائه الدينية المتشددة، وفتاويه التي تحرض على القتل في البلد المنقسم منذ العام 2011.وأصدر الغرياني فتاوى داعمة للجماعات المتطرفة، وأباح اقتحام تنظيمي "القاعدة" و"داعش" للمدن الليبية، الأمر الذي تسبب في خلعه من منصبه، وبعدها سافر إلى تركيا وأقام هناك، مطلًا كل أسبوع على الليبيين بفتاوى ودعوات تحريضية تخص الشأن الليبي.
الارتباك في تصريحات المسؤولين في حكومة الوفاق وحلفائها من تيار الاسلام السياسي تواصلت، فرئيس مجلس الدولة خالد المشري،وفي لقاء تلفزيوني عبر قناة تونسية، أثناء زيارة غير رسمية له،نفى وبشدة تلقي حكومة الوفاق دعما بالأسلحة من قطر أو تركيا، قائلا:  "لا توجد حاجة واحدة ولا رصاصة واحدة آتية من قطر أو تركيا.
وتتنافي تصريحات المشري هذه مع تصريحات أخرى له لصحيفة الإندبندنت البريطانية شهر أيار/ مايو الماضي،حين تفاخر بأن "حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة حصلت على طائرات بدون طيار وعدلتها لمواجهة التأثير المدمر لطائرات السيد حفتر الحربية والمراقبة الجوية".دون أن يشير الى أن هذه الطائرات تسفك دماء الليبيين.
كما يتنافى مع اعتراف رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج،في يوليو الماضي بتلقيه دعما عسكريا من تركيا خلال المعارك في طرابلس، مؤكدا أن حكومته في حالة دفاع عن شرعيتها.بحسب قوله.وجاء اعتراف السراج حينها مكملا لتصريحات أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمام العالم كله، بأن بلاده باعت أسلحة ومعدات عسكرية لحكومة الوفاق.وأوضح أردوغان، في يوليو الماضي، في مؤتمر صحفي، أنه تم بالفعل تقديم مساعدات عسكرية لحكومة الوفاق، بعد أن ظهرت صور الشهر قبل الماضي توضح أن العشرات من العربات التركية المدرعة "كيربي" تم تسليمها إلى قوات الوفاق.
وسبق للجيش أن اعتقل عناصر تركية كانت تقاتل إلى جانب الميليشيات، وذلك في تطور لافت يؤكد مدى تورط حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إطالة أمد الأزمة الليبية.وأكد اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي، في تصريحات سابقة، أن "عناصر غير ليبية تقاتل إلى جانب الوفاق، وإرهابيين تم نقلهم من مدينتي زوارة ومصراتة إلى طرابلس".
وفي سياق متصل،تزايدت الدعوات من مسؤولين في حكوم الوفاق وتيار الاسلام السياسي بضرور التدخل الدولي ضد الجيش الليبي.حيث طالب حزب العدالة والبناء،الذراع السياسي لجماعة "الاخوان" في ليبيا بعثة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتدخل العاجل،داعيا  القوى الوطنية إلى التوحد والعمل سويا لمواجهة ما وصفه "العدوان".فيما حثت حكومة السراج بعثة الأمم المتحدة في ليبيا على تحمل مسؤولياتها في دعوة مجلس الأمن الدولي إلى تفعيل قراراته، واتخاذ موقف حازم ورادع تجاه الجيش الوطني.
ومن جهة أخرى،طالب عضو المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، وزير التعليم بحكومة الوفاق، محمد عماري زايد،خلال لقاء جمعه مع سفير إيطاليا لدى ليبيا جوزيبي بوتشينو، أمس الأربعاء، إيطاليا بالتدخل والعمل على ضرورة توسيع دائرة المشاركة في مؤتمر برلين المرتقب بشأن ليبيا لتشمل الدول الداعمة لحكومة الوفاق، في إشارة إلى تركيا وقطر.
وتأتي مطالبة زايد، بعد أنباء عن نية الدول الكبرى إقصاء قطر وتركيا من مؤتمر برلين المزمع عقده بشأن الأزمة الليبية، وهو ما تسبب في مخاوف حكومة الوفاق بالنظر إلى الدور الذي تلعبه الدوحة وأنقرة في دعم حكومته والقوات التابعة لها.واتهم زايد خلال اللقاء روسيا بمفاقمة الأزمة وإطالة الحرب في ليبيا من خلال الدعم الاستخباراتي والعسكري الذي تقدمه لقوات الجيش الليبي، مؤكدا موقف حكومة الوفاق الثابت في الدفاع عن العاصمة ومدنية الدولة، وفق تعبيره.
ويأتي ذلك في وقت تمكن فيه الجيش الوطني الليبي من إسقاط طائرة إيطالية في مدينة ترهونة، في خطوة اعتبرها مراقبون دليلا على مساندة روما للميليشيات.وأعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية،الخميس، إسقاط طائرة بدون طيار إيطالية في منطقة للعمليات العسكرية غربي البلاد، مطالبة إيطاليا بتقديم شرح رسمي بشأن دخول الطائرة الأجواء الليبية
وقال الناطق الرسمي باسم القائد العام للجيش الليبي اللواء أحمد المسماري، في بيان صحفي،إن "القيادة العامة للجيش الليبي لا تزال تنتظر من إيطاليا تقديم شرح رسمي لماذا دخلت هذه الطائرة بدون طيار المجال الجوي العسكري".وأشار المسماري إلى أن الدفاعات الجوية التابعة للقوات المسلحة العربية الليبية أسقطت هذه الطائرة.
ومن جهته، أكد عضو مجلس النواب الليبي علي السعيدي القايدي في تصريح لوكالة "سبوتنيك الروسية،أن الجيش الوطني الليبي، قد استهدف طائرة إيطالية بدون طيار في مدينة ترهونة، مطالبا السلطات الإيطالية باحترام السيادة الوطنية والقوانين الدولية.وقال القايدي، "أستنكر وبشدة الطيران فوق الأجواء الليبية دون علم السلطات الليبية المتمثلة في قيادة الجيش الليبي، خاصة أن المنطقة الغربية تعتبر منطقة عسكرية"، مضيفا "ليبيا قبل عام 2019 غير ليبيا اليوم"، قائلاً بأن "قوات الجيش الوطني الليبي أستهدفت طائرة أيطالية دون طيار وقامت بإسقاطها قرب مدينة ترهونة غربي البلاد".
وأكد القايدي أن "نسبة 95 بالمئة من الأجواء الليبية تحت سيطرة السلاح الجوي الليبي وعلى إيطاليا أن تعلم أن السلاح الجوي الليبي  قادر على حماية أجواءه، وكذلك حماية شعبه"، مؤكداً أن "دفاعات السلاح الجوي الليبي قادرة على أي انتهاكات  للأجواء الليبية".وطالب عضو مجلس النواب الليبي، "باحترام السيادة الوطنية الليبية ومن اليوم على السلطات الإيطالية احترام السيادة الوطنية والقوانين الدولية ليبيا دولة ذات سيادة".
وتتكشف يوما بعد يوم تفاصيل تورط عدد من الدول بشكل مباشر في الحرب إلى جانب الميليشيات، ما يشكل تحديا ليس فقط لليبيين، ولكن أيضا لرغبة المجتمع الدولي الذي يحاول إيجاد حل للأزمة العاصفة بالبلاد.ويرى مراقبون أن الجيش الليبي يسابق الزمن من أجل حسم المعارك في العاصمة الليبية والذي سيكون بداية الانطلاق نحو اعادة بناء الدولة وقطع الطريق أمام محاولات تيار الاسلام السياسي استغلال الدعوات لايقاف اطلاق النار من أجل اعادة التموضع اعطا الفرصة لمزيد من الدعم من الدول المتحالفة معه.