قال تقرير صادر في القاهرة اليوم الاثنين إن الصراع الأخیر في لیبیا، بین الجيش الليبي و الجماعات الإسلامية و الميلشيات التكفيريّة المسلحة عن تحول لیبیا إلى بؤرة توتر لدول المجاورة لھا في منطقة شمال أفریقیا، مع احتمال استمرار ھذا الصراع لفترة طويلة، وفي ظل دعم دول إقليمية وبينها ليبيا لتنظيمات تكفيرية مسلحة تمارس أنشطتها الإجرامية خارج حدود ليبيا.

عملیة فجر لیبیا جعلت عدة دول تتشارك في تصور ما بأن لیبیا أصبحت قضیة تھدد الأمن الوطني والإقلیمي في ھذه المنطقة سواء من حیث تحولھا لمصدر للسلاح الذي یتم تھریبه عبر الحدود أو لمحطة تھریب

وبحسب التقرير الصادر عن المركز الإقليمي للدراسات، فإن اھتمام الدول المجاورة للیبیا بما یجري فیھا لم يرجع فقط إلى حالة عدم الاستقرار التي تشھدھا أخيراً بسبب الصراع بین قوات حفتر والقوى المدعومة من التیارات الإسلامیة، في إطار ما یعرف بعملیة "فجر لیبیا" والتي بدأ تنفیذھا في 12 یولیو (تموز) 2014، وإنما إلى مرحلة سقوط حكم الرئیس السابق معمر القذافي. إذ كان لھذه الدول تفضیلاتھا حول مستقبل الدولة في لیبیا.

ليبيا مصدر تهديد
ویرتبط التحول الذي أحدثته عملیة "فجر لیبیا" بجعل ھذه الدول تتشارك في تصور ما بأن لیبیا أصبحت "قضیة" تھدد الأمن الوطني والإقلیمي في ھذه المنطقة، سواء من حیث تحولھا لمصدر للسلاح الذي یتم تھریبه عبر الحدود، أو لمحطة تھریب.

ورغم تشارك ھذه الدول في ھذا التصور، إلا أنھا تختلف حول آلیات التعامل معه. فمن ناحیة، تتبنى كل من تونس والمغرب موقفاً حذراً من الوضع في لیبیا، لأسباب خاصة بالتركیبة السیاسیة للحكم فیھما، فضلاً عن وجود عمالة لیبیة من غیر المعروف توجھاتھا السیاسیة.

وأشار وزیر الخارجیة التونسي منجي الحامدي إلى أنه منذ تدھور الأوضاع الأمنیة في لیبیا بعد بدء عملیة "فجر لیبیا"، بدأ یتوافد على تونس یومياً ما بین 5000 و6000 لیبي عبر الحدود البریة، كما شھدت تونس ھجمات استھدفت مقار تابعة للجیش التونسي في جبل الشعانبي، في 22 یولیو (تموز) 2014، أطلق علیھا منفذوھا اسم "فجر القیروان"، وھو ما دفع الكثیر من المحللین إلى الربط بینھا وبین عملیة "فجر لیبیا".

ولعل ھذا یفسر تمسك ھاتین الدولتین بأھمیة الحل السیاسي للصراع في لیبیا بین حفتر والمناوئین له منذ بدایة الصراع بینھما في مایو (أيار) 2014، حین أعلن حفتر عن عملیة "الكرامة"، حیث دعا الرئیس التونسي المنصف المرزوقي، في 18 مایو (أيار) 2014، كل الفرقاء لحوار وطني یحفظ إرادة الشعب اللیبي، ویقوده إلى إنجاز أھدافه في الأمن والاستقرار والتنمیة والدیمقراطیة، وھو موقف مغایر لحركة "النھضة" الإسلامیة التي أدانت ما وصفته بـ"المحاولة الانقلابیة" التي حدثت في لیبیا ورفضت استعمال السلاح للتعبیر عن الرأى.

وأكد كل من العاھل المغربي محمد السادس والرئیس التونسي المنصف المرزوقي، في بیان مشترك، في بداية یونیو (حزيران) 2014، على دعمھما لإجراء حوار وطني یجمع مختلف الأطیاف السیاسیة اللیبیة، من أجل إیجاد حل سیاسي.

حل توافقي للأزمة في لیبیا
ومن ناحیة ثانیة، تھتم كل من مصر والجزائر بعملیة تأمین الحدود المشتركة مع لیبیا، على نحو یضمن ضبط تحركات الجماعات المسلحة ویحول دون انتقالھا إلى الداخل، حیث قررت مصر، خلال فترات محددة، إغلاق منفذ السلوم، كما قررت الجزائر غلق حدودھا البریة مع لیبیا وتشدید المراقبة على المعبرین الحدودیین "الكوم" و"الدبداب" لمنع أیة عملیات تسلل أو دخول غیر شرعي.

وأكد وزیر الشئون الخارجیة الجزائرى رمطان لعمامرة، في 30 یولیو (تموز) 2014، على أن الجزائر تجري "مشاورات مع دول الجوار الأخرى، من أجل توحید الجھود لمساعدة الدولة والقوى الوطنیة على تغلیب المصلحة العلیا للشعب اللیبي".

تأثیران رئیسیان
وبحسب التقرير فإن استمرار الصراع الليبي سينتج عدداً من التداعیات منها؛ تزاید أھمیة لیبیا كبؤرة للصراع على النفوذ بین القوى الرئیسیة في الإقلیم، إذ تكشف الأزمة الأخیرة في لیبیا عن أن الصراع الدائر بین قطر وتركیا وجماعة الإخوان المسلمین من ناحیة، وبین مصر ودول الخلیج الداعمة لھا من ناحیة أخرى له أصدائھا في لیبیا.

فعلى سبیل المثال، منح الجیش الوطني الذي یقوده اللواء المتقاعد خلیفة حفتر، الرعایا القطریین والأتراك، في یونیو (حزيران) 2014، مھلة 48 ساعة لمغادرة شرق لیبیا المضطرب، وصرح الناطق باسم قوات حفتر بأن "الجیش الوطني یقاتل المخابرات القطریة والتركیة، لنقلھما أسلحة ومقاتلین من تنظیم داعش الإرھابي إلى الأراضي اللیبیة". كما أشار رئیس الحكومة اللیبیة السابق محمود جبریل، في حوار مع جریدة "الحیاة" اللندنیة، إلى أن قطر ساعدت الثورة اللیبیة وأن تیار الإسلام السیاسي كان حلیفھا الأول، وروى سلسلة من الوقائع التي تؤكد من وجھة نظره، على أن الدوحة سعت منذ البدایة إلى تنصیب الأمیر السابق للجماعة الإسلامیة المقاتلة.

عبد الحكیم بلحاج
وینصرف الثاني، إلى تحول مكافحة الإرھاب إلى قضیة أكثر إلحاحاً في منطقة شمال أفریقیا على نحو قد یستدعي زیادة التنسیق بین كل من مصر والجزائر، أو لعبھما دور إقلیمي مشترك في ھذه المنطقة، لا سیما وأن الجزائر تعمل على طرح نفسھا على أنھا الدولة التي تقود مكافحة الإرھاب في ھذه المنطقة، وتحظى بدعم غربي ما، وذلك بالنظر إلى خبرتھا في ھذا المجال.

ویرجع ذلك إلى تنامي نشاط التنظیمات الإرھابیة في لیبیا، حیث سیطر تنظیم "أنصار الشریعة"، في 3 أغسطس (آب) 2014، على مدینتین رئیسیتین في شرق لیبیا، ھما بنغازي ودرنة، ويتشابه التنظيم في ممارساته مع "داعش"، فعلى سبیل المثال، ووفق ما نقلت جریدة "الشرق الأوسط" شوھد سفیان بن جومة وعدد من أنصاره وھم یقطعون رؤوس خصومھم ویمثلون بجثثهم.

وتوقع التقرير استمرار تأثیرات القضیة اللیبیة على الوضع الأمني في شمال أفریقیا، لفترة من الزمن، حتى إذا ما انتھت عملیة "فجر لیبیا"، وھو ما یتطلب من الدول المجاورة تطویر آلیات تسمح بالتعایش فترة من الزمن مع ھذا الوضع، وفي الوقت ذاته، تجنب تطوره.

 

*نقلا عن "24" الإماراتي