برينر، إيطاليا- انتظرت الأسرة السورية على رصيف المحطة تحت جنح الظلام. وبمجرد ما أوشك القطار المتوجه إلى ألمانيا على المغادرة حتى تسلل أفراد العائلة عبر الأبواب، مستغلين هذه الفترة من الليل ليتمكنوا من تفادي دوريات الشرطة الايطالية.
يبقى السؤال المطروح هو مدى نجاحهم في بلوغ أهدافهم. وما أن يصلوا الحدود الجبلية بالنمسا، تلقي الشرطة القبض على العشرات منهم ممن حاولوا العبور لمرات عديدة قبل إعادة ترحيلهم إلى إيطاليا. ومع ذلك سيعيد معظمهم الكرة مرة أخرى.
يصور هذا الوضع بشكل مصغر سياسة الهجرة لدى دول الاتحاد الأوروبي، حيث هناك خليط من القوانين ومستويات عدة من التسامح مع الباحثين عن اللجوء وعن آفاق اقتصادية جديدة، قوانين تشجع المهاجرين على التدافع للوصول إلى أكثر البلدان تسامحا وضيافة.
والنتيجة هي تزايد التوتر بين الجيران في جميع أنحاء القارة، كما يحدث عندما يحاول مهاجرون التسلل على متن شاحنات في كاليه بفرنسا للعبور نحو المملكة المتحدة أو عندما ترسل ألمانيا شرطتها إلى الحدود الصربية، في محاولة لوقف تسلل المهاجرين إلى أراضيها.
البعض في إيطاليا يشعر بأن هذه الدول لا تقوم بما فيه الكفاية لمعالجة المشكلة، "نبذل قصارى جهدنا... لكن المهاجرين يتمكنون من التسلل على أية حال"، يقول جيوفاني بينتو، رئيس مكتب الهجرة ومراقبة الحدود بوزارة الداخلية الإيطالية.
لقد تضاعف عدد الوافدين هذا العام ليصل 102 ألف مهاجرا حطوا الرحال باليونان وإيطاليا عبر البحر. كما تم تسجيل مئات الوفيات في عرض البحر الأبيض المتوسط، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى التفكير والبحث عن حلول لهذه المشكلة، رغم أن التقدم في هذا الاتجاه ظل محدودا حتى حدود الساعة.
قال مسؤولون في الاتحاد الأوروبي الاثنين الماضي إن الدول الأوروبية تماطل في الحسم في أي قرار بشأن خطة توزيع المهاجرين إلى ما بعد فصل الصيف، وذلك وسط خلافات حول طريقة وحجم هذا التوزيع.
والجدير بالتذكير أن إيطاليا واليونان هي أكثر الدول المستقبلة للهجرة غير الشرعية بنسبة تقارب 80٪ من مجموع الوافدين على مجموع الدول الأوروبية، وفقا لبيانات الاتحاد نفسه. ومع ذلك، فإن معظم المهاجرين الأفارقة والشرق أوسطيين يخططون للتوجه إلى شمال القارة بمجرد وصولهم إلى أوروبا، بحسب ما أفاد به مسؤولون حكوميون ومنظمات الإغاثة الدولية.
إلا أن ثلث الوافدين (من بين 170 ألف) الذين حطوا بإيطاليا العام الماضي فقط هم من قدموا طلبات الحصول على اللجوء هناك، يقول مسؤولو منظمات الإغاثة والاتحاد الأوروبي. في حين تلقت السويد وألمانيا نصف طلبات اللجوء (600 ألف) التي توصلت بها دول الاتحاد الأوروبي في 2014.
ينص قانون الاتحاد الأوروبي على أخذ بصمات جميع المهاجرين فور وصولهم وقبل طلب الحصول على اللجوء في المكان الذي وصلوا إليه. وفي حالة تنقلهم إلى بلد آخر بعد أخذ بصماتهم، فينبغي إعادة ترحيلهم إلى بلد وصولهم.
لكن أعدادا كبيرة من المهاجرين الذين يصلون إلى إيطاليا لا يخضعون لعمليات التسجيل ويسافرون إلى دول الشمال دون عوائق. ولذلك تضغط ألمانيا على الإيطاليين ليجتهدوا أكثر في عمليات تسجيل وأخذ بصمات الوافدين الجدد.
وبالمقابل يقول مسؤولون إيطاليون إن الأعداد الهائلة للوافدين عليها تجعل عملية تسجيلهم أمرا مستحيلا، لكنهم يقولون إنهم كثفوا جهودهم بعد دعوات السلطات الألمانية.
ويبقى قانون الاتحاد الأوروبي غير واضح بشأن تمكين الشرطة من إجبار المهاجرين على قبول أخذ بصماتهم، وبمجرد ما يأخذ المهاجرون طريقهم وسط إيطاليا، يُنصحون بعدم حمل بطائق هوياتهم ليسمح لهم بالمغادرة. لكن بلدانا أوروبية أخرى "تفرض [مراقبة أكثر صرامة] لأنها تريد الابتعاد عن المشاكل"، يقول بينتو.
يقول السنغالي عمر، 26 عاما، الذي رفض الكشف عن اسمه العائلي، إنه وصل على متن قارب من ليبيا وأمضى سنة في مركز للاستقبال في صقلية قبل أن يتوجه الى ألمانيا. لقد تفادى مراقبة الشرطة عن طريق التنقل بالحافلات العمومية والسفر ليلا إلى أن وصل إلى مدينة ميلان، الملجأ الرئيسي للمهاجرين المتجهين شمالا.
ومن هناك، كان يأمل عمر في العثور على فرصة للسفر عبر قطار متجهه إلى ميونيخ. علما أن الشرطة الإيطالية أوقفته في محاولتين سابقتين. لكن في المحاولة الثالثة، قال إنه وصل إلى وجهته، حيث يعيش الآن في مركز بضواحي ميونيخ ويعتزم تقديم طلب للجوء. "آمل حقا أن أحصل على حق اللجوء هنا"، يقول عمر. "وإلا فلست أدري إلى أين سأذهب."
لقد انضمت إيطاليا إلى ألمانيا والنمسا للمشاركة في تكثيف الجهود لنشر دوريات المراقبة على الحدود المشتركة التي تشكل ممرات يعبر منها المهاجرون. لكن عناصر الشرطة الايطالية العاملة على طول الحدود النمساوية تقول أنها تشعر بأنها تُستغل من قبل نظيراتها الألمانية والنمساوية.
"هناك شيء ما يعوق تأديتنا لهذه المهمة بالشكل الصحيح"، يقول ماريو دريو، وهو ضابط شرطة إيطالي يقود فريقا لدوريات المراقبة في محيط مدينة ببرينر.
حتى عندما يتم القبض على المهاجرين في شمال أوروبا، يكون من الصعب إعادتهم من حيث أتوا. قال مهاجر سوري (34 عاما) إنه تخلص من تذكرة القطار قبيل الوصول إلى مدينة انسبروك، حتى لا تتمكن الشرطة النمساوية من معرفة البلد الذي قدم منه مخافة أن تعيده إليه. أقصى ما يمكن أن تقوم به الشرطة لا يتعدى تغريمه عن عدم توفره على تذكرة السفر. كما قال أنه تمكن في نهاية المطاف من البقاء ومن ثم سُمح له بتقديم طلب الحصول على حق اللجوء في النمسا.
عندما تصدر أوامر السلطات بإعادة ترحيل المهاجرين إلى جنوب أوروبا، فإن هذه العملية لا تتم إلا بنسبة ضعيفة لا تتجاوز 15٪، كما حصل في السنة الماضية عندما طلبت ألمانيا ترحيل 35 ألف مهاجر إلى دول أوروبية قدموا منها، ويرجع تدني هذه النسبة لأسباب قانونية وإدارية.
في أبريل نيسان الماضي، شرعت الشرطة الفرنسية في نشر دوريات مراقبة منتظمة في محطات القطارات الإيطالية على طول حدودها مع إيطاليا. وهو ما أدى إلى ارتفاع عدد طلبات إعادة ترحيل المهاجرين إلى إيطاليا ليصل 2500 طلب هذا العام، ما يعادل ثلاثة أضعاف ما تم تسجيله السنة الماضية (2014).
وغالبا ما تقوم الشرطة الفرنسية بترحيل المهاجرين على الحدود مع مدينة فينتيميل الإيطالية. لكن الإيطاليين لم يتمكنوا من استقبال سوى ثلث هؤلاء العائدين، فيما عادة ما تطلق الشرطة الفرنسية المهاجرين الآخرين على الحدود وتطلب منهم العودة إلى إيطاليا سيرا على الأقدام، وذلك حسب ما صرح به ستيفانو كافالري، رئيس اتحاد الشرطة المحلية.
وأضاف بأن المهاجرين ينامون في محطة القطار أو في المتنزهات المحلية ليعاودوا الكرة في اليوم الموالي.
في برينر، يظهر الإحباط واضحا على عناصر الشرطة الإيطالية. "كل هذه الإجراءات لا معنى لها"، يقول دريو، ويضيف، "نحاول حل مشكلة إنسانية، لكن بطرق بوليسية".