يبدو أن الجامعة العربية إختارت الصمت إزاء الإنتهاك التركي لسيادة ليبيا وتورط حكومة فائز السراج في بيع بلادها للأجنبي وتهديد الأمن القومي العربي بشكل معلن 

ورغم الرسائل التي تلقتها الجامعة من مجلس النواب الليبي المنتخب ومن وزارة الخارجية للحكومة المؤقتة المنبثقة عنه ، إلا أنها لم تدع الى أي إجتماع سواء في مستوى وزراء الخارجية العرب أو المندوبين العامين لدراسة الوضع وإتخاذ الموقف المناسب منه ، كتصعيد الأمر لمجلس الأمن الدولي بإعتبار التدخل التركي المباشر تعديا على القرارات الأممية بخصوص الوضع في ليبيا وتهديدا للأمن والإستقرار الإقليميين 

وكان البرلمان الليبي قد طلب من الجامعة سحب إعترافها بحكومة السراج غير الشرعية ، والتي لم تحظ بثقة مجلس النواب ، والتصدي للتدخل التركي في الصراع الليبي الليبي دعما للميلشيات والجماعات الإرهابية ضد الجيش الوطني الليبي 

أدى صمت الجامعة العربية الى خيبة أمل لدى الليبيين الذين كانوا يراهنون على موقف أشقائهم في مواجهة مشروغ أردوغان لفرض الوصاية على بلادهم التي تعيش منذ 2011 أزمة متفاقمة كان للجامعة دور كبير فيها عندما تدخلت بكل قوتها لتبني موقف المتمردين في إطار أحداث 17 فبراير ، عندما كان الأمين العام الأسبق عمرو موسى مندفعا لتنفيذ أجندات قطر وحلفائها وقوى الإسلام السياسي في المنطقة المرتبطة بذلك المشروع الذي رفض الأمين العام الحالي أحمد أبوالغيط تسميته بالربيع العربي 

ففي  23 فبراير 2011 عندما كانت الأحداث في شرق ليبيا في بدايتها ولم تتحد بعد صورة الواقفين وراءها ،قرر مجلس الجامعة العربية في ختام اجتماع عقده على مستوى المندوبين الدائمين في القاهرة تعليق مشاركة ليبيا في اجتماعات الجامعة وجميع مؤسساتها احتجاجا على ما وصفته باستخدام العنف ضد المتظاهرين الليبيين، واوصى وزراء الخارجية العرب بدراسة تعليق عضويتها في الجامعة العربية.

وقال المجلس في بيان انه "قرر وقف مشاركة وفود حكومة الجماهيرية العربية الليبية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة إلى حين إقدام السلطات الليبية على الاستجابة" لمطالب المجلس بوقف العنف "وبما يضمن تحقيق أمن الشعب الليبي واستقراره". 

واوصى  مجلس الجامعة، بحسب البيان، وزراء الخارجية العرب بان يبحثوا في اجتماعهم المقبل في الثالث من مارس في القاهرة تجميد عضوية ليبيا في الجامعة داعيا اياهم "للنظر في مدى التزام الجماهيرية الليبية بأحكام ميثاق الجامعة العربية طبقا للمواد المتعلقة بالعضوية والتزاماتها".

و"ندد" البيان بما أسماها "الجرائم المرتكبه ضد التظاهرات والاحتجاجات الشعبية السلمية الجارية في العديد من المدن الليبية والعاصمة طرابلس والتي تتناقل اخبارها وكالات الانباء الدولية والعربية والتعبير عن استنكاره الشديد لاعمال العنف ضد المدنيين والتي لا يمكن قبولها او تبريرها وبصفة خاصة تجنيد مرتزقة اجانب واستخدام الرصاص الحي والاسلحة الثقيلة وغيرها في مواجهة المتظاهرين والتي تشكل انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان والقانون الانساني الدولي".

وقالت الجامعة العربية في 12 مارس 2011 إنها دعت الأمم المتحدة لفرض منطقة لحظر الطيران فوق ليبيا. وقال عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية آنذاك في مؤتمر صحفي عقب اجتماع لوزراء الخارجية العرب إن الجامعة طلبت رسميا من مجلس الأمن فرض منطقة لحظر الطيران في مواجهة أي عمل عسكري ضد الشعب الليبي. كما طلب الوزراء العرب "إقامة مناطق آمنة في الأماكن المتعرضة للقصف كإجراءات وقائية تسمح بتوفير الحماية لأبناء الشعب الليبي والمقيمين في ليبيا من مختلف الجنسيات مع مراعاة السيادة والسلامة الإقليمية لدول الجوار"

واعتبر مجلس الجامعة أن "جرائم وانتهاكات السلطات الليبية تفقدها الشرعية". وقرر الوزراء "التعاون والتواصل مع المجلس الوطني الانتقالي الليبي وتوفير الدعم العاجل والمستمر للشعب الليبي وتوفير الحماية اللازمة له إزاء ما يتعرض له من انتهاكات جسيمة وجرائم خطيرة من جانب السلطات الليبية الأمر الذي يفقدها الشرعية". وأكد عمرو موسى أن الاتصالات مع المجلس الوطني الليبي ستشمل اتصالات بشأن المساعدات الإنسانية.و قال الامين العام للجامعة العربية ان القرار الصادر ب"التعاون والتواصل" مع المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا "هو اعتراف" به عمليا.

وأشار المجلس الوزاري للجامعة العربية الى قراره السابق الذي اكد فيه "رفضه كافة أشكال التدخل الاجنبي في ليبيا", غير انه شدد على ان "عدم اتخاذ الاجراءات اللازمة لانهاء هذه الازمة سيؤدي الى التدخل الاجنبي في الشؤون الداخلية الليبية". وجدد الوزراء "الدعوة الى الدول الاعضاء (في الجامعة) والدول الصديقة والمنظمات الدولية وهيئات المجتمع المدني العربية والدولية الى تقديم المساعدات الانسانية العاجلة للشعب الليبي ومساندته في هذه الفترة الحرجة".

وأكد الوزراء في مقدمة قرارهم "ضرورة احترام القانون الدولي الانساني ووقف الجرائم تجاه الشعب الليبي وانهاء القتال وسحب قوات السلطات الليبية من المدن والمناطق التي دخلتها عنوة وضمان حق الشعب الليبي في تحقيق مطالبه وبناء مستقبله ومؤسساته في إطار ديموقراطي".

كان تلك  المواقف الصادر عن الجامعة العربية دافعا لمجلس الأمن لإصدار قراراته ضد الدولة الليبية ، فبعد إجتماع المندوبين بالجامعة في 23 فبراير2011 ، بثلاثة أيام اصدر مجلس الامن الدولي في جلسة خاصة عقدها في مقر الامم المتحدة بنيويورك قراره رقم 1970  بفرض عقوبات على معمر القذافي منها منعه من السفر هو واسرته وعشرة من اقرب مساعديه، وتجميد ارصدته مع خمسة من افراد اسرته.

كما وافق المجلس، في قرار حصل على موافقة اجماعية من الدول الاعضاء بالمجلس، وعددها 15 منها الدول دائمة العضوية، احالة ليبيا الى محكمة العدل الدولية للتحقيق فيما قيل عن وقوع جرائم ضد الانسانية، اضافة الى حظر استيراد السلاح.

ربعد بيان وزراء الخارجية العرب ، تبنى مجلس الأمن الدولي في 18 مارس 2011 -بأغلبية كبيرة- القرار رقم 1973 الذي يقضي بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، واتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لحماية المدنيين.

وفيما يلي أهم ما تضمنه القرار:

- حظر القرار كل رحلات الطيران فوق الأجواء الليبية بهدف حماية المدنيين، على أن تستثنى رحلات الإمدادات الإنسانية.

- مطالبة كل الدول الأعضاء بعدم السماح لأي طائرة ليبية -بما في ذلك الرحلات التجارية- بالهبوط أو الإقلاع من أراضيها.

- دعوة كل الدول الأعضاء إلى "اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية" لحماية المدنيين والمناطق السكنية التي تواجه تهديدا في ليبيا بما في ذلك بنغازي، في الوقت الذي يستبعد فيه القرار إرسال قوة احتلال بأي شكل على أي جزء من الأراضي الليبية.

لقد واضحا أنذاك أن دور الجامعة العربية كان حاسما بالدفع بليبيا الى النفق المظلم عندما كانت خاضعة للقطريين ، ومندمجة في مشروع ما سمي بالربيع العربي ، وتتخذ قراراتها ومواقفها في إطار حمي الثورات التي أصابت المنطقة تحت تأثير الضغط الإعلامي الموجه،  وفي 25 أغسطس 2011 قررت الجامعة منح مقعد ليبيا الى المجلس الإنتقالي الذي تبين لاحقا أنه كان خاضعا لسلطة الإسلاميين وأمراء الحرب 

منذ ذلك التاريخ أثبتت الجامعة العربية فشلها في تقديم أي حل ناجع للأزمة الليبية ، وأكدت تبعيتها الكاملة للقرارات الدولية غير المدركة لطبيعة الوضع الحقيقي في البلاد المنتهكة ، خصوصا وأن الأمين العام الذي خلف عمرو موسى،  نبيل العربي لم يكن أقل سوءا أو تآمرا عن سلفه عمرو موسى ، بل كان مرتبطا كليا بالأجندة القطرية خدمة لمصالحه دون التفكير في مصالح العرب 

لم تحرك الجامعة العربية ساكنا ضد العدوان التركي على ليبيا رغم إتخذت موقفا ضد التدخل التركي في سوريا  عندما طالب بيانها في 12 أكتوبر 2019 بوقف العدوان التركي على شمال سوريا، وأكد على وحدة أراضي سوريا وحمّل تركيا مسؤولية تداعيات عدوانها. وطالب مجلس الأمن الدولي بالتدخل لوقف العدوان التركي على سوريا.


كما حملت الجامعة العربية في بيانها ذاك، عقب انتهاء الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، تركيا مسؤولية تفشي الإرهاب بعد عدوانها على سوريا.وشدد  على النظر في اتخاذ إجراءات ضد تركيا رداً على عدوانها على سوريا، مشيراً إلى النظر في اتخاذ اجراءات دبلوماسية واقتصادية واستثمارية وسياحية ضد أنقرة.
كان جديرا بالجامعة العربية والدول الأعضاء أن تسارع لمساندة الشعب الليبي الذي أدى التآمر على دولته الى تدميرها في 2011 ، وأدى التخلي عنه الى إستمرار سيطرة الميلشيات على عاصمته ، والعمل على منع عودة الدولة ومؤسساتها من قبل حكومة الوفاق المعادية لتطلعات مجتمعها ، والمرتبطة بتركيا وقطر تنفيذا لإجندات الأخوان التي تستهدف بالأساس الجيش الوطني والرباط الإجتماعي المتمثل في المدن والقبائل الليبية الواقفة ضد بيع بلادها ونهب مقدراتها وإخضاعها لأطماع العثمانيين الجدد