أفادت بيانات حكومية تونسية نشرت الخميس بأن أكثر من 1700 عنصر إرهابي تم إيقافهم خلال الأشهر السبعة من العام الجاري يمثلون أمام القضاء. وقال متحدث باسم الحكومة إثر انعقاد مجلس للوزراء بحضور وزراء الداخلية والدفاع والشؤون الخارجية إن الوضع الأمني شهد تحسنا خلال الأشهر السبعة من العام الجاري وهي فترة تولي حكومة المهدي جمعة المؤقتة للحكم، وأنه استعاد مؤشرات 2011.

لكن مع ذلك أوضح الناطق نضال الورفلي أن التهديدات الإرهابية لا تزال قائمة، مع تحصن الجماعات المسلحة بالمرتفعات والمناطق الجبلية. وأوضح الورفلي أنه جرى خلال الفترة المذكورة إيقاف 1360 عنصرا إرهابيا و367 متورطا في شبكات تسفير لجهاديين بينما مثل أكثر من 1700 عنصر أمام القضاء.

 

استتباب الأمن من أوليات تونس قبل الانتخابات

ويعد استتباب الأمن أولوية مطلقة لحكومة المهدي جمعة التي تستعد لتنظيم انتخابات مفصلية بداية من شهر أكتوبر لتتوج المرحلة الانتقالية منذ 2011 وتمضي بالبلاد إلى وضع المؤسسات الدائمة. ودفعت المؤسسة الأمنية والعسكرية حتى الآن الكلفة الأكبر في سبيل تثبيت الأمن وتحييد الجماعات الإرهابية التي باتت أكثر جرأة وضراوة في توجيه عملياتها.

وكانت أكثر الهجمات دموية في منتصف يوليو الماضي عندما سقط 15 جنديا في هجوم بأسلحة رشاشة وقذائف "آر بي جي"، ما دفع الحكومة الى إطلاق حملة ايقافات واسعة لتعقب العناصر الإرهابية والتكفيرية في البلاد واتخاذ حزمة من القرارات لتطويق مخاطر الإرهاب من بينها إغلاق مساجد منفلتة ووسائل إعلام تحريضية وتعليق أنشطة جمعيات مشبوهة.

وكان المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) في تونس قد شرع خلال هذا الشهر في مناقشة مشروع قانون جديد لـ"مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال" الذي قدمته السلطات إلى المجلس في يناير الماضي. وسيحل القانون الجديد محل قانون "دعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال" الصادر في 10 ديسمبر 2003 في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

وقال حينها النائب عن حزب المسار (يسار وسط)، سمير بالطيب في افتتاح الجلسة العامة المخصصة لمناقشة القانون الجديد إن إحالة القانون على المجلس التأسيسي، "تأخرت أكثر مما ينبغي". وأرجع النائب ذلك إلى "التجاذبات السياسية" التي شهدتها تونس بين حركة النهضة الإسلامية صاحبة أغلبية المقاعد في البرلمان، والمعارضة العلمانية.

ومن جانبها، قالت رئيسة لجنة الحقوق والحريات بالمجلس التأسيسي سعاد عبد الرحيم، في افتتاح الجلسة العامة، إن القانون يحاول إقامة "معادلة" بين الحفاظ على الأمن واحترام حقوق الإنسان.

 

قانون الإرهاب الجديد دون المأمول

وقبل عرضه على المجلس التأسيسي، نوقش مشروع القانون الجديد طوال شهرين داخل لجنتي "الحقوق والحريات" و"التشريع العام" بالمجلس. وأصبحت إعادة تفعيل قانون الإرهاب مطلبا أساسيا نظرا للتهديدات الأمنية الخطيرة التي تواجه البلاد، إلا أن هذا القانون بصيغته الجديدة يبقى وفق البعض دون المأمول.

وقد شهد هذا المشروع، المنتظر أن يصادق عليه نواب المجلس التأسيسي، تجاذبا سياسيا بين من يرى بأن إعادة العمل به هو ضرب للحريات وعودة للدكتاتورية بمفهومها البوليسي فيما يرى البعض الآخر أن الأخطار المحدقة بالبلاد تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة وإن كانت لها انعكاسات سلبية.

ودق الهجوم الإرهابي الذي وقع في 16 يوليو وأدى على سقوط 15 قتيلا في صفوف الجيش التونسي بجبل الشعانبي غرب تونس والذي تتخذ منه عناصر إرهابية مركزا لعملياتها، جرس الخطر، مستعجلا الحكومة ومؤسسات الدولة إلى اتخاذ جملة من الإجراءات الوقائية للتصدي لظاهرة الإرهاب “الغريب” عن البلاد.

وتعالت الأصوات عقب هذا الهجوم غير المسبوق على الجيش منذ تأسيسه منددة بالتراخي و تباطؤ التأسيسي في المصادقة على قانون الإرهاب، وهو ما دفع برئيس المجلس مصطفى بن جعفر إلى التعهد بتمرير قانون الإرهاب في أسرع وقت ممكن.

إلا أنه ورغم حرص معظم الأطراف على تمرير هذا القانون الذي تتهم حركة النهضة الإسلامية التي تهيمن على المجلس التشريعي بتعطيله، وتطالب بالمصادقة عليه، إلا أن عديد الخبراء الأمنيين وجهوا انتقادات كثيرة لهذا المشروع بالنظر للثغرات الموجودة به.

 

ثغرات القانون قد تخدم الإرهاب

ومشروع قانون الإرهاب الجديد جاء على أنقاض القانون القديم الذي أعلن عنه في 2003 تماهيا مع التوجه الدولي لمكافحة الإرهاب.وانتقد الخبير الأمني والباحث الاستراتيجي في شؤون الإرهاب نورالدين النيفر، عدم استعانة الدولة بخبراء مختصين في مجال مكافحة الإرهاب لتفادي الثغرات التي من شأنها أن تخدم مصالح الإرهابيين، وفق تعبيره.

واعتبر المحلل الأمني، في تصريح سابق لـ”أرابسك” أن مشروع قانون الإرهاب الجديد الذي سيعوض قانون 10 ديسمبر 2003 والمتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الجماعات الإرهابية لم يقدم تعريفا واضحا لا لبس فيه للإرهاب بل اكتفى بتحديد الجرائم الإرهابية التي يعاقب عليها القانون التونسي مثل اختطاف الطائرات والبواخر واحتجاز الدبلوماسيين والتعدي على أملاك الدولة، محاولا الانسجام مع الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها تونس وفي نطاق الأمم المتحدة.

من جانبها اعتبرت بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية، أن المشكل يكمن في انطلاق نواب المجلس الوطني التأسيسي من ورقة بيضاء لسن قانون الإرهاب الجديد.

وأوضحت قعلول أن الثغرات الموجودة في قانون الإرهاب الجديد من شأنها أن تدعم عمل الجماعات الإرهابية وتكفل لهم الدعم. وشددت قعلول على أنه ليس من حق هذه الجماعات الإرهابية أن تتمتع بالعفو التشريعي، معتبرة أن تمتعهم بهذا العفو يعتبر تواطؤا وخيانة عظمى ولا يمكن التسامح مع هذه الجماعات.

ولمحت الخبيرة في المجال الأمني إلى وجود تواطؤ مفتعل ومباشر في التعامل مع هذه الجماعات الإرهابية في مشروع القانون الجديد للإرهاب، مؤكدة أن هذه الجماعات تمثل خطرا على أمن البلاد باعتبار أن الأعمال الإرهابية لهذه الجماعات هو إجرام في حق الشعب والبلاد وتهديد لأمنها.

 

تونس تكثف تحركاتها لتطويق الإرهاب

بالتوازي كثفت الحكومة التونسية برئاسة مهدي جمعة من تحركاتها لتطويق ظاهرة الإرهاب التي تهدد البلاد، من خلال إعلانها خلال خلية الأزمة التي انعقدت على جملة من الإجراءات أهمها تكثيف المراقبة للجمعيات المشبوهة بدعمها وتمويلها للإرهاب.

وكانت الحكومة اتخذت، في السابق، قرارا بمراقبة الجمعيات الإسلامية وإغلاق المشبوه فيها إلى حين البتّ في حقيقة تعاملها مع الشبكات الإرهابية.

كما سجل إغلاق العشرات من الجمعيات الإسلامية في عدة ولايات من الجمهورية من بينها نابل والمهدية والمنستير وصفاقس والقيروان وأريانة.ومن بين الخطوات الجديدة مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي وحجب المتورطة في التحريض على العنف والإرهاب.

ويرى المتابعون أن هذه الإجراءات تبقى دون المأمول بالنظر لتمدد خطر التطرف في عدد من ولايات الجمهورية، فضلا عن وجود أطراف سياسية في السلطة يشتبه في دعمها للعناصر المتطرفة.

 

*نقلا عن العرب اللندنية