تعود العلاقات الديبلوماسية التونسية الأمريكية الى ما يقارب من 215 سنة ، اذ أبرمت يوم 26 مارس 1799 أوّل اتّفاقية للصّداقة والتّبادل التّجاري بين تونس والولايات المتّحدة.
وتبعا لذلك وقع بعث أوّل قنصليّة أميركيّة بتونس يوم 20 جانفي 1800 لتلتحق بعدد من البعثات الدبلوماسية الأخرى وخلال شهر سبتمبر 1805، استقبل الرّئيس الأميركي توماس جافرسون مبعوثا خاصّا من تونس، تلاه سنة 1865 إثر نهاية الحرب الأهلية تعيين سفير تونسي لدى الولايات المتّحدة كان محمّلا برسالة صداقة إلى الشّعب الأميركي.
وبينما كانت تونس تجاهد من أجل الاستقلال، أقام زعماء المقاومة علاقات طيّبة مع الولايات المتّحدة. فكانت الولايات المتّحدة يوم 17 ماي 1956 أوّل قوّة عظمى تعترف بسيادة الدّولة التّونسيّة .
وفي شهر مارس 1957 تمّ إمضاء اتّفاق تقدّم بمقتضاه الولايات المتّحدة المساعدة الفنّية و الإقتصاديّة لتونس ومثّل ذلك الإتفاق الأوّل لقائمة طويلة من الإتّفاقيّات.
واذا كانت العلاقات التونسية الأمريكية تعود الى أكثر من قرنين فان أوجها كان قبيل استقلال تونس وتحديدا عقب الحرب العالمية الثانية لتتواصل ويتدعم نسقها سنة بعد أخرى في عهدي الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي اللذين خلقا تقاربا واضحا مع الولايات المتحدة لكنه لم يصل الى درجة الاصطفاف وراءها وحاول الرئيسان الإبقاء على نوع من الاستقلالية الواضحة.
الدكتور خالد عبيد ،أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية ، تحدث الى بوابة إفريقيا الإخبارية عن أهم محطات العلاقات بين الدولتين في عهدي بورقيبة وبن علي وأكد أن "القيادة الوطنية في تونس استوعبت عقب اندلاع الحرب العالمية الثانية أنّ الرهان على الغرب وتحديدا على القوّة الصاعدة فيه والمتنامية وهي الولايات المتحدة الأمريكية أمر أساسي في إستراتيجيتها التحرّرية من ربقة الاستعمار، وقد جسّم ذلك بوضوح الحبيب بورقيبة منذ سنة 1943 وأصبح محاولة استمالة الولايات المتحدة الأمريكية هاجسا لدى القيادة الوطنية وتبديد مخاوفها من أيّ انزلاق نحو المعسكر الشيوعي واجبا ضروريا وطمأنتها أمام الحملة المضادّة التي تقوم بها فرنسا الاستعمارية من خلال تصوير الوطنيين التونسيين بمثابة الطابور الخامس للمعسكر الشرقي، وقد استعان الحبيب بورقيبة بفرحات حشاد كي يتمكّن من اختراق جزئي للساحة الأمريكية وذلك سنتين تقريبا قبل اندلاع ثورة 1952 بتونس، وبعد استقلال تونس، اختارت دولة الاستقلال أن تنخرط ضمن ما يسمّى بـ"العالم الحرّ" أي المعسكر الغربي والعالم يشهد آنذاك فصولا من الحرب الباردة، لكن لا يعني ذلك اصطفافا لامشروطا مع خيارات الغرب والأمريكان تحديدا، بل بالعكس كان ثمّة شعور طاغ نحو المحافظة على استقلالية القرار التونسي في خضمّ التجاذبات العالمية وقد بلغ أوج ذلك من خلال تهديد الحبيب بورقيبة بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1985 إذا مارست حق النقض أي الفيتو تجاه قرار إدانة الكيان الاسرائيلي إثر عدوانه على تونس في ضاحية حمام الشطّ.
تباين
وفي زمن بن علي، تمّ مواصلة ذات التمشّي والذي تجلّى بالخصوص من موقف تونس إزاء حرب الخليج الأولى سنة 1990 – 1991 إذ لم يشأ بن علي أن يصطفّ إلى جانب الأمريكان في حملتهم ضدّ العراق، وبقطع النظر هل كان هذا "الرفض" إن صحّت الكلمة هو لمداراة غالبية التونسيين الرافضين ليّ عدوان على العراق وبالتالي امتصاص غضبهم أم هو لضرورات أخرى لم يتسنّ معرفتها، فإنّ هذا التوجّه يعدّ مواصلة للخطّ الذي اتبعته تونس منذ الاستقلال.
لكن، سيصطفّ بن علي مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية خاصّة في مسألة مقاومة الإرهاب وسيستغلّ ذلك كي يبرّر قبضته الحديدية في تونس ورفضه لأيّ انفتاح أمريكي حتى عندما بات هذا الأمر مطلبا أمريكيا إلى أن ثار التونسيون ضدّه.
غايات الحوار الاستراتيجي
وحول خلفيات وأهداف الحوار الاستراتيجي المطروح من أمريكا على تونس قال دكتور خالد عبيد "أعتقد أنّ ما يسمّى بالحوار الاستراتيجي المطروح اليوم هو تعبير عن رغبة أمريكية في إنجاح الأنموذج التونسي ضمن ما يسمى بلدان الربيع العربي خاصّة أمام "الإخفاقات" من وجهة نظر أمريكية والتي شهدتها عموم هذه البلدان خاصّة في سوريا حيث ارتطمت "الإرادة" الأمريكية بوقائع مغايرة على الأرض، ربّما ستقف أمريكا إلى جانب تونس في هذه المرحلة إذ ترى فيها أرضا ملائمة لتجسيم ما يسمّى عدم تعارض الإسلام مع الديمقراطية وحقوق الإنسان لكن إلى أيّ حدّ سيكون هذا الدعم وهذه الرغبة أيضا في فهم الحالة التونسية؟ هذا يتوقف على قادم الأيام "