تشهد تونس، اليوم الأحد، خاتمة المرحلة الانتقاليّة الخاصة بالانتهاء من استعادة مؤسّسات الدولة لوضعها الطبيعي والدائم. ومع انتخاب رئيس للبلاد، تتجاوز تونس حالة المؤقت على أمل أن يتوفر الحد الأدنى من شروط الاستقرار، ويدخل النظام السياسي الجديد مرحلة الاختبار الفعلي لمعرفة مدى قدرته على احترام أصول المنظومة الديمقراطيّة.

يُحدّد التونسيون مساء اليوم هويّة رئيس الدولة، لكنّ الإعلان عن النتيجة الرسميّة، لن يحصل قبل أربع وعشرين ساعة، لتنطلق تونس بعدها في الاتجاه الصحيح، في ظلّ سياق محلي وإقليمي صعب.

ولتتأمن الانطلاقة السليمة هذه، لا بدّ من حصول خطوات عدّة، أوّلها الاعتراف بنتيجة الاقتراع. وتُعدّ هذه اللحظة الحاسمة في كلّ مسار انتخابي، ولا سيّما أنّ دولاً أفريقية وسواها، شهدت أوقاتاً عصيبة، بسبب رفض المرشح الخاسر النتيجة.

وفي هذا السياق، يتخوّف كثيرون ممّا ستكون عليه ردود الفعل بعد إعلان النتائج، وخصوصاً أنّ الرئيس الحالي المنصف المرزوقي، اعتبر في تصريحات سابقة أنّ منافسه، رئيس حزب "نداء تونس"، الباجي قائد السبسي، "لن ينتصر إلا إذا زُوّرت الانتخابات"، وهي الفرضيّة التي أثارت احتجاج الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، باعتبار أنّ "مجرّد افتراضها بدون دليل، وقبل الشروع في العمليّة الانتخابيّة، من شأنه أن يُشكّل تهديداً مباشراً بنسف المسار الانتقالي برمّته، ويُدخل البلاد في أزمة هيكليّة بدون أفق". ولكن على الرغم من ذلك، تبدو هذه الفرضيّة مستبعدة من قبل شخصيّة أكّدت باستمرار استعدادها لاحترام قواعد اللعبة الديمقراطيّة.

وتتمثّل الخطوة اللاحقة في معرفة هويّة رئيس الحكومة، الذي سيعلن عنه السبسي، باعتباره رئيس الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانيّة. وتُثار التساؤلات في هذا السياق، عمّا إذا سيكون رئيس الحكومة المقبل حزبياً أم سيجري اختياره من بين الشخصيّات المستقلّة والتكنوقراط؟".

ويُحدّد هذا الاختيار ميول قيادة حزب "نداء تونس"، وطموحاته للمرحلة المقبلة، لناحية ما إذا كان ينوي الهيمنة على مختلف المؤسّسات التشريعيّة والتنفيذيّة، أم أنّه سيوسّع دائرة التحالف الحكومي ويعتمد أساساً على عامل الكفاءة؟". ولا شكّ في أنّه لكلّ احتمال، نتائج وتداعيات سياسية مختلفة.

من جهة أخرى، يبدو وضع الحريّات في تونس تحت المجهر، بعد انتخاب رئيس جديد. وفي حين يتساءل البعض عمّا إذا كان فوز السبسي سيحمل مؤشّرات تؤكد خشية أطراف عدّة حول احتمال حصول ردة سياسيّة، أو أن سياسته العمليّة ستكذّب هذه التوقّعات، فإنّ من شأن فوز المرزوقي، أن يُشكل مفاجأة من الحجم الثقيل. ويطرح فوز الأخير أسئلة كثيرة، من بينها كيف ستكون العلاقة خلال السنوات الخمس المقبلة بين رئيسي الجمهوريّة والحكومة، باعتبارهما رأسي السلطة التنفيذيّة؟

صحيح أن المرزوقي أكّد سابقاً بأنّه سيتعامل مع رئيس الحكومة المقبل، متسائلاً في الوقت ذاته إن كان الأخير مستعداً للتعامل معه كرئيس منتخب، لكنّه بغض النظر عن هذه التصريحات، فالمؤكّد أن ما شهدته الحملة الانتخابيّة، يوحي بوجود أزمة ثقة عميقة بين المرزوقي من جهة، وبين السبسي وحزبه من جهة أخرى. وسيكون من الصعب التخلّص من تداعيات هذه الأزمة خلال فترة وجيزة.

أخيرا، يمكن القول إنّ الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة خلّفت وراءها انقساماً حاداً في صفوف الطبقة السياسيّة والرأي العام. لهذا فإنّ من بين المهام العاجلة والمؤكدة المطروحة على الرئيس المقبل، مهما كان انتماؤه، أن يعمل جاهداً على أن يتجاوز ذاته وحساباته، وأن يتخطّى آثار الحملة الانتخابيّة وما قبلها ليكون رئيساً لكلّ التونسيين، ويجعل مصالح البلاد العليا المرجع الملزم له، وأن يعمل بقوّة مع بقيّة المؤسسات ومكوّنات النخب السياسيّة والمجتمع المدني من أجل إخراج تونس من دائرة الصراع وتعميق توجهها نحو تغليب الوفاق على الغلبة.