قررت السلطات التونسية غلق 187 مسجدا استولت عليها الجماعات السلفية خلال السنوات الأربع الماضية، وجعلت منها "أوكارا" لبث خطاب الكراهية والتحريض على العنف و"مكانا آمنا" لتجنيد الشباب في خلايا تتولى إرسالهم إلى سوريا والعراق، للقتال في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية".

يأتي ذلك، في وقت تشن فيه الأجهزة الأمنية حملات اعتقال للعناصر السلفية في مختلف أنحاء البلاد، في إطار تضييق الخناق على تحركات الخلايا الإرهابية على خلفية الهجوم الذي شنه تنظيم "الدولة الإسلامية" على المتحف الأثري، وذهب ضحيته أكثر من 70 شخصا بين قتيل وجريح أغلبهم من السياح الأجانب.

وقالت خلية الأزمة برئاسة الحكومة التونسية إنها اجتمعت مساء الاثنين بقصر قرطاج وقررت في أعقاب الاجتماع غلق المساجد التي بنيت بطريقة فوضوية ودون ترخيص مسبق من الجهات المعنية. كما أعلنت الخلية أنها قررت أيضا استرجاع كافة المساجد والجوامع التي بقيت خارج سيطرة الدولة والتي يعتلي منابرها أناس يبثون خطابا تكفيريا يحث على الكراهية والبغضاء.

وأقرت وزارة الداخلية الاثنين أنها رصدت 187 جامعا ومسجدا تم بناؤها بطريقة فوضوية بعد ثورة يناير 2011 من قبل الجماعات السلفية دون ترخيص مسبق من السلطات المعنية، مشيرة إلى أنها استرجعت مند أشهر بالتنسيق مع وزارة الداخلية والعدل وحقوق الإنسان 149 مسجدا كانت خارج سيطرتها، ويعتلي منابرها أئمة يبثون خطابا تكفيريا متشددا، وعينت أئمة يخضعون لإشراف الدولة.

وكانت تونس باشرت مند أشهر خطة لاسترجاع الجوامع والمساجد التي استولت عليها الجماعات السلفية الجهادية مكنتها من استرجاع 53 مسجدا وجامعا موزعة في كامل أنحاء البلاد.

وتأتي جماعة أنصار الشريعة المصنفة تنظيما إرهابيا والتي يتزعمها سيف الله بن حسين في صدارة الجماعات الجهادية التي تستولي على العشرات من المساجد والجوامع خاصة في الأحياء الشعبية المتاخمة لتونس العاصمة مثل "حي ابن خلدون" و"حي الانطلاقة" و"حي التضامن" و"حي دوار هيشر" و"حي السيجومي" و"وادي الليل" شمال العاصمة و"حي الملاسين" و"حي هلال" جنوب العاصمة.

وخلال السنوات الثلاث الماضية تحولت المساجد والجوامع التي استولى عليها تنظيم أنصار الشريعة إلى "فضاءات آمنة" لتجنيد الشباب العاطل والمحبط، في إطار خلايا عنقودية وإرساله إلى القتال في صفوف "الدولة الإسلامية".

وقالت السلطات التونسية إن منفذي الهجوم على متحف باردو بالعاصمة التونسية يرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية، وتلقوا تدريبات في معسكرات مخصصة للمقاتلين التونسيين، يعتقد أنها تحت إشراف أبو عياض، الذي فر من تونس عام 2012 واستقر بمنطقة درنة الليبية.

وخلال التحقيقات مع العشرات من عناصر الخلايا التي فككتها الأجهزة الأمنية في الفترة الماضية، اعترفت تلك العناصر بأنها تنشط في المساجد والجماعات التي تقع تحت سيطرة تنظيم "أنصار الشريعة"، ما ساعدها على تجنيد المئات من الشباب وإرساله إلى سوريا والعراق.

وتعود ظاهرة الاستيلاء على المساجد والجوامع في تونس إلى عام 2011 حين استغلت الجماعات السلفية الجهادية حالة الانفلات الأمني وما رافقها من غياب للدولة في المشهد السياسي والاجتماعي العام بالبلاد، لتبسط سيطرتها على أكثر من 900 مسجد وجامع بعد أن أنزلت بالقوة الأئمة من على المنابر بحجة أنهم تابعين لنظام بن علي الذي أطاحت به انتفاضة شعبية في يناير/كانون 2011.

وساهمت تلك المساجد والجوامع التي استولت عليها الجماعات السلفية الجهادية إلى حد كبير في تغذية العنف السياسي والتحريض على الكراهية والبغضاء، ولم يتردد أئمتها في إطلاق دعوات "الجهاد" في تونس كما ساهمت إلى حد كبير أيضا في ترحيل ما بين 3 آلاف و4 آلاف شاب إلى سوريا والعراق من بينهم 500 امرأة وهم يمثلون اليوم من أشرس المقاتلين في صفوف التنظيم الذي يقوده أبوبكر البغدادي.

وتطالب الأحزاب السياسية ونشطاء المجتمع المدني في تونس باسترجاع الدولة لكل المساجد والجوامع وإخضاعها إلى إشرافها وتحييدها عن الشأن السياسي باعتبارها دور عبادة مفتوحة لكل التونسيين، بقطع النظر عن انتماءاتهم الحزبية وتوجهاتهم السياسية ومرجعياتهم الفكرية.

*ميدل ايست أونلاين