أكد حمادي الجبالي، رئيس الحكومة التونسية الأسبق، والأمين العام السابق لحركة النهضة، أنه سيعلن عن قرار ترشحه للانتخابات الرئاسية من عدمه في الفترة القريبة المقبلة. وأوضح في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» أنه إذا قرر الترشح فسيتقدم كمرشح مستقل وينسحب كليا من «النهضة». وحول ما أعلنته قيادات «النهضة» من أنها لم تقبل استقالته من الأمانة العامة بعد، قال الجبالي إن الأمر محسوم بالنسبة له. «الشرق الأوسط» التقت حمادي الجبالي في بيته في تونس، وكان لها معه حوار في ما يلي نصه:

* عدت المعارضة التونسية، ووسائل الإعلام والمتابعون للشأن السياسي، استقالتكم من الأمانة العامة لحركة النهضة مجرد تمثيلية لتعزيز ودعم حظوظكم في الانتخابات الرئاسية بتقدمكم كمرشح مستقل.. ما رأيكم في هذه الآراء؟
- أكدت في البيان السابق الذي صدر بعد الاستقالة من الأمانة العامة أن هذا القرار نهائي ولا رجعة فيه.
* كيف تردون على من ربط هذه الاستقالة باستعدادكم لإعلان ترشحكم للانتخابات الرئاسية المقبلة؟
- الاستقالة ليست مرتبطة بالانتخابات، وأوضحت أنها لأسباب كثيرة ذاتية وموضوعية.
* هل تعد الاستقالة من الأمانة العامة انسحابا كليا من الحركة؟
- ليس بالضرورة انسحابي من الأمانة العامة انسحابا من الحزب، وما زلت أنتمي إلى «النهضة»، لكن إذا ترشحت للانتخابات، وهذا الشيء لم أقرره بعد، فإنني سأترشح مستقلا.
* ألا ترون أنه من الأحسن لــــو لــــم تستقيلـــوا مــن «النهضة» وترشحتــم تحت مظلتهـــا لتكسبوا دعمها؟
- تقديري أنه من الضروري أن يجمع المترشح بين التونسيين، وأن يكون مستقلا وينأى بنفسه عن التحزب. الرئاسة هي خيمة لكل التونسيين، وهذا ما سيصعب أن يتحقق إذا كان المرشح يمثل حزبا مهما كان حجمه، وتونس تحتاج إلى رئيس يعمل لكل التونسيين.
* هل هذه كانت قناعتكم منذ البداية أم أن رأيكم تأثر بعد سقوط حكومة «الإخوان» في مصر، وبعدما رأيتم مصير محمد مرسي؟
- منذ استقالتي من الحكومة، ومحاولتي تشكيل حكومة كفاءات وطنية، كنت مقتنعا بأننا نعيش فترة نحتاج فيها إلى حكومة تبتعد عن التجاذبات السياسية، ولها برنامج واضح بأن تعد الدستور وتنتقل إلى انتخابات سريعة، وكان من الممكن أن يتحقق هذا في سنة، لكن للأسف، ولأسباب مختلفة لا تعود فقط إلى «الترويكا» والأحزاب الحاكمة، لكنها ترجع كذلك إلى المعارضة وللوضع العام في تونس، تأخرنا. وأنا مقتنع بأنه لا بد في المرحلة القادمة بعد الانتخابات نفسها أن نواصل العمل على تحقيق فكرة حكومة ائتلافية وحكومة كفاءات وطنية، وأن يكون الرئيس فوق الأحزاب، لأنه في الفترة المقبلة ستواجه البلاد ظروفا اقتصادية واجتماعية وأمنية يصعب على أي حزب بيده حكم البلاد، ويواجه معارك مع خصوم من المعارضة، أن يواجهها، وهذه كانت قناعاتي قبل أحداث مصر.
وأرى أن تونس تحتاج إلى فترة وفاق تتراوح بين خمس وعشر سنوات.
* العوائق التي واجهتموها في رئاسة الحكومة واضطرتكم للاستقالة، ألا تخيفكم من الترشح للرئاسة؟
- هناك مسألة يجب أن نوضحها، وهي أن المعارضة وبعض الإعلاميين يعودون دائما لمقولة حمادي الجبالي «فشلنا»، وتمسكت بها المعارضة كدليل على أن «الترويكا» فشلت و«النهضة» فشلت، وهذه الحقيقة تدل على نية سيئة، وأنا لم أعلن أن حكومتي والترويكا فشلت في كل شيء، بل قلت فشلت في أشياء ونجحت في أشياء، وأكبر دليل هو وضعنا السياسي والدستوري الآن، أما بالنسبة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية فلا أتصور أن أي حكومة كان بإمكانها تجنبها.
وقد تكلمت منذ البداية بصراحة للتونسيين وقلت لهم إنني أتيت لفترة محددة، وطالت هذه الفترة، وهذا تتحمله أيضا المعارضة والمنظمات الاجتماعية والنقابية التي صعدت من ناحية الإضرابات والاحتجاجات، كذلك الوضع الأمني، إلى جانب مخلفات النظام السابق، وحتى حكومة الباجي قائد السبسي كلها مجتمعة. وفي كل الحالات نعد بقاء الدولة وتواصل التجربة وإعداد الدستور نجاحا وكسبا كبيرا لتونس. وإذا ترشحت للانتخابات فستكون تجربتي السابقة مع الحكومة رصيدا يُبنى عليه.
* هناك نقطة أثرتموها عدة مرات، وهي التراكمات التي خلفتها حكومة السبسي (الحكومة التي سبقت الانتخابات)..
- رغم أنني لا أريد أن أشخص الموضوع، لكن من المعروف الآن لدى الجميع ما قامت به حكومة السبسي قبل الانتخابات بمدة قصيرة خاصة في جانب الزيادات في الوظيفة العمومية من انتدابات كبيرة، والوضع الأمني كذلك كان متدهورا جدا. ولا أقول إن السبسي أو الجبالي فشلا، ولكن من الواضح أننا ورثنا وضعية صعبة جدا. وأؤكد أن تونس لا تتحمل الصدام، كما أنها لا تتحمل مفهومي الحكم والمعارضة التقليديين، ونعم هناك معارضة لكنها تحتاج إلى تضافر جهود تشاركية، والآن الدستور سيوجدها في الواقع.
* سُرب منذ بضعة أيام محضر من أحد مراكز التحقيق يتعلق بقضية تهريب وتزوير العملة بعد القبض على مجموعة من الأشخاص وإيقافهم بهذه التهم، والمحضر تضمن اعترافا لأحد المتهمين يقول بشكل صريح إنكم أنتم من تديرون هذه المجموعة ومن تمتلكون آلة تبييض ثم إعادة طباعة الأموال.. ما ردكم على هذا الموضوع؟
- الوثيقة التي تحمل اعتراف أحد المتهمين بتورطي شخصيا في قضية العملة نشرت على مواقع الـ«فيسبوك»، ومتعلقة بتحقيق جرى مع مجموعة في منطقة القصرين، حيث اكتشفت الشرطة أثناء تحقيقها معهم في جريمة قتل أن هذه المجموعة أيضا متورطة في تزييف عملة وتهريبها إلى ليبيا ثم تهريبها إلى الخارج، وأحد المتهمين ذكر في أقواله أن تبييض الأموال وتزويرها يجري باستعمال آلة يمتلكها حمادي الجبالي، تُبدل العملة إلى يورو.
* ما هو ردكم على ما جاء في الوثيقة؟
- في الحقيقة تفاجأت وصدمت خاصة بعد تفاعل الناس وتعليقاتهم الشاجبة لهذه الاتهامات. أنا لا أريد أن أتهم أي طرف، لكن الصيغة التي جاء فيها ذلك صيغة تبعث عن التساؤل، أولا لأن الوثيقة المسربة هي ورقة رسمية من الحرس الوطني في محافظة القصرين. وثمة أسئلة كبيرة يطرحها حول تحرير محضر القضية، والإشارة إلى أن هناك عصابة لحمادي الجبالي من طرف ضابط محقق، وأتساءل إن كان المحقق قد أطلع وأعلم وزير الداخلية وآمر الحرس الوطني بهذه الوثيقة.
* ومن جانبكم، هل ستكتفون بهذه التصريحات أم ستتحركون للمطالبة بالتحقيق؟
- هذا التسريب ذُكرت فيه شخصية وطنية، وبصرف النظر فإنني رئيس حكومة سابق، ويجب ألا يمر ذلك على أنه أمر عادي، وأرى أنه على المتهم الذي ذكرني أن يقدم الحجج التي لديه والبراهين، لأنني مهتم جدا بمعرفة من وراءه خاصة في هذه الظروف وهذا التوقيت الذي يسبق تحديد موعد الانتخابات. وسأطلب مقابلة السيد وزير الداخلية لتباحث هذه المسألة معه خلال الأيام القليلة المقبلة.
* هل تعدون أن ذكر اسمكم في هذه القضية وأقوال المتهم له علاقة بما يدور حول ترشحكم للرئاسة؟
- لا أرى تفسيرا آخر لذلك.