مرة أخرى يضرب الإرهاب، المُرتبط بتنظيمات تكفيرية، تونس التي أمضت ليلة الخميس على وقع عملية دموية في غرب البلاد، خلفت 14 قتيلا و18 جريحا بينهم 3 حالتهم خطيرة في صفوف القوات المسلحة.

فقد تمكن الإرهابيون المُتحصنون في مرتفعات جبل الشعانبي من محافظة القصرين (200 كلم غرب تونس العاصمة) من مباغتة وحدات من الجيش التونسي ومُهاجمتها بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية من نوع “آر بي جي”، وذلك قبل دقائق من ساعة إفطار اليوم الثامن عشر من شهر رمضان المبارك.

وقال العميد سهيل الشمنقي المسؤول عن العمليات في هيئة أركان جيش البر التونسي خلال مؤتمر صحفي عقده أمس الخميس، إن الإرهابيين استهدفوا موقعين عسكريين في نفس الوقت باستعمال الأسلحة الرشاشة وقذائف الـ”آر بي جي” والقنابل اليدوية، مما تسبب في سقوط 14 عسكريا منهم ضابط برتبة رائد، بالإضافة إلى 18 جريحا.

وأوضح أن 5 من العسكريين قُتلوا بالرصاص، بينما البقية وعددهم 9 ماتوا حرقا داخل خيمتهم التي استهدفت بقذائف الـ”آر بي جي” والقنابل اليدوية، لافتا في نفس الوقت إلى أن جنديا مازال في عداد المفقودين، حيث يُعتقد أن الإرهابيين قد خطفوه. وأضاف "يجب أن نعدّ أنفسنا لحرب طويلة الأمد (ضد الارهاب) ويجب أن نكون مستعدين نفسيا لتقبل خسائر أخرى"، لافتا إلى ان المسلحين الذين نفذوا العملية "متدربون".

وأشار إلى أن وحدات من القوات الخاصة شرعت في البحث عن الجندي المفقود، وإلى أن قوات الجيش “تمكنت خلال هذه المواجهات من قتل ارهابي يحمل الجنسية التونسية”، على حد تعبيره.

وأثارت هذه العملية الإرهابية سخط الشارع التونسي، فيما اكتفت الرئاسة التونسية بإعلان الحداد ثلاثة أيام على خلفية هذه العملية الإرهابية، التي وصفتها وللأسف الشديد بـ”الحادثة”.

ورأى مراقبون أن ردة فعل الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوقي كانت متوقعة، وهو الذي يوصف في وسائل الإعلام المحلية، ومواقع التواصل الاجتماعي بأنه “رئيس إعلان الحداد، وتعداد ضحايا الإرهاب”.

ولكن غير المتوقع هو وصف هذه الفاجعة الجديدة بـ”الحادثة”، ما دفع إلى بروز جملة من الأسئلة الحارقة التي مازلت تبحث عن إجابات شافية، خاصة وأن الرئيس المؤقت الذي هو في نفس الوقت القائد الأعلى للقوات المسلحة التونسية، سبق له أن أعلن أنه سيُحول جبل الشعانبي إلى “منتزه”، والحال أنه تحت سيطرة الإرهابيين.

وليس هذا فحسب، بل إن توقيت وتاريخ تنفيذ هذه العملية الإرهابية دفع إلى تساؤلات عديدة خاصة وأنها جاءت قبل يومين من الذكرى الأولى للعملية الإرهابية المماثلة التي استهدفت في شهر رمضان الماضي دورية للجيش التونسي في جبل الشعانبي الذي سبق للسلطات التونسية أن أعلنت أنه أصبح تحت سيطرتها.

وقال مازن الشريف الخبير الاستراتيجي في الشؤون الأمنية والعسكرية لـ”العرب”، إن توقيت تنفيذ هذه العمليــة الإرهابية له أكثر من مغزى ودلالة رمزيـــة تتخللها رسائل بالجملة موجهة إلى الرئيس المؤقت، وإلى حكومة مهدي جمعة، منها بالخصوص “أننا هنا ومازلنا قادرين على تنفيذ عملياتنا العسكرية في المكان والزمــان اللذين نريدهما”.

واعتبر أن هذه الرسالة بالغة الخطورة، خاصة أنها تُنذر بأن الجماعات الإرهابية دخلت في مرحلة التمكين ضمن سياق “إدارة التوحش”، وهي مرحلة تسبق النفير العام الذي يتضمن تنفيذ سلسلة من العمليات الدموية في نفس الوقت قبل الظهور العلني.

من جهة ثانية، أعلن وزير الداخليّة التونسي لطفي بن جدّو أمس الكشف عن خليتين إرهابيّتين الأولى بالعاصمة تونس، والثانية بسيدي بوعلي بمحافظة سوسة (شرق) وإيقاف 4 أشخاص كانوا يستعدون لتفجير مؤسسات حساسة.

كما أشار إلى إحباط عمليات إرهابيّة أخرى منذ انطلاق شهر رمضان تم خلالها اعتقال عدد كبير من الإرهابيين بينهم عدد من المطلوبين للعدالة. وأضاف أن السلطات الأمنية أحالت 2247 إرهابيّا إلى القضاء بين سنتي 2013 و 2014.

وتساءل خبراء ومحللون عن قدرة الجيش التونسي على حماية البلاد تجاه التحديات الداخلية والخارجية خاصة أن المواجهات المحدودة له مع المجموعات الإرهابية كشفت عن تواضع في إمكانياته.

وأكدوا أن الحادث بمثابة اختبار حقيقي للجيش التونسي لممارسة دوره الطبيعي، لافتين إلى أنه لو كان عدد القوات التونسية كافيا لما حدث هذا الاعتداء. وأشار المحللون إلى أن تضاؤل دور الجيش التونسي يعود في جانب منه إلى غياب الإرادة السياسية، متوقعين أن تثمر الضغوط الشعبية قرارات وقوانين جديدة تعزز دور الجيش وصلاحياته.

يُشار إلى أن “العرب” سبق لها أن حذرت في بداية الشهر الجاري من أن تونس مُقدمة على صيف ساخن، قد يصل للأسف إلى درجة الغليان، باعتبار أن المجموعات الإرهابية أثبتت من خلال تكتيكها الميداني أنها تملك عنصر المفاجأة، وقادرة على توجيه ضربات موجعة للقوات المسلحة التونسية.

وكتبت تحت عنوان “كابوس التفجيرات الإرهابية يُطبق على تونس ويُنبئ بصيف ساخن” أن رائحة التصعيد بدأت تفوح من تفجيرات جبال “ورغة” بشمال غرب البلاد، التي أسفرت في الثاني من الشهر الجاري عن مقتل أربعة عسكريين.

 

*نقلا عن العرب اللندنية