مازالت التطورات السياسية تتالى في تونس منذ اعلان الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو الماضي اجراءات استثنائية تضمنت تعليق أعمال البرلمان وحلّه لاحقا كما قام باقالة رئيس الحكومة السابق. وأقرّ سعيّد خارطة طريق سياسية بدأت باستشارة الكترونية على أن ينظم استفتاء شعبي في 25 يوليو المقبل حول دستور جديد، وصولا إلى انتخابات تشريعية نهاية العام الحالي.

وبالتزامن مع انطلاق الحوار الوطني الذي أثار جدلا كبيرا، تكشفت أبرز ملامح الدستور الجديد الذي أعلن الرئيس التونسي إنه سيستبدل به دستور 2014،عبر استفتاء يجري في 25 يوليو/تموز يعقبه إجراء انتخابات برلمانية جديدة في ديسمبر/كانون الأول،بهدف الوصول الى مشهد سياسي جديد يقطع مع الأحزاب التي اتهمها بالاضرار بالبلاد خلال السنوات الماضية.

الكشف عن ملامح الدستور الجديد جاء على لسان منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور "الجمهورية الجديدة" في تونس الصادق بلعيد،الذي قال أنه سيعرض على الرئيس قيس سعيّد، مسودة لدستور "لن تتضمن ذكر الإسلام كدين للدولة"،مشيرا إلى أن هذه الخطوة تأتي بهدف التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على غرار "حركة النهضة".

وينص الفصل الأول من الباب الأول للمبادئ العامّة لدستور 2014، أن "تونس دولة حرّة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها".وأكد بلعيد في مقابلة مع وكالة فرانس برس الاثنين،أن "ثمانون  في المئة من التونسيين ضد التطرف وضد توظيف الدين من أجل أهداف سياسية. وهذا ما سنفعله تحديدا وسنقوم بكل بساطة بتعديل الصيغة الحالية للفصل الأول".

وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد علّق العمل بأجزاء كبيرة من دستور 2014 نهاية سبتمبر الفائت وكلّف لجنة الشهر الفائت برئاسة بلعيد وهو أستاذ جامعي ومتخصص في القانون الدستوري (83 عاما)،لإعداد تعديلات في مشروع مسودة على أن ينظر فيها الرئيس،ولم يعلق سعيّد الباب الأول الذي يتضمن الفصل الأول المتعلق بالهوية الدينية للدولة التونسية.

وبحسب منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور "الجمهورية الجديدة"، فأن "هناك إمكانية محو الفصل الأول في صيغته الحالية".واشار الى إن عدم ذكر الإسلام الهدف منه "محاربة الأحزاب السياسية على غرار حركة النهضة" ،مشددا على أنه "إذا تم توظيف الدين من أجل التطرف السياسي فسنمنع ذلك"،وفق تعبيره.

وقال أستاذ القانون الدستوري، "لدينا أحزاب سياسية أياديها متسخة، أيها الديمقراطيون الفرنسيون والأوروبيون شئتم أم أبيتم، فنحن لا نقبل بأشخاص وسخين في ديمقراطيتنا".وأوضح بلعيد "النهضة وأحزاب أخرى تخدم الكثير من القوى أو الدول أو الدويلات الأجنبية التي تمتلك أموالا كثيرة وتريد إنفاقها كما يحلو لها وتوظفها للتدخل في شؤون الدول... هذه خيانة".

وأعلن الرئيس التونسي في 25 يوليو الماضي جملة من الاجراءات الاستثنائية وفق الفصل 80 من دستور 2014 من بينها تعليق أعمال البرلمان وحلّه لاحقا كما قام بإقالة رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي.وأقرّ سعيّد خارطة طريق سياسية بدأت باستشارة الكترونية على أن ينظم استفتاء شعبي في 25 يوليو المقبل حول دستور جديد، وصولا إلى انتخابات تشريعية نهاية العام الحالي.

ويرى مراقبون أنه منذ أن تمت المصادقة على دستور سنة 2014 بعد مخاض ثلاث سنوات، تعرض لانتقادات حادة خاصة في علاقة بتوزيع السلطات وخطوط التماس بين هذه السلطات ما يمكن أن يشعل صراعا بينها في اي وقت، وطالب الكثيرون حينها بتعديل هذا الدستور لاعتبارات عدة، لكن عملية التعديل بقيت مجرد معطى نظري يطفو على السطح.

وأكد الرئيس التونسي قيس سعيد مرات عدة في خطاباته أن النظام السياسي البرلماني المعدّل الذي أقره دستور 2014 لم يعد يتأقلم مع الوضع الحالي وكان سببا مباشرا في نشوب صراعات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وبين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية حتى وصل الأمر إلى تعطيل عجلة عمل الدولة.

وفي مايو الماضي، قال رئيس الجمهورية قيس سعيّد، خلال إشرافه،على اجتماع مجلس للوزراء، إن مواصلة بدستور 2014 كان سيؤدي إلى تفجير الدولة من الداخل. وأضاف أنه تم العمل منذ مدة على الإعداد لدستور جديد بصفة ديمقراطية.وتابع قوله "النص بالنص والقانون بمثله.. ستكون جمهورية جديدة تقوم على أسس متينة تضمن وحدة الدولة واستمرارها وتضمن حقوق التونسيين في حياة كريمة".

وانطلقت اللجنة التي يترأسها الصادق بلعيد السبت في حوار وطني رفضت الكثير الأحزاب الكبرى في البلاد والنقابات المشاركة فيه،بعل ابرزها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يعد أكبر القوى الفاعلة في المشهد السياسي التونسي،والذي رفض المشاركة في الحوار الوطني معلّلا قراره بأن المبادرة التي أطلقها سعيّد محاولة لفرض "سياسة الأمر الواقع".

وفي المقابل شهدت الجلسة الأولى من الحوار الوطني، حضور ممثلي عدة أحزاب سياسية ومنظمات وطنية وشخصيات مستقلة،وأكد بلعيد أن غياب الاتحاد العام التونسي للشغل لم يفشل عمل الجلسة، لافتاً إلى أن الباب ما زال مفتوحاً أمام المنظمة للالتحاق بالحوار، لكن دون شروط مسبقة،وأضاف "وإن لم ترغبوا فإن القطار سيغادر في الوقت المحدد".

من جانبه،قال رئيس حزب التحالف من أجل تونس، سرحان الناصري، إن "الانتظارات والمسؤوليات التي يتحمّلها الحوار الوطني كبيرة جدا".وأضاف في تصريح لاذاعة "الجوهرة أف أم" المحلية،أن "المسؤولية وطنية وتاريخية في المشاركة والمساهمة في صياغة الدستور الجديد والجمهورية الجديدة".مؤكدا أن "تونس تمر بأزمة حادّة وأنه لابد من أن ينبثق عن الحوار مخرجات تكون في مستوى انتظارات الشعب".

وطيلة السنوات العشر الماضية،عاشت تونس فترات من عدم الاستقرار السياسي،والأكيد أن الأزمة التونسية تزداد صعوبة يوما بعد يوم ومعها يزداد خطر انزلاق البلاد الى أوضاع أكثر سوءا خاصة على الصعيد الاقتصادي،ويرى كثيرون أن دوامة الصراعات السياسية التي تعيشها البلاد منذ فترة ستكون عواقبها وخيمة وأن التوافق هو السبيل الأمثل لاعادة البلاد الى مسارها الصحيح والخروج من عنق الزجاجة.