كان لا يغدو أن يُرى في الراهن الجزائري إلا من خلال الصور التي ينقلها التلفزيون أثناء أداءه رفقة أخيه الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" واجب الانتخاب في الاستحقاقات الجزائرية منذ 15 سنة الماضية، حين كانا يصطحبان معهما ابنيه وسط فضول إعلامي بدء بمعرفة اسمي الولدين قبل معرفة اسم السعيد أو ماهيته، و الآن من يريد أن يسأل عليه قد يته أو يحتار في تصنيفه وتقدير نفوذه أو حتى تقدير أمواله وودائعه. ببساطة القول هو الأخ الأصغر لرئيس و في ترجيحات المتتبعين هو الرئيس الفعلي للبلاد من خلف الستار. و وسط جدال وغموض ما يزال يدور حول شخصيته الغامضة ومدي نفوذه الآن ومدى مقدرته على مجابهة أعدائه بعدما صار الأخ الرئيس صاحب الحنكة والدهاء السياسي منذ الصغر قعيدا بسبب المرض ولا يبالي بجل ما حوله.

عائلة الرئيس تلم الشمل في كل مرة

يعد السعيد بوتفليقة الابن الأصغر من الوالد الذي توفي عام 1959 أي عام بعد مولده، فحين عانت الأم منصورية (توفيت في 2009)الأمرين بشتات الأسرة المحتوم في بعض الأحيان. فبعد استقلال الجزائر في 1962 دخلت الأسرة إلى البلاد بعدما كانت تعيش في مدينة وجدة المغربية الحدودية، وبعد أقل من سنتين من ذلك شدت العائلة الرحال إلى العاصمة التي أصبح فيها الابن الأكبر وزيرا في حكومة الرئيس "بن بلة" فحكومة الرئيس "بومدين". ودرس السعيد في مدارس العاصمة ابناً مدللا لأخيه الأكبر حتى عام 1883 حين غادر البلاد إلى فرنسا التي كان قد حل بها الأخ الأكبر الوزير الذي بات منفيا بعد طرده من قبل الجيش غداة وفاة الرئيس الأسبق هواري بومدين عام 1979. وكانت رحلة السعيد دراسية لإتمام شهادة الدكتوراه في العلوم الفيزيائية وبقي كذلك حتى دخل البلاد في 1987 رفقة أخيه المنفي لتلم العائلة شملها من جديد في بيت وسط العاصمة بعدما طردت من الإقامة التي كانت تحوزها وقت مهام الوزارة للابن "عبد العزيز". ويتحدث أقرباء وممن كانوا يعرفون العائلة عن قرب أن السعيد كابد لإتمام دراسته وعانى ماديا في وقت كانت الاتهامات قد وجهت لرئيس بوتفليقة وقتها بسرقته للمال العام وفراره الى باريس والخليج بعدها وهو ما اعتبر تشويها لصورة السياسية لا غير. وفيما راقب الأخ الرئيس الحالي سباق العودة للسياسة عن قرب بالعودة للجنة الحزب الواحدة وقتها، عاش الأخ الأصغر أستاذا محاضرا بجامعة باب الزوار حتى إعلان أخيه رئسا للبلاد في 15 افريل 1999. و أصبح الرئيس بعدها محاطا بأفراد عائلته،  فأخته زهور أصبحت مديرة للقصر تعتني بشؤونه وبمطبخ الرئيس الخاص، وأصبح مصطفى الذي -توفي في جوان  2010- الطبيب الأخصائي في الأنف والحنجرة الطبيب الشخصي للرئيس، وتم تعيينهم بصفة غير رسمية عدا السعيد الذي أصبح مستشاره بمرسوم غير منشور. أما الأخ الأخر عبد الناصر فيشغل منصبا ساميا بوزارة التكوين بحكم اختصاصه بعيدا عن القصر الرئاسي.  

الأستاذ الجامعي بات رئيسا من خلف الستار.

سنة 2008 نشرت الصحيفة الفرنسية (jeune Afrique  ) 50 اسما لرجال أعمال و مفكّرين و باحثين و صحفيين و سياسيين قالت أنهم الفاعلون والأكثر تأثيرا بالبلاد ومن بين الأسماء كان "السعيد بوتفليقة" شقيق الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة"  وكان عموم الجزائريين آنذاك يعرفونه مضطلعا بمهام مستشار الرئيس الخاص. و بغض النظر عن قرابته الأسرية من أخيه فمنصب مستشار في رئاسة الجمهورية يعني في الجزائر ذلك الرجال الذي يتكلم ويأمر بالهاتف فقط من مكتبه لكي يلبى له كل طلب. ووفق ذلك أصبح هاتف شقيق الرئيس مطلبا للمتسلقين ومحبي المناصب العليا ومطلب رجال القوى السياسية ورؤساء الأحزاب وحتى بعض القيادات العسكرية بالبلاد التي كانت تراهن على مناصب لها خلفا لبعض الأسماء القوية التي فعل بها كبر السن ما فعل.

مرض الرئيس القطرة التي أفاضت الشكوك

اليوم يسمى السعيد برجل الظل في النظام، و المعروف بطموحه وحنكته وتأثيره اللافت. وبرز للحياة الإعلامية بمفهوم الرجل الفاعل وقتما عاني الرئيس الجزائري من قرحة معدية عام 2005 حين نقل على إثرها إلى "فال دوغراس" الفرنسية وفي وقت تحركت فيه الآلة السياسية ضد نظام الحكم وفي وقت طفت فيه جليا صراعات عبد العزيز بوتفليقة مع المؤسسة العسكرية ظهر للعيان تدبير الأخ الصغير من خلال مجارات المعلومة بالإشاعة وضدها فمن الجزائريين من ضن أن الرئيس مات ومنهم من ضن انه مات سياسيا ولكن حقيقة الحال قالت أن الأخ السعيد هو الذي ولد سياسيا. وذكر حتى اسمه لخلافة أخيه مرارا وهو الذي مازال حتى الآن يرفض أن يبين للصحافة أو يدلي بمقابلة علنية. عاد الرئيس الجزائري معافى وعادت أسهم نفوذ الأخ صعودا وبقيت كذلك حتى في زمن اتهاماته بالضلوع وراء صفقات الفساد التي كان أبطالها مسؤولون سامون كوزير الطاقة الأسبق "شكيب خليل". ولكن الماء صب على الجمر في كل مرة.  

وفي وقت كان السجال السياسي الجزائري يحاكي مسألة تمديد عهدة رابعة للرئيس الذي ستنتهي عهدته بعد عام ونصف، فاجئ المرض من جديد عائلة الرئيس قبل الجزائر كلها بإعلان جلطة دماغية أصابت الرئيس في 27 افريل 2013 غادر البلاد على اثر ولم يعد إلا في 16 جوان من نفس السنة وهنا فرض السعيد بوتفليقة تعتيما إعلاميا طيلة فترة المعالجة في مستشفى "فال دوغراس" العسكري بفرنسا، وأصبح وحده من ينتقي المعلومات و يسدي التوصيات والتعليمات حتى للحكومة و للمسؤولين في الرئاسة و لوسائل الإعلام العمومية و الخاصة. ويتواصل المشهد الآن مع لعبه بخيوط اللعبة السياسية من الفوق، فيحرك أنصارا لمساندة أخيه لعهدة أخرى وهو الرئيس المريض المقعد وهو ما فعله مثلا مع "عمار سعيداني " الأمين العام للحزب العتيد جبهة التحرير الوطني بعدما كان الفاعل في تنصيبه وإبعاد الأمين العام السابق "عبد العزيز بلخادم" رفقة نظيره في حزب الآخر التجمع الديمقراطي رئيس الحكومة الأسبق "احمد اويحي" بعيد عن ضوء السياسة. وإن لم يغيب الموت الرئيس الحالي قد لا يكون في الجزائر مدني أو عسكري أو سياسي يثنى الأخ السعيد في الوصول إلى ما يراه هو وما لا تراه أعين المتتبعين و السياسين التي احتارت في المساندة أو عدمها وغابت عنها وصفة الطبخة الكبرى التي بات السعيد معدها بامتياز والتي لا تعدو أن تكون فيها مجمل التيارات السياسية إلا بهارات لإضفاء جمالية عن النكهة فقط.