يغامرون بحياتهم للوصول إلى ذهب القذافي المسروق الذي يباع سرا في ليبيا، بعضهم حصل على ثروة طائلة من تهريب السبائك الذهبية المسروقة من ليبيا وآخرون ماتوا أو سجنوا، أما المستفيد الوحيد فهم الأثرياء الذين تمكنوا من الحصول على سبائك ذهبية رخيصة الأثمان.

 تشير الساعة إلى الحادية عشر ليلا، نحن هنا ننتظر “موسى.م”،  الذي أفرجت عنه السلطات الليبية قبل أيام بعد أن ضبط لديه  4 كلغ من الذهب في شكل سبيكة اشتراها من مهرب ليبي. قضى موسى 6 أشهر في السجن، وتنقّل بين موقع احتجاز قوات ميلشيات ليبية، ثم إلى سجن تديره قوات الحكومة الليبية في مدينة الخمس شرق العاصمة طرابلس.

وأبدى موسى رغبة في سرد قصته شريطة عدم ذكر اسمه خوفا من مساءلته القانونية من قبل السلطات الجزائرية.

وقال موسى ساردا مغامرته للخبر الجزائرية، “كنت أعمل تاجر سيارات، وفي شهر أفريل 2011 اتصل بي صديق ليبي، يقيم في مدينة نالوت، وطلب مني المساعدة لبيع مجوهرات قال إنها لأسر ليبية تعاني أزمة مالية وقد رفض بعض الصاغة في غرداية التعامل معه بسبب الخوف.

“حينها تنقلت إلى  غرداية  ووجدت  صديقي في  فندق، واكتشفت أن الأمر يتعلق  بكمية من الذهب  يزيد وزنها عن 1 كلغ  عبارة عن مجوهرات، سهلت له المهمة،  وحصلت على 50 مليون سنتيم كعمولة، في ظرف أقل من يوم”.

“دفعني الطمع إلى أن أطلب منه  العمل في هذا النشاط وأبدى استعدادا لمساعدتي، وتنقلنا بعدها إلى مدينة الدبداب قرب الحدود،  لكنني  توقفت بسيارتي في مدينة عين أمناس، الجزائريون كانوا ممنوعين طبقا للتعليمات الأمنية في الحدود من المغادرة إلى ليبيا، بينما كانت الميليشيات الليبية تعتبر كل جزائري عدوا، وفي  هذا الجو المشحون تسللت دون سيارة  مشيا على الأقدام  عبر ممر سري بمساعدة مهرب من الدبداب  كانت تربطني به علاقة صداقة، أذكر جيدا أنني تسللت في ليلة 22 أفريل إلى ليبيا ودخلت مدينة غدامس قبل طلوع الفجر بمساعدة صديقي، وكانت هادئة تماما.

تنقلنا في الصباح عبر الطريق الرابط بين  غدامس  والعاصمة مرورا  بمدينة نالوت، توجهنا شمالا، حيث واجهتنا قوات تابعة للعقيد القذافي،  كنت   أحمل جواز سفر جزائريا، فتّشوا السيارة ثم سمحوا لي ومرافقي مواصلة الطريق،  وفي مدينة نالوت التقيت بتاجر المجوهرات الذي  عرض  علي  بيع  كمية كبيرة منها وفوجئت هنا بوجود عدد من التجار الكبار الجزائريين،  وكان هدفنا جميعا هو شراء الذهب الرخيص نسبيا، وقد اشتريت ذهبا بقيمة 30 ألف أورو  400 مليون سنتيم، بينما حملت بضائع لصديقي الليبي قيمتها 50 ألف أورو على أن أحصل على عمولتي، وسارت الأمور على ما يرام، حيث تسللت مجددا إلى الجزائر وتنقلت هذه المرة إلى وهران وبعت الذهب وحصلت على أرباح لم أتوقعها، ووقعت تحت سيطرة غريزة  الطمع.

وفي شهر سبتمبر 2011  كنت قد قمت بأربع رحلات إلى ليبيا، وحصلت على أرباح لم أحلم بها من بيع الذهب، وفي بداية هذا الشهر اتصل بي عبر الهاتف أحد التجار الليبيين من مدينة طرابلس كنت قد تعرفت عليه في رحلة سابقة وعرض عليّ شراء 4 سبائك ذهبية، وكنا نتحدث في الهاتف بالرموز، فكنا نسمي الذهب بالبطاطا  وأحيانا  الهريسة،  وتحركت الفكرة في رأسي وسيطرت عليّ، وقررت التسلل مجددا إلى ليبيا، ورغم التحذيرات من قبل صديقي القديم الذي قال إن الوضع خطير  بعد أن امتدت الاشتباكات إلى غدامس وغات قرب الحدود الجزائرية، لكنني   قررت التسلل بعد أن علمت من أصدقائي بأن تاجرا من غرداية حصل على  أكثر من مليار سنتيم كأرباح بعد أن باع سبائك ذهبية بالعاصمة في الجزائر.

تسللت في ليلة 28سبتمبر  إلى ليبيا ودخلت كالعادة  إلى غدامس وكانت الاشتباكات جارية وكنت متنكرا في زي  تارقي، و تخفيت على متن شاحنة تعمل على نقل المواد الغذائية إلى غدامس.

ونجحت بعد 3 أيام تقريبا من الوصول إلى مدينة الزاوية قرب طرابلس، وتم ترتيب لقاء مع التاجر الليبي بعد ظهر يوم 2 أكتوبر، وعرض عليّ 10 سبائك ذهبية للبيع اشتريت  2 منها واكتشفت في تلك اللحظة بأن السبائك مسروقة من بنك ليبي، حيث كانت تحمل ختما رسميا، لكن لم يكن عندي وقت  للتراجع  خاصة وأن سعر 1 كلغ من الذهب الليبي كان 18 ألف أورو فقط، وكنا نبيع السبيكة بـ400 مليون.

كنت أخطط للعودة  إلى الجزائر عبر تونس بالتسلل دائما، لأنني كنت ممنوعا من الدخول  إلى ليبيا، لكن الخطة تغيرت بعد أن اشتدت الاشتباكات في عدة مناطق بين من بقي حيا من أتباع القذافي في الحدود الليبية التونسية التي شهدت حالات فرار جماعية، قررت العودة عبر الجنوب، وغيّرت طريقي، حيث اتجهت إلى مدينة سبها، وكنت أخفي  الذهب داخل حقيبة ظهر خفيفة، وفي فجر 4 أكتوبر 2011 وفي المدخل الشمالي لمدينة سبها، صادفتنا مجموعة من ثوار ليبيا التي كانت تفتش كل السيارات القادمة من الشمال.

كنت على متن سيارة نقل جماعي، ملابسي التارڤية وشكلي دفعا أحد عناصر الحاجز إلى تفتيشي، واكتشف السبائك التي كانت بحوزتي، وفجأة انهال عليّ  أكثر من 10 عناصر بالضرب المبرح،  كانوا في البداية يعتقدون بأنني من ضباط جيش  القذافي الفارين، وبعد تفتيشي ثم العثور على بطاقة هويتي جعلهم يظنون أنني مرتزق في قوات القذافي.

نقلت بعدها إلى مبنى من طابقين، حيث وضعت في غرفة كان بها أكثر  من 40 شخصا أغلبهم من التوارڤ، وبعد يومين  دخل رجل بدين ومعه مسلحين عرفت فيما بعد أن اسمه مرتضى، صرخ  قائلا: “أريد الجزائري”، حينها كنت في حالة سيئة جدا بعد أن حرمت من الطعام لمدة يومين، اقتادني الحراس إلى غرفة في الطابق الأعلى وبدأ في استجوابي، كان يريد انتزاع اعترافا مني بالمشاركة في الجرائم ضد الشعب الليبي، كما يقول،  لكنني أنكرت وأكدت أنني مهرب ذهب فقط.

تواصل الاستنطاق ساعتين، تعرضت خلالهما لضرب لم أشاهده في حياتي، ثم تم إعادتي، إلى الغرفة، وكرر مرتضى التحقيق معي مجددا واضطررت للاعتراف بهوية تاجر الذهب  الذي باع لي السبائك، وطلبوا مني أن أكلمه في الهاتف، وأن أحدد معه موعدا وبعد اعترافي توقف الحراس عن ضربي  لكن الإهانات كانت تمارس عليّ يوميا سواء بالنسبة لي أو بالنسبة للسجناء الذين كنت أقاسمهم الغرفة.

تواصل احتجازي من أكتوبر 2011  إلى غاية  شهر  مارس 2012،  وعلمت بأنني محتجز في موقع تحقيق تابع لكتيبة شهداء سبها التي يقودها المدعو عيسى عبد الرحمن، وفي يوم 26 مارس من نفس السنة، دخلت قوات تابعة لمجموعة مرزوق التي قاتلت كتيبة شهداء سبها أخرى إلى الموقع وطلبت منا مغادرته جميعا، وخلال الأيام القليلة  التي تلت ذلك، تعيّن عليّ تدبير أمر عودتي إلى الجزائر دون أن أتعرض للمساءلة من قبل الأمن الجزائري واضطررت للاتصال بأقاربي من أجل تدبير مبلغ مالي وتسللت بمشقة شديدة إلى غدامس ومنها إلى الدبداب الجزائرية.