يقول أنصار الرئيس بوتفليقة إن تقدمه لعهدة رابعة نابع من رغبته في استكمال الأوراش التي بدأها، بما في ذلك جعل الجزائر بلدا ناشئاً وتشريع دستور جديد.

ولإقناع الناخبين للتصويت على عبد العزيز بوتفليقة (77 عاما) الذي يسعى للظفر بولاية رابعة في استحقاقات 17 أبريل المقبل، يقوم فريق حملته الانتخابية، التي يقودها عبد المالك سلال، بالترويج لحجة غريبة، مفادها أن تجديد عهدة الرئيس سيضمن الأمن والاستقرار للبلاد. فهل يعني هذا أن الجزائر، على الرغم من التقدم الاقتصادي والاجتماعي الذي لا يمكن إنكاره وتوهج دبلوماسيتها ومكانتها العسكرية في المنطقة، دولة هشة لدرجة الانهيار بمجرد حصول تناوب سياسي؟ إن التسويق السياسي لمثل هذه الأطروحات كافي للتقليل من حصيلة ثلاث ولايات لرئيس مرشح لخلافة نفسه مرة أخرى... لا شك أن مثل هذه القراءة واردة، لكن ليس في الجزائر.

ساهم قانون الوئام المدني، منذ خمسة عشر عاما على دخوله حيز التنفيذ عقب استفتاء 16 سبتمبر 1999، في استسلام أكثر من 6.000 من مقاتلي جيش الإنقاذ الإسلامي. بعد ذلك تلاه، في سبتمبر 2005، الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية، بعد أن عانى المجتمع الجزائري الويلات جراء الحرب الأهلية التي اندلعت في التسعينيات من القرن الماضي، وهي التي خلفت مائتي ألف قتيل وعشرين مليار دولار خسائر تكبدها الاقتصاد الوطني. وقد أدى الخوف من الانتكاسة إلى التحصن ضد عدوى ثورات "الربيع العربي"، مما أكسب النظام، على ما يبدو، مناعة كبيرة ضد أي تغيير.

السمعي-البصري ونهاية احتكار الدولة

يقول عمارة بنيونس، رئيس الحركة الشعبية الجزائرية ووزير التنمية الصناعية، الذي يدعم ترشيح عبد العزيز بوتفليقة، معلقا على حالة الجزائر: "في المنطقة، بلادنا ليست هي الاستثناء، لكنها مثال يقتدى به". وهي طريقة أخرى للقول إن الجزائر لم تصلها رياح الثورات التي هبت على المنطقة العربية، وذلك ليس راجع لتحصنها خوفا من عودة شبح الحركات الإسلامية الجهادية بقدر ما هو نتيجة للتقدم الذي أحرزته البلاد في الشق الاجتماعي وورش الديموقراطية.

لكن القيادي السابق في جبهة التحرير الوطني،  عبد العزيز بلخادم، الذي أصبح مستشاراً خاصاً للرئيس بوتفليقة منذ 13 مارس الماضي، وبرتبة وزير دولة، يقدم تفسيرا مغايرا، إذ يشدد على أن "ما جنب خروج الجزائريين للمناداة بالتغيير يعود بالأساس لانطلاق إصلاحات سياسية عميقة، شُرع في تنفيذها ابتداءً من 15 أبريل نيسان 2011 بمبادرة من رئيس الدولة".

فما هي هذه الإصلاحات؟ رفع حالة الطوارئ، بعد فرضها عام 1992 (علما أن حظر المظاهرات في العاصمة لا يزال ساري المفعول)؛ قانون جديد للأحزاب السياسية سمح لحوالي عشرين تشكيلا سياسيا من رؤية النور؛ زيادة ملموسة في تمثيلية النساء في المجالس المنتخبة، وهو ما لوحظ في الانتخابات البلدية والتشريعية لسنة 2012؛ هذا علاوة على القانون الأكثر أهمية، أي القانون السمعي-البصري، الذي أنهى احتكار الدولة لهذا القطاع.

إن التغيير الذي طرأ على هذا القطاع مكن المعارضة من الحضور بشكل أكبر في وسائل الإعلام. حقيقة كانت هناك أكثر من 140 يومية باللغة العربية والفرنسية، 90 ٪ منها منابر خاصة ذات توجهات تعلن معارضتها لرئيس الدولة. وعلى الرغم من إصدارها لأزيد من مليوني نسخة في اليوم، إلا أن تأثيرها على الرأي العام ظل ضعيفا وهامشيا مقارنة بـ "الكلام المقدس" الذي تبثه مساء كل ليلة على الساعة الثامنة القناة الإخبارية العمومية- التي يتابعها ما يفوق 12 مليون مشاهدا... ومع نهاية احتكار الدولة، رأت النور عشرات القنوات الخاصة، التي عملت على تسليط الضوء على: تظاهرات المعارضة، برامج حوارية لأطراف لا تحمل نفس الأفكار، تقارير ودراسات حول الشؤون الاقتصادية والقضائية، صور حصرية من داخل الأحياء الفقيرة... أصبحت الجزائر الحقيقية تظهر طوال اليوم على شاشات العشرات من القنوات التلفزيونية. وهو ما شكل تغييرا جذريا في حياة المواطن الجزائري الذي لم يكن ليرى هذا الانفتاح الإعلامي سوى على القنوات الأجنبية. لكن خمسين سنة من الاحتكار لم تكن لتمر دون أن تخلف ندوبا في المشهد الإعلامي بعلاقته مع المواطنين.

تحويل الجزائر إلى بلد ناشئ

لكن الالتزام الذي وعد به عبد العزيز بوتفليقة في خطاب 15 أبريل نيسان 2011، الذي لم يبرح قاعة الانتظار، هو مشروع تعديل الدستور، الذي يعتبر شهادة "ميلاد الجمهورية الثانية" كما يحلو لمؤيدي الرئيس المتحمسين تسميته. "لإتمام هذا المسلسل، يوضح عبد العزيز بلخادم، فإن الرئيس، رغم تبعات الوعكة الصحية التي ألمت به، فقد قدم ترشيحه". أما وعوده الانتخابية فهي: جعل الجزائر بلداً ناشئاً في أجل الخمس سنوات المقبلة، تحويل "الديمقراطية الشعبية" إلى ديمقراطية اجتماعية. إنه ورش كبير !