في الوقت الذي تتواصل فيه المعارك على تخوم العاصمة الليبية طرابلس بين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج،وسط تقدم ملحوظ للأول يؤشر الى قرب حسم المعركة المستمرة منذ اشهر،يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان محاولاته لتعقيد الأوضاع وتأجيج وتيرة الصراع دعما لحلفائه في ليبيا وتكريسا لاستمرار مسلسل الانقسامات والفوضى في البلاد.
ويبدو أن انتصارات الجيش الليبي وتقدمه الكبير أثارت جنون أردوغان الذي لم يجد بدا من التهديد بارسال قواته الى ليبيا في مشهد جديد يكشف نواياه المبيتة لاشعال البلاد.وربط أردوغان قراره بضرورة طلب حكومة الوفاق لذلك في محاولة لشرعنة وجود تركيا العسكري الذي يهدف أساسا نفوذ أنقرة في المنطقة.
وقال أردوغان في حديث لقناة "تي آر تي" التركية: "إذا أرادت ليبيا ذلك، فإن تركيا ستتخذ قراراً بشكل مستقل، ونحن لن نطلب إذناً من أحد بهذا الشأن، وتركيا مستعدة لتقدم أي دعم لليبيا".وأعرب  عن أمله بأن "يعيد بوتين نظره" بشأن قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، حسب قوله، محذراً من أن ليبيا قد تتحول إلى "سوريا أخرى" إن لم يحدث ذلك".
تصريحات أردوغان ليست بجديدة،فالرجل ومنذ اندلاع المعارك في العاصمة طرابلس سارع لحشر أنفه املا في دعم حلفائه من تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" التي تمثل ذراع أنقرة التخريبي في ليبيا والمنطقة.حيث يسعى الرئيس التركي لتمكين الجماعة من السيطرة على ليبيا خدمة لأجنداته في المنطقة والتي تلقت ضربة موجعة مع سقوط الجماعة في مصر ونهاية حكم البشير في السودان.
 وبدأ أردوغان تصريحاته العدوانية في أبريل الماضي،حين قال خلال الاجتماع التشاوري والتقييمي الـ28 لحزبه "العدالة والتنمية"، في العاصمة أنقرة إنه يوجد في ليبيا حكومة تتلقى شرعيتها من الشعب، ودكتاتور يتلقى الدعم من أوروبا وبعض الدول العربية، في إشارة إلى القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر.وأكد أردوغان أن تركيا ستقف بقوة إلى جانب الليبيين، كما فعلت في السابق، و"ستستنفر كل إمكاناتها لإفشال مساعي تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة".ولم يوضح أردوغان طبيعة هذه الإمكانيات التي يتحدث عنها إلا أن مراقبين إعتبروها إشارة صريحة منه بنيته توفير الدعم اللوجستي والمخابراتي بل وحتى العسكري لحكومة الوفاق ومجموعاتها المسلحة.
دعم تكشف بشكل واضح وصريح خلال الأشهر الماضية مع تتالي شحنات السلاح  أشهرها سفينة "أمازون" التركية، التي وصلت إلى ميناء طرابلس في 16 مايو الماضي، قادمة من ميناء سامسون التركي، وتحمل على متنها نحو 40 مدرعة، ثم أرسلت بعد أيام طائرة تركية من طراز "أنتينوف" تابعة لشركة أوكرانية قادمة من أنقرة وعلى متنها طائرات بدون طيّار.
ومثلت الأراضي الليبية مسرحا لتجريب تركيا لطائراتها المسيرة على غرار طائرات مقاتلة جديدة من نوع "بيرقدار تي بي 2"،التي كشف موقع أفريكا أنتلجنس -الوكالة المتخصصة في الأخبار السرية – مطلع يوليو الماضي،عن أن تركيا تستعد لمنح حكومة السراج ثماني منها،رغم استمرار الحظر على توريد السلاح إلى ليبيا الذي فرضه مجلس الأمن منذ 2011.
ووفرت الطائرات المسيّرة،غطاءً جوياً للميليشيات خلال اقتحام مدينة غريان، وكانت نقطة تحوّل أمالت الكفّة لصالح هذه المليشيات وفق ما أعلن الجيش الليبي.كما مارست الطائرات المسيرة التركية التي تجول في الأجواء الليبية بتواطئ من حكومة الوفاق،جرائم كبرى في حق الليبيين وسفكت دماءهم من خلال استهدافها للمدنيين في عدة مناطق من البلاد.
ومع كل هذا الدعم تواصلت خسائر المليشيات الموالية لأنقرة ليواصل أردوغان الكشف عن نواياه العدائية تجاه الجيش الليبي وسعيه لاحباط أي محاولة لانهاء الفوضى في بلد يعيش منذ العام 2011 أزمة خانقة.وظهر أردوغان في يوليو الماضي ليشن هجوما على قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر واصفا اياه بـ"القرصان".فيما وصف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو حفتر بأنه "لا يمتلك حسا إنسانيا ويستهدف الشعب الليبي بلا رحمة".
كل هذه التحركات والعدائية الكبيرة مثلت منطلقا لسؤال محير لدى الكثيرين:ماذا يريد أردوغان من ليبيا؟سؤال سرعان ما أجاب عنه الرئيس التركي بنفسه حين أكد في أكتوبر الماضي ان الاتراك يتواجدون في ليبيا وسوريا من أجل حقهم،وحق اخوانهم في المستقبل،على حد زعمه.وأضاف اوردوغان خلال كلمة له في منتدى آرتي باسطنبول أن الاتراك اليوم يتواجدون في جغرافيتهم احتراما لارث الأجداد ،فهم من نسل "يونس أمره" في اشارة الى القاضي العثماني الشهير.ووصف أوردوغان بلاده تركيا بوريث الامبراطورية العثمانية،مشيرا الى سعيه لاحياء  ما وصفه بالمجد القديم للأتراك.
تصريحات شكلت اعترافا واضحا وصريحا للاتهامات الموجهة للنظام التركي بمحاولة التوسع العسكري بالمنطقة العربية، حيث تنتشر قواعد عسكرية تركية في عدد من الدول،وهو ما يراه متابعون للشأن التركي رغبة من أردوغان في استعادة نفوذ الإمبراطورية العثمانية السابقة.وقد كشف الجيش الليبي في أغسطس الماضي،عن إفشاله مشروعا تركيا لإقامة قاعدة عسكرية في ليبيا، بالتعاون مع الجماعات الإرهابية،وهو ما يؤكد بحسب مراقبين للشأن التركي، مخاوف البعض من سعي أردوغان لتحقيق أحلامه السلطانية التوسعية.
ولا شك في أن نوايا أردوغان الاستعمارية لم تكن تعول فقط على حلفائه في ليبيا للسيطرة في البلاد،فالدعم العسكري الذي وفرته تركيا لحكومة الوفاق تجاوز شحنات السلاح والطائرات المسيرة ليصل الى الدفع بقواتها على الأرض.ففي سبتمبر الماضي أكد الجيش الليبي، لأول مرة منذ بدء الحرب في طرابلس،أنه رصد قوات تركية خاصة تقاتل الى جانب ميليشيات  طرابلس.حيث كشف مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني الليبي العميد خالد المحجوب،في تصريح لسكاي نيوز عربية،عن وجود قوات تركية خاصة تقاتل إلى جانب الميليشيات المتطرفة في العاصمة طرابلس.
ويشير التهديد الأخير لأردوغان بارسال قواته الى ليبيا في حال طلبت حكومة الوفاق ذلك،الى محاولته شرعنة تدخل أنقرة العسكري في البلاد،والذي بدأت أولى فصوله في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي، حين وقعت حكومة السراج وتركيا مذكرتي التفاهمات الأمنية والبحرية اللتين أثارتا رفضا محليا ودوليا واسعا.
 ووجدت حكومة الوفاق نفسها أمام مواجهة دولية بدأت مع اعلان اليونان،طرد السفير الليبي، احتجاجا على الاتفاقية،فيما أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري ووزير الشؤون الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، على عدم مشروعية الاتفاقية الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق، مشددين على أن السراج، قد تجاوز بتوقيعه للاتفاقية، الصلاحيات الممنوحة له بموجب الاتفاق السياسي. واعتبر الوزيران أن مذكرتي التفاهم تنتهكان قواعد القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن بشأن حظر السلاح إلى ليبيا.
ويشير متابعون للشأن الليبي الى ان الاتفاق الليبي التركي يمثل بوابة يسعى من خلالها أردوغان لزيادة الدعم العسكري لحلفائه وهو ما أكدته تصريحات  آمر سلاح المدفعية في عملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، العقيد فرج مصطفى إخليل،التي ألمح فيها إلى قرب وصول شحنة أسلحة ومعدات عسكرية وطائرات مسيّرة تركية جديدة إلى العاصمة طرابلس، لدعم الميليشيات المسلّحة في مواجهة تقدم قوات الجيش الليبي.
لكن أردوغان بات متخوفا من سقوط حلفائه في طرابلس وهو ما كشفت عنه تصريحاته على هامش قمة حلف الناتو التي احتضنتها العاصمة البريطانية لندن،حين قال إن "مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وليبيا حول تحديد الصلاحيات البحرية بين البلدين، ستحقق هدفها طالما تحلت الحكومة الشرعية في ليبيا بالصمود وبقيت متماسكة".ويبدو أن هذه المخاوف والشكوك هي ما دفع أردوغان لاعلان نيته ارسال قواته الى ليبيا.
مخاوف وشكوك عبر عنها أيضا مسؤولون في حكومة الوفاق على غرار وزير الخارجية المفوض محمد سيالة الذي لم يستبعد دخول الجيش الليبي الى طرابلس.وتعتبر هذه الشكوك طبيعية في ظل التطورات الميدانية المتسارعة التي تشير الى عزم الجيش الليبي حسم المعارك في العاصمة حيث دفع خلال الايام الماضية بتعزيزات كبيرة وتزامن ذلك مع تقدم قواته في كل المحاور.
  وتسعى جماعة الاخوان للتعويل على تركيا خدمة لأجنداتها وللحفاظ على آخر معاقلها في طرابلس وقد تكررت خلال الفترة الماضية دعوات قيادات اخوانية للتدخل التركي ضد الجيش الليبي والتي أحدثت ردود فعل غاضبة في الأوساط الليبية ووصف نشطاء ليبيون على مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات القيادات الإخوانية،بالخيانة،معربين عن رفضهم التدخل التركي أو القطري في الشأن الليبي.
ولا شك أن التدخل التركي في ليبيا يمثل خطرا كبيرا على البلاد حيث ستزداد حدة الصراع والفوضى وهو ما سيمثل مناخا مناسبا للتنظيمات الارهابية وعلى رأسها تنظيم "داعش" لاعادة الانتشار في البلاد وتكرار الفضائع التي مارسها خلال السنوات الماضية.كما أنه يمثل تهديدا لدول الجوار التي عانت خلال السنوات الماضية من تداعيات الأزمة الليبية
وكان الدكتور علي عبد العال،رئيس مجلس النواب المصري،أكد في وقت سابق إن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي ضد كل ما يهدد مصالحها، ولن تقبل أي عبث من أية دولة أجنبية على الحدود الغربية في دولة ليبيا.وذلك في تعقيب له على البيان العاجل من النائب مصطفى بكري، بشأن توقيع اتفاقية بحرية بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية، وفقا لبوابة "الأهرام" الحكومية.
وشدد عبد العال على أن الاتفاق "يمثل خطرا على مصر ويخالف اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"، موجها التحية لموقف الخارجية المصرية التي أعلنت رفضه.وأضاف "هذا الاتفاق مرفوض، وليس كل من ترادوه لحظات الجنون أن يعبث أو يقترب من الحدود الجوية أو البرية أو البحرية المصرية نسمح له بذلك".وتابع "لن نقف ولن نسمح بأي عبث في حدودنا أو على مقربة من حدودنا البحرية، وسنتصدى لهذه المهاترات التي تحدث في لحظات من الجنون لدى البعض".
ويرى مراقبون أن أطماع أردوغان وأحلامه تقودها نزعاته الاستعمارية التي تهدف لتكرار سيناريو تدخله في شمال سوريا والفضائع التي ارتكبها هناك،بهدف مد نفوذه عبر حلفائه.ويشير هؤلاء الى أن حكومة الوفاق باتت بوابة النظام التركي لاشعال الصراع في المنطقة وهو ما يدعو الى ضرورة توحد الدول العربية لوقف هذا الانفلات التركي المجنون الذي ستتجاوز تأثيراته الداخل الليبي لتشمل المنطقة والعالم ككل.