اعتبر ابرز قادة شريحة لحراطين والمناضلين ضد العبودية في موريتانيا ان الأمن و الاستقرار اللذين هما المقومان الأساسيان للسلم الاجتماعي وديمومة الأمة ،لا يًستمدان إلا من العدالة الاجتماعية التي هي حجر الزاوية لتدعيم الوحدة الوطنية.

وأكد قادة لحراطين في ميثاق مسيرة نظموها مساء امس "الثلثاء" على مضيهم في النضال من أجل استئصال الاستعباد والتهميش والظلم عن أبناء جلدتهم.

ويرى الكثير من المراقبين ان تحريك ملف العبودية في موريتانيا يهدف الى زعزعة أمن واستقرار البلد ,خاصة وان الحديث عن العبودية بمفهومها التقليدي ,هو مجرد افتراء تقوم به جهات معادية لاتريد لموريتانيا الخير.

حقيقة العبودية

مسألة الرق أو العبودية في أفريقيا خاصة فى موريتانيا وطول الساحل الأفريقى ليست كما يتم احيانا تصويرها من شراء للعبيد والجوارى ، كما تحاول بعض القنوات الاجنبية تصديره للعالم الخارجي, لكنها تقتصر على طبقة الحراطين وهي طبقة أصيلة في المجتمع الموريتانى لابيع فيها ولاشراء ، فهم من المزارعين الذين يعملون في أراضي الملاك بالسخرة وبدون أجر مقابل إيوائهم والإنفاق عليهم وتأمين متطلبات حياتهم دون الحق في الإعتراض.

ويتكفل الملاك بتزويجهم ورعايتهم اجتماعيا وصحيا مع أسرهم . وغالبا مايقيمون في نفس المكان بل ويخدم بعضهم أحيانا في بيوت الملاك.

ولايقتصر الرق على كون العبيد سودا من الزنوج والملاك من العرب أو البربر أو المور . فقد يكون المالك زنجيا أيضا . فظاهرة الرق  ليست حكرا على قومية أو لون أو عرق . بل موجودة فى كل القطاعات والمجموعات اللونية والإثنية فى موريتانيا.

وحتى فئة الحراطين نفسها  تتشكل من روافد عرقية متنوعة  وإن كان سواد البشرة هو الغالب . ربما لأنه منذ البداية كان العرب هم المحاربون والمدافعون عن البلاد ، والبربر هم الذين حفظوا الشريعة والدين واللغة العربية فكان معظم العلماء منهم ولم يكن يمكن اتخاذهم عبيدا .

 بينما توافد الافارقة عبر نهر السنغال هاربين من الفقر والقحط والجفاف في الجنوب إلى موريتانيا التى شهدت عصر نهضة ومجد ورخاء تجارى خاصة أيام دولة الصنهاجيين والمرابطين.

وقد تحرر اغلب العبيد الموريتانيين  بعد قوانين إلغاء الرق ، لكن المشكلة أن بعضا منهم يحن لأيام العبودية حين كان يجد الأكل والمأوى !

فالفقر والبطالة والظروف القاسية للبلاد جعلت الرق نظاما من العادات المتوارثة والمقبولة والتي لايوجد لها بديل أحيانا .

والغريب أن هناك علاقات بين الأسر المالكة والأسر المملوكة  تتسم غالبا بالدفء والمودة والارتباط العاطفي والإجتماعي .

الجذور التاريخية

يرجع الباحثون جذور الظاهرة في موريتانيا إلى الحروب والغارات التي كانت تدور بين القبائل خلال القرون الماضية، والتي غالبا ما تُسفر عن سبي أناس وانتزاعهم من ذويهم من أجل استرقاقهم، كما شكّـلت التجارة عبر الصحراء مصدرا لهذه الظاهرة، إذ كانت تتم مقايضة العبيد بالملح والصمغ والقماش في ممالك إفريقيا الغربية.

وقد ساعد النظام الطبقي الذي كان سائدا في المجتمع الموريتاني التقليدي، على وجود هذه الظاهرة، خصوصا أنه كان يوزع المجتمع طبقيا على أساس وظيفي، حيث أسندت لكل طبقة مهمّـة تقوم بها، ويأتي العبيد في أدنى درجات السلّـم الاجتماعي لهذه الطبقات، سواء لدى الأغلبية العربية أو الأقلية الزنجية.

بعد الاستقلال وقيام الدولة الحديثة ظلت مسألة العبودية في موريتانيا مثار جدل ونقاش ساخنين، خصوصا في العقود والسنوات الأخيرة، لتتحول من ظاهرة سيئة، خلّفتها الحِـقب التاريخية، و ما تزال آثارها حاضرة بقوة في المجتمع الموريتاني، وشاهدة على النتائج الوخيمة لاستعباد البشر بعضهم لبعض، إلى قضية مسيسة تحاول كثير من الأطراف داخل موريتانيا وخارجها أن تستغلها سياسيا.

جهود حثيثة

لاشك ان  قضية الرق تثير جدلا واسعا في موريتانيا فبينما تؤكد منظمات محاربة العبودية أن ممارسات الرق لا تزال قائمة في البلاد رغم حظر الرق بالقانون الصادر سنة 1981، تقول أوساط الحكومة ونشطاء منظمات حقوقية أخرى إن الرق لم يعد يمارس فعليا، وإنما توجد آثاره ومخلفاته كاالفقر والأمية والتخلف الاقتصادي والاجتماعي.

وأسست الحكومة الموريتانية العام الماضي، وكالة التضامن الوطنية لمحاربة آثار الاسترقاق، كما استحدثت محكمة خاصة تعنى بجرائم الاسترقاق، ضمن برامج حكومية موجهة لاستئصال الظاهرة.

ورغم تبنّي الحكومة للعديد من الإجراءات القانونيّة التّي تلغي الرقّ وتجرّمه، إلاّ أنّ هذه الظاهرة ما زالت موجودة، فموريتانيا تحتل المرتبة الأولى على رأس 162 دولة في العالم تنتشر فيها العبودية، حسب ما جاء في تقرير عن ‘مؤشر العبودية العالمية’ صدر عن منظمة ‘ووك فري’ سنة 2013.

وأوصى التقرير الحكومة الموريتانية بالقيام بدراسة مفصّلة حول الرق وإقرار آلية لتسهيل وصول ضحايا الاسترقاق للعدالة عبر تمكين المنظمات غير الحكومية من مساعدة الضحايا ومؤازرتهم قانونيا.