يعتبر العديد من المراقبين أن جولة العاهل المغربي الحالية في عدد من دول إفريقيا، يعد تكريسا لاستراتيجية يراهن عليها المغرب لاستعادة دوره الجيوسياسي داخل الفضاء الإفريقي. وهو في ذلك يستثمر نفوذه الروحي وعلاقاته التاريخية  مع الدول الإفريقية، والتي اتسمت بارتباطات تجارية ودينية عميقة.

ويعمل المغرب اليوم على تطوير علاقاته السياسية والدبلوماسية مع عدة دول إفريقية، بحيث وصلت تمثيلية المغرب الدبلوماسية بالقارة الإفريقية إلى 23.

فبعد أن خصصت المحطة الأولى من جولة الملك محمد السادس الإفريقية لمالي، تأتي المحطة الثانية في أبيدجان بساحل العاج، والتي كانت تحت شعار "الاقتصاد أولا" حيث  ترأس الملك محمد السادس، بحضور رجال أعمال عاجيين ومغاربة، افتتاح أشغال المنتدى الاقتصادي المغربي العاجي الذي قال "إنه تجسيد للحرص المشترك على تعزيز العلاقات القائمة بين المغرب وساحل العاج، وعلى إضفاء ديناميكية جديدة على التعاون الاقتصادي بين البلدين.

  وإن تنظيم هذا المنتدى بساحل العاج، يقول العاهل المغربي،  ولأول مرة خارج المغرب وعلى أرض إفريقية يعكس، حسب المراقبين، جودة العلاقات التي تربط البلدين، ويعد خير دليل على أهمية الروابط السياسية والاقتصادية التي تجمع المملكة بدول إفريقيا الوسطى والغربية.

وقال العاهل المغربي إن إفريقيا قارة كبيرة، بقواها الحية وبمواردها وإمكاناتها. فعليها أن تعتمد على إمكاناتها الذاتية. ذلك أنها لم تعد قارة مستعمرة، لذا فإفريقيا مطالبة اليوم بأن تضع ثقتها في إفريقيا.

ورغم ارتباطات المغرب مع أوربا فإنه ظـل يعتبـر نفسـه جزءا لا يتجزأ من الأسـرة الإفريقيـة الكبيرة على المستويات الجغرافية والثقافية والحضارية. وتجسدت هذه الرؤية بمبادرة الملك محمد السادس بعد أشهر معدودة على خلافه والده عان 1999، بالإعلان في القمة الأورو-افريقية الأولى بالقاهرة في ابريل عام 2000، قرار إلغاء المغرب لديونه المستحقة على الدول الإفريقية الأقل نموا وإعفاء منتوجاتها الواردة إلى المغرب من الرسوم الجمركية.

ويتوجه عبر إستراتيجية اقتصادية قوامها التضامن مع الدول الأفريقية إذ يبذل جهودا حثيثة من أجل إشراك القطاع الخاص في مسعى تعزيز التبادل التجاري والرفع من تدفق الاستثمارات المغربية في الفضاء الأفريقي.

وفي هذا الإطار تبرز أهمية جولة الملك محمد السادس الإفريقية في تعزيز الارتباطات الاقتصادية، والسياسية والدينية من خلال الزاوية التجانية، في أفق تعاون سمته التكامل الاقتصادي.

والمؤكد إذن أن المغرب بات يؤمن بأن نفوذه الاقتصادي في إفريقيا يمكن من استيعاب التطورات السياسية الإقليمية التي شهدتها القارة الإفريقية بعد انهيار نظام القدافي التذي ظل يهيمن على منظمة الاتحاد الإفريقي، وتحقيق موقع متقدم للمغرب في تجمع الساحل والصحراء.

والمغرب يحقق عبر دبلوماسية اقتصادية اختراقات سياسية كبيرة على المستوى الإفريقي.

ويساهـم المغرب في مشاريـع تنمويـة كبيـرة تخـص تجهيـز البنيـة التحتيـة للدول الإفريقيـة مثل التعليـم والصحـة والنقـل الجوي والاتصالات، وفي بناء السدود ومساهمة الخطوط الملكية المغربية، حيث تم إنشاء شركة طيران السنغال الدولية وشركة الغابون للطيران الدولية بمساهمة المغرب، وعلاوة على ذلك فإن المغرب يدعم القطاع الزراعي والفلاحي في العديد من دول القارة.

   الصحافة المغربية "ترى أن جولة الملك محمد السادس في إفريقيا، تؤكد أن التوجه نحو الجنوب خيار استراتيجي، وليس خيارا تكتيكيا يهدف إلى جني مكاسب سياسية، أو البحث عن نفوذ في دائرة السلطة".

 وأضافت  "انتبه المغرب إلى ضرورة تكريس هذا التوجه، بالنظر إلى عمق المغرب الإفريقي، والانفتاح على الجنوب، دون أن تتخلى عن ارتباطاتها الاقتصادية العميقة التي تربطها بالشمال، أوربا".