الجمعة 28 مارس، 2014، طنجة. اختار محمد السادس أن يؤدي صلاة الجمعة بمسجد طارق بن زياد الكائن في الحي الشعبي بني مكادة. خيار خارج عن المألوف. إنه المسجد الذي يلقي فيه الشيخ محمد الفزازي خطبة الجمعة، وهو أحد الشخصيات السلفية المعروفة على الصعيد المحلي. حكم عليه بالسجن ثلاثين سنة بعيد هجمات 2003 الإرهابية، وكان قد حظي بعفو ملكي بعد ثماني سنوات من سجنه. يتم بث مراسيم صلاة الجمعة مباشرة على شاشة التلفزيون، الملك محاط بوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزير الداخلية. تضمنت المراسيم قصائد في مدح الرسول، تلتها خطبة الشيخ الفزازي وانتهت بأداء الصلاة التي أمَّها الشيخ نفسه. إنه حدث غير مسبوق بالنظر إلى شخصية ومسار الشيخ، إن لم نقل أن هذا الحدث بمثابة تكريم له.

ليست هناك صدف، كما يقول الشاعر، إنما هناك مواعيد. وقد حدث أنني قبل بضعة أسابيع كنت قد تحدثت مطولا مع الشيخ الفزازي. حين التقيت به على هامش برنامج حواري على القناة الثانية دوزيم. كان موضوع الحلقة هو التكفير الذي صدر من أحد شيوخ السلفية ضد زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي تجرأ على التشكيك في أحكام القرآن بخصوص المساواة بين الرجل والمرأة. وقد كان الفزازي نجما لهذا اللقاء وبدا مدافعا عن المواقف التقليدية وعرف كيف يكسب تأييد الجمهور. كانت سهامه موجهة ل"العلمانيين"، مستحضرا في كل مناسبة سلطة الملك، أمير المؤمنين. كانت وجهة نظره بسيطة وصارمة: ليحيا الملك ولتسقط الحداثة! لم يكن هناك أي تردد في قبول اقتراح المقابلة وتم بالفعل أخذ موعد.

إنها عطلة نهاية أسبوع سلفي في مدينة طنجة قبل الزيارة الملكية بشهر واحد تحديدا. أولا خطبة الجمعة. بعدها، تم الاتفاق على موعد في أحد الفنادق. انتظرت طويلا في قاعة الانتظار بدون جدوى قبل أن أكتشف أنه هو الآخر كان في انتظاري - لكن في الخارج. "لا أستطيع الدخول، يُقدم الخمر هنا! لنذهب إلى مكان آخر".  منتجع سياحي مهجور، حيث وجدنا في نهاية المطاف كرسيين في غرفة كبيرة تُستخدم في حفلات الزفاف. دلني على باب قاعة الزفاف وقال أنه، عند الآذان، سيؤدي الصلاة مع الجماعة هناك. 
جولة طويلة على متن سيارته تعطينا فكرة واضحة عن شعبيته. الجميع يعرفه وهو يعرف الجميع. يُظهر توجسا تجاه طريقة اللباس، محتاطا بتحية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أيام السبت يعطي دروسا. وأيضا يوم الأحد، وهذه المرة في مكان أكثر راحة. طوال المقابلة، أظهر الشيخ قابلية نادرة ومقدرة محترمة على التواصل. بقصد أو غير قصد، يرفض الشيخ تسمية السلفية. بالاستماع إليه، نكتشف هذا الجانب من الإسلام المغربي الذي يزدهر في كنف المملكة الشريفة. يُفترض أن يكون مراقبا، لكنه يتوفر على جدول أعمال واضح، والذي ليس له أية علاقة بالحداثة.

جون أفريك: كيف هو التدين في المغرب؟ هل المغاربة أكثر أو أقل تدينا، لنتحدث عن العشر سنوات الأخيرة؟

محمد الفزازي: لا نتوفر على إحصائيات بخصوص هذا الموضوع. لكن يُلاحظ أن المساجد تكون أكثر ازدحاما يوم الجمعة. ويتوقف الاقبال على مكانة الأئمة والخطباء عند الناس. فمنهم من لا يستقطب أحدا وآخرون تتبعهم حشود كبيرة.

هل من أسماء؟

لا تتوقع مني أن أصرح بما هو سلبي في حق زملائي. لكن فيما يتعلق بطنجة، يمكن أن أذكر بعض الشيوخ المميزين مثل مصطفى البويحياوي ومحمد جردي ومحمد همامو.

وماذا عن الزمزمي؟

حصوله على مأذونية نقل "كريمة" [أي رخصة استغلال حافلة للنقل العمومي] كان له وقع سلبي على شعبيته. على أي حال، فهو الآن ممنوع من الوعظ.

هل هناك نساء أكثر من الرجال أثناء خطبك؟

من الطبيعي لا، فالمساحة المخصصة للرجال داخل المساجد تزيد أربعة أضعاف عن تلك المخصصة للنساء.

هل أنت خطيب رسمي؟

نعم، فقد تم تعييني من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سنة 1981. توقفت مهمتي بشكل طبيعي خلال فترة السجن (2003-2011)، بعد ذلك استأنفت عملي في يوليوز 2013، وبالضبط في يوم 26 من شهر رمضان.

كم تتقاضى كراتبك؟

لا تتجاوز أجرتي 1500 درهم.

هل تخضع لشروط أوتوجيهات معينة؟

قطعاً لا. لكن من نافلة القول أننا نحترم ثوابت الأمة من تلقاء أنفسنا : الإسلام، المذهب المالكي، الوحدة الترابية، ومؤسسات الدولة وعلى رأسها إمارة المؤمنين.

هل هناك أئمة سقطوا في أخطاء أو أظهروا نوعا من التقصير؟

يحدث أن تقوم الوزارة بتوقيف بعض الأئمة، مثل خطيب مسجد الإمام علي في مدينة فاس، الشيخ الخمليشي، الذي كان قد انتقد مهرجان موازين في 2013. مؤخرا، لقي إمام في الرباط نفس المصير، لكني لا أعرف سبب توقيفه. إضافة إلى قضية أبو النعيم الشهيرة، وكان قد تعرض للإيقاف حتى قبل خرجاته ضد الزعيم الاشتراكي، إدريس لشكر، لكن لا أعرف أيضا  دوافع إيقافه.

هل يمكن القول أن الفزازي شخصان؟

لماذا اثنين فقط؟ هناك كثيرون: الفزازي في البيت ليس هو الفزازي في المسجد.

أنا أقصد الجانب السياسي: الفزازي قبل هجمات 16 ماي 2003 والفزازي بعد الإفراج عنه في 2011.

إذا أردت، فذلك صحيح.

الفزازي الأول كان يؤيد بن لادن علنا.

بالطبع لا، فقد كان يؤيد الجهاد في أفغانستان ضد السوفييت.

لقد تحدث عن "الشيخ أسامة بن لادن، حفظه الله". تصريحاتك على قناة الجزيرة من الأمور التي لا تنسى.

شاركت فعلا في 1998 في برنامج الجزيرة "الاتجاه المعاكس". كان النقاش حول حقوق الإنسان مع شخصية عراقية. في 1999، دعيت لبرنامج حواري آخر، وهذه المرة مع مفتي سوريا وكان موضوع الحلقة حوار الأديان.

وعلى نفس القناة، قلت عن فرج فودة، المثقف المصري الذي قتل على يد الإسلاميين في يونيو 1992: "بارك الله في من قتله!"

هذا صحيح. ويؤسفني ذلك. لأنني الآن مقتنع بأن النقاش مع أمثال فرج فودة لا ينبغي أن يتحول إلى أعمال عنف، مما قد يؤدي الى الفوضى.

 في ذلك الوقت اتهمت العلماء المغاربة بالفساد ("يخضعون لسلطة الدرهم والريال") وكونهم تابعين للسعودية. حتى أنك ألفت كتابا بعنوان "عملاء لا علماء".

يؤسفني كل ما وقع آنذاك.  لم يكن من شأني الحكم على الآخرين.
ألم يكن رجال الدين السعوديين موجّهين؟

هذا صحيح. كنت ألومهم على دعمهم، دون تحفظ للأمريكيين، في حرب العراق. واليوم، أعتذر منهم جميعا.  لم أكن مخطئا في المبدأ، لكن في طريقة انتقادهم وتكفيرهم.

يوسف القرضاوي رئيس المجلس العالمي للعلماء، نال أيضا نصيبه بسبب مكانته.

كان الهدف المفضل لدي. كنت ألوم تسيبه العقائدي. أصبح معه كل شرعي (حلال). كان يوزع الفتاوى في كل الاتجاهات، يجيز بيع الكحول في متاجر أوروبا! لم يكن من حقي مهاجمته. وقد أتيحت لي الفرصة لمقابلته العام الماضي في القاهرة، واعتذرت منه.

جميع الأحزاب الإسلامية لم تسلم من انتقاداتك اللاذعة ...

كانوا في نظري زنادقة. لم أستسغ اعتناقهم للديمقراطية.

حول هذه النقطة بالذات، ما الذي جعلك تغير رأيك؟

في الحقيقة، الديمقراطيون هم الذين تغيروا. في عهد الحسن الثاني، كانت الديمقراطية صورية، كانت الانتخابات تتعرض للتزوير. أما اليوم، في العهد الجديد، فإن الوضع اختلف، الحياة السياسية تجري بشكل شفاف نوعا ما واللعبة الديمقراطية تتطابق بشكل أو بآخر مع الواقع. المنافسة بين الفاعلين السياسيين موجودة أو قابلة للوجود. والدليل على ذلك هو فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات وهو الآن يترأس الحكومة. الأمر الذي لم يكن بصوره ممكنا أيام الحسن الثاني.

الفزازي الأول كان له نشاط دولي مكثف ...

صحيح، كثيرا ما كنت أُدعى من قبل الجمعيات الثقافية في المملكة المتحدة وألمانيا وبلجيكا وإيطاليا والدنمارك ... وأيضا في الجزائر.  محاضراتي لم تخرج قط عن موضوع الإسلام.

ولكنك كنت مقيما، على ما يبدو، في هامبورغ في نفس الفترة التي كان فيها محمد عطا، زعيم كوماندو 11 سبتمبر.

لم اسمع ابدا عنه. لم أُقم في هامبورغ سوى عشرة أيام. ولم يكن لدي أي اتصال بالشبكات الجهادية.

هل قلنا كل شيء عن الفزازي الأول؟

لم نقل بعد أنني كنت معاديا للإرهاب منذ الأول ومع الجهاد لأجل الدفاع عن النفس. يستخدم الإرهاب الخداع ويضرب بشكل عشوائي المدنيين الأبرياء. إنه لا يخضع لأية قاعدة. أمر آخر، من الناحية السياسية، الإرهاب ينفذه أفراد أو شبكات سرية، بينما الجهاد شأن يرتبط بالدولة فهي التي تمتلك وسائل الدفاع. في هذا السياق فقط، الجهاد شرعي لأن الدولة هي من تقرره وتنفذه.

ما رأيك في 11 سبتمبر؟

إنه عمل إرهابي يتعارض مع التعاليم السماوية وليس من شيء يمكن أن يبرره.

هل كان هذا رأيك دائما؟

بالطبع. كما سبق أن أدنت هجمات مدريد [11 مارس 2004، 191 قتيلا، 1،400 جريح] واعتداءات لندن [7 يوليو 2005، 56 قتيلا، و 700 جريح]. وكذلك نددت بالحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق.

لنتكلم، إذا سمحت، عن هجمات 16 ماي 2003 في المغرب [45 قتيلا، بينهم 12 إرهابيا ومئات الجرحى]. ما هو رأيك؟

إنها كارثة بكل المقاييس، وأنا في المقام الأول أتكلم بصفتي ضحية لما أصابني جراء ذلك. فقد تم اعتقالي يوم 28 ماي على أساس أن أفكاري ألهمت الانتحاريين.

أية أفكار تحديدا؟

اعتبر البعض إصراري على الجهاد في أفغانستان على أنه دعوة إلى الجهاد بشكل عام وخاصة في المغرب. لكن هذه القراءة بعيدة جدا عن الحقيقة ولا يمكن بحال تصورها...

لكن من الممكن أن نفترض بسهولة أن بعض العقول الضعيفة أو المتحمسة قد تأثرت فعلا بأفكارك.

ولكن لم يكن لدي أي ارتباط بالدار البيضاء! انتظر، سوف أبوح لك بأمر في غاية الأهمية. كما تعلمون، اثنين من انتحاريي 16 ماي نجيا من الموت. وقد التقيت بأحدهما في سجن [عين البرجة] في 2003، اسمه محمد العمري. سألته عمن دفعه لتنفيذ العملية. لكنه لم يكن يعرف شيئا، لقد كان غير قادر على إيجاد أي جواب.

تعرف جيدا أنه كان هناك محرضون...

لكنني لا أعرفهم. مما لا شك فيه أنهم كانوا على صلة بالانتحاريين الذين قضوا في العملية.

ومع ذلك كان لديك، لنقل بشكل غير مباشر، نوعا من المسؤولية الأخلاقية بشأن ما حدث...

طبعا لا، طالما لا توجد علاقة بين أفغانستان والمغرب. الجهاد في أفغانستان استمر لثلاثين سنة. هذا مع العلم أن المجاهدين [طالبان] لم ينفذوا أبدا عمليات إرهابية خارج أفغانستان. إنه تنظيم القاعدة هو الذي أدخل مثل هذه الممارسات ولم يكن لدي اتصال يذكر مع هذه     الشبكات. 
ما هو تفسيركم لما حدث في 16 ماي؟

بالنسبة لي، لا يزال الغموض سيد الموقف. إنه لغز يتجاوز طاقتي على فهم حيثياته. كما تبقى هذه العملية، من الناحية السياسية، خطوة عبثية وبدون هدف ولم يستفد منها أحد. 
ما رأيك في ردة فعل الدولة؟

كان ردها قويا وحازما للغاية رغم التجاوزات التي سبق أن اعترف بها الملك عام 2005 في حوار مع جريدة الباييس الاسبانية، تجاوزات. وأنا في وضع جيد لتفسير حيثياتها لأنني عايشتها في حينها.

 كيف جرت محاكمتك؟

عندما أعلن القاضي عن التهمة الرئيسية الموجهة إلي، آخذني على التنظير للعملية الإرهابية. جوابي كان واضحا وقاطعا: إذا كان ذلك صحيحا، ما كنت لأقوم بذلك في الدا البيضاء بل في طنجة أثناء الدروس التي كنت أعطيها كل يوم. خصوصا وأن الأهداف المحتملة لمثل هذه العمليات الإرهابية لا تنقص في طنجة! لقد تحديت المحكمة وصرحت أمامها: إذا ثبت أن هناك صلة بيني وبين الانتحاريين فليُقطع رأسي! بعد ذلك، راسلت صاحب الجلالة أربع مرات ألتمس فيها براءتي، مذكرا بنفس الحجة.

هل تعرضت لسوء المعاملة أثناء احتجازك؟

نهائيا. لقد كنت دائما أُعامل باحترام. لكني ظللت، كباقي السجناء، طيلة الأشهر الستة الأولى، محروما من كل شيء، لا زيارت عائلية، بل حتى القرآن حرمت منه!

كيف تم تدبير دفاعك؟

تم تنصيب محام واحد للدفاع عني في هذه القضية، وهو السيد الإبراهيمي، فيما تكلفت عائلتي بدفع أتعابه بواسطة قرض بلغ 60.000 درهم.

كنا نعتقد أن السيد مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات الحالي هو من قام بهذه المهمة.

لقد كان ينوب عن حسن الكتاني وعبد الوهاب رفيقي (أبو حفص).

ماذا عن الحياة في السجن؟

في البداية، وضعنا في زنازين معزولة، قبل أن يتم تقسيمنا إلى مجموعات من ثلاث إلى أربع سجناء في كل زنزانة. في أوائل 2004 طرأ تحسن كبير على وضعيتنا، أصبحت أقرأ كثيرا، بل كنت أكتب قصائد شعرية.

 كيف تم الترتيب للإضراب عن الطعام؟

بفضل التنظيم الذي أنشأناه ​​في العلن في السجن. بدأ الإضراب في القنيطرة مع أبريل 2005، قبل أن يتعمم في السجون الأخرى، سلا، الدار البيضاء، طنجة، وجدة، مكناس، الخ. في المجموع، شمل حوالي 1.200 سجينا. وقد استمرت حركة الأضراب زهاء الشهر. امتنعنا خلال هذه الفترة عن الأكل وحتى عن الشرب. كان أحد المضربين مريضا فأسلم الروح. بالطبع كانت تصلنا أصداء استغلال هذه المأساة. ولتكسير الإضراب، فرقت السلطات الشيوخ: فتم ترحيل الحمدوشي إلى تطوان وأبو حفص إلى فاس وأنا إلى طنجة وهكذا دواليك. كانت تلك ضربة قاسية. عرف الإضراب بعد ذلك منعطفا مأساويا، حين دخل 25 من المضربين في غيبوبة. أما الطعام، فقد كنا نتوصل به باستمرار من عائلاتنا. كزعيم للحركة، بعثت رسالة إلى وزير العدل الاشتراكي، محمد بوزوبع، أدعوه فيها لتحمل مسؤولياته في هذا الملف، إثر ذلك عقد الحوار. وكانت النتيجة: الدعوة إلى إعادة النظر في الحكم أو العفو. كان إطلاق السراح مقررا  ابتداءً من ماي 2005 على أن يتم ذلك تدريجيا  بمناسبة الأعياد. وفي المقابل، قررنا تعليق الاضراب. بضعة أسابيع على ذلك، احترمت السلطة التزامها بإطلاق سراح 34 سجينا. وفي انتظار دورنا، كنا نُعامل معاملة خاصة: زيارات عائلية مطولة (نصف يوم)، رياضة، قنوات فضائية، الخ. ثم جاءت قضية الريادي (الهجوم على مقهى انترنت في الدار البيضاء في 2007). الحادث الذي بعثر الأمور وبتعبير أدق، أدى إلى توقف إطلاق سراح المعتقلين، مع الإبقاء على الامتيازات المذكورة، خاصة بالنسبة للشيوخ. لا أنكر أنه ما بين 2005 و 2011 كنت أعيش في ... فندق من فئة 5 نجوم. ومع هذا التغيير لم أنفق سنتيما واحدا تقريبا!

في مقابلة تاريخية مع الجريدة الأخرى صرحت بأنك ترفض العفو.

إنها مسألة مبدأ، فالأبرياء لا يطلبون العفو.

هذا ما قلته في 2005. بعد ذلك، غيرت موقفك.

فعلا قلت في 2010 أن العفو قد يكون وسيلة لتصحيح خطأ قضائي. ومن هذا المنطلق طلبنا العفو الملكي.

من أخبركم بهذه "الفتوى"؟

وكيل الملك.

أثناء اعتقالك، كانت لديك فرصة التشاور مع البرلمانيين ...

زارتنا لجنة تتألف من عشرة أعضاء ينتمون إلى اتجاهات مختلفة في 2005 للتحاور معنا. كنا نؤمن أنه لا يوجد موضوع لنتناقش فيه معهم فأغلقنا باب الحوار. نحن لا ندعم الإرهاب ولا نعادي الملكية. شخصيا، كيف يمكن لي أن أعارض مؤسسات الدولة بينما أنا بدوري موظف (مدرس وإمام مسجد) وزوجتي هي الأخرى مدرسة وابنتي طالبتين؟

كيف تُقيّم معالجة المغرب لقضية الإرهاب وهل هو مثال يقتدى به في الخارج؟

أبانت السلطة عن قدرة استباقية في اتخاذ تدابير احترازية ونجحت في تجفيف المصادر المحتملة للإرهاب. وقد رافق هذا العمل الكثير من الأخطاء والمظالم، وأنا أفضل مثال على ذلك، كما أكرر في كل مرة.

لنتكلم عن إطلاق سراحك.

حدث ذلك في 14 أبريل 2011. حظيت بعفو ملكي خارج أية مناسبة رفقة 91 سجينا، من بينهم الشيخ عبد الكريم الشاذلي، الذي أدين بنفس الحكم، ثلاثون سنة سجنا.

هل كان للرميد دور؟

على حد علمي، لم يكن هناك أي متدخل ومن أية جهة [حزب العدالة والتنمية أو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان]. يتعلق الأمر بقرار لجلالة الملك. ولهذا السبب، وحتى يومنا هذا، لم أشكر أحدا سوى صاحبة الجلالة. في المقابل، لعب السيد الرميد دورا رئيسيا في الإفراج عن الشيوخ: الحمدوشي والكتاني ورفيقي.

هل ساهم السياق السياسي الذي أعقب الربيع العربي في ليونة موقف السلطة؟

لا أعتقد ذلك، فما زال هناك معتقلين آخرين لم يشملهم بعد أي إجراء مماثل. لنكن واضحين، دعا الجميع لإطلاق سراحنا: حزب العدالة والتنمية وحركة 20 فبراير وكل جمعيات المجتمع المدني. ناهيك عن المظاهرات التي نظمتها عائلاتنا من دون توقف أمام السجون. بالإضافة إلى ذلك، لدي كل الأسباب للاعتقاد بأن تقارير الموظفين عن مواقفنا وسلوكنا كان لها دور أيضا. شيء واحد مؤكد: لقد أطلق النظام سراحي عندما تأكد بشكل قاطع من غياب أي صلة لي مع الإرهاب. كانت المصالح المختصة على قناعة تامة وكانت ترفع تقارير موضوعية إلى السدة العالية.

بعد إطلاق سراحك، لم تعد نفس الشخص لدرجة أننا يمكن الآن أن نتحدث عن الفزازي الثاني.

في الواقع، بدأ التغيير في السجن. ليس لأنني لم أعد إرهابيا - لم أكن كذلك قط - ولكن لأنني اتخذت قرار فتح النقاش مع كل من يختلف معي، إسلاميين كانوا أم غيرهم. ثانيا: موقفي من الدولة تغير تماما. الآن، أعتبر نفسي جزءً من هذه الدولة وإذا كان علينا محاربة الظلم والفساد، فإنه يتعين علينا فعل ذلك من داخل الدولة وليس من خارجها. مع النظام وليس ضده. ثالثا، لم أعد أرفض الديمقراطية.  وأنا متمسك بالعمل السياسي الذي يجب علينا تعزيزه وجني حسناته. لذلك أدليت بصوتي في الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية،  وكانت المرة الأولى.

لمن أعطيت صوتك؟

لا أرغب في الإخبار بذلك.

أنت أصبحت ملكيا حتى النخاع كما يقول الشباب. "الخلافة ليست هي الشكل الوحيد للسلطة وفقا للشريعة".

في الواقع، أمير المؤمنين هو الخليفة بالنسبة إلينا. يرجع تاريخ مصطلح أمير المؤمنين، كما تعلمون، إلى عهد عمر بن الخطاب خليفة الخليفة أبو بكر. ولتجنب تكرار مصطلح خليفة إلى ما لا نهاية [خليفة خليفة الخليفة ...]، تم اختيار مصطلح أمير المؤمنين.

أنت تعتبر الملك "الثائر الأول ضد الظلم"...

قلت ذلك عندما استبق الملك ثورة محتملة في خطاب 9 مارس 2011 التاريخي، وكانت خطوة مفاجئة لحركة 20 فبراير.

ألا تخاف من أن تُنعت بالانتهازي؟

أجبت مرة على هذا السؤال وقلت أنني لم أغير جلبابي!

هذا لا يعدو أن يكون "بوليتيك"، كما يقال في الجزائر. لماذا لا تمارس السياسة بشكل علني؟

كان لدي تصور أوائل 2012 لتأسيس حزب سياسي وقد اخترت له اسم حزب العلم والعمل . لكن تبين لي أن الظروف لم تكن ناضجة بما يكفي.

والآن؟

إن المناخ السياسي السائد متوتر للغاية وفيه تبادل للشتائم والاتهامات. إنشاء حزب في هذا التوقيت قد يزيد المشهد السياسي ارتباكا. في الوقت الراهن سأكرس نفسي لدعوة لأكون في خدمة الجميع وليس في خدمة حزب واحد.

هل اتصلت بك بعض الأحزاب؟

نعم، حزب العدالة والتنمية وحزب النهضة والفضيلة [وهو حزب إسلامي صغير]. لكني لم أتخذ أية خطوة وفضلت البقاء على علاقة جيدة مع الجميع.

تتميز بموقف مزدوج: دعم كامل للملكية وحرب شاملة على من تسمونهم بـ"العلمانيين" ...

كلمة حرب غير مناسبة هنا لأنني لا أشعر بالعداء تجاه العلمانيين. أنا فقط اختلف معهم فكريا وإيديولوجيا ومن ثم سياسيا. فباستثناء التزامنا بالسلم المدني والقضايا الوطنية، لا نتفق في أي شيء آخر. كما أننا لا نتوقف عن التحاور في إطار الاحترام المتبادل.

انزعاجك من خصمك الرئيسي، المثقف احمد عصيد، ينبع من كونه ملما بأمور الإسلام ...

بالعكس، إنه جاهل بها! أقول أن الإسلام ليس من تخصصه، حتى أبقى في حدود اللباقة.

ولكن لماذا يبقى الدين حكرا على "المتخصصين" فقط؟

نتحدث هنا عن العلوم الإسلامية التي تفترض فهم النصوص الدينية، وهذا هو الذي يستوجب تدخل المتخصصين.

بخصوص مبادرة ادريس لشكر، القيادي في الحزب الاشتراكي، الذي اقتراح فتح النقاش حول تعدد الزوجات واللامساواة في الإرث بين المرأة والرجل، أبديت موقفا غامضا. لم تكن، من حيث المبدأ، ضد  تكفير الزعيم الاشتراكي من قبل أحد شيوخ السلفية. ولكنك أيضا عارضت الطريقة التي تم التعبير بها عن هذا التكفير.

أنا ضد التكفير الذي يصدر عن الأفراد. التكفير هو شأن ومسؤولية المؤسسات المختصة، أي المجلس الأعلى للعلماء الذي يرأسه أمير المؤمنين.

في نقاشاتك مع الحداثيين كنت دائما تعمد لنوع من تكفير خصومك ...

هذا ليس صحيحا. أنا أعتبر خصومي مسلمين لكن جاهلين.

أنا لا أقول أي شيء آخر.

المسلم الجاهل ليس كافرا.

لكنك تستبعده من النقاش.

هذا صحيح تماما، لأنه، منطقيا، أول ما يجب على الجاهل هو التعلم! إذا كنت حقا أرفض النقاش، لماذا أنا دائما مستعد له؟ إنهم الأخرون، بدءًا بالأستاذ عصيد، من يرفضون النقاش. مؤخرا، في مؤتمر انعقد في وجدة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، 8 مارس، تنحى الجميع: نبيلة منيب، ادريس لشكر، سعيد السعدي ...

أنتم من الدعاة المتحمسين لتعدد الزوجات.

لأنها مسألة مشروعة على كل الأصعدة: وفقا للشريعة والقانون والأعراف.

مدونة الأسرة تضع شروطا وقواعد وتجعلها استثناءً يتطلب موافقة مسبقة للزوجة.

ولكن دفتر الحالة المدنية عندنا لا زال يخصص أربع صفحات للزوجات وصفحات غير محدودة للأبناء.

في القرآن الكريم، الآية التي تبرر تعدد الزوجات تشير إلى "مثنى وثلاث ورباع"، ولكن تشير أيضا بوضوح إلى "ما ملكت أيمانكم" ... لماذا تتوقفون عند منتصف الطريق؟

إحالتك دقيقة. هناك الكثير ما يقال حول هذا الموضوع، ولكن الوقت ليس مناسبا ...

عدم المساواة في الإرث كما شرعه القرآن كان يبرره وضع قوامة الرجل على المرأة. هذا الوضع تغير والمرأة الآن تعمل وتكسب عيشها.

ولكن هذا ليس بالضرورة تقدما! يجب أن يحتفظ الرجل بمكانته الطبيعية الأساسية. غير ذلك، سندخل في الحديث عن مجتمع آخر غير مسلم.

ماذا عن مبدأ المساواة العالمي بين الرجل والمرأة؟

يجب أن نتكلم عن التكامل بدلا من المساواة. وهذا لا يمنع المساواة بين الجنسين في بعض المجالات، مثل الإيمان أو الالتزامات - التي تشمل أيضا بعض الفروقات: كفرض الصلاة في  المسجد على الرجل لا المرأة. هذه الأخيرة تتمتع ببعض الامتيازات كالتوقف عن الصوم خلال فترة الحيض. التكامل لا يعني أن المرأة أقل درجة من الرجل.

ومع ذلك فالرجل هو الذي يتزوج أربع نساء!

ليس من قبيل الصدفة. لنفترض أن امرأة تزوجت رجلين وأصبحت حاملا. من يكون الأب؟ هذا المعطى لوحده يكفي لإنهاء أي نقاش حول تعدد الأزواج. أمر آخر، لا يجب إغفال حقيقة أن النساء اليوم أكثر من الرجال.

ما رأيكم في كتابات الدكتورة أسماء المرابط عن الحركة النسوية في الإسلام؟

آسف، لم أقرأ شيئا مما كتبت.

وما ذا عن الدستور التونسي؟

إنه دستور علماني مائة في المائة!

واستهلاك الكحول؟

القرآن والسنة وإجماع الأمة لا يختلفون في تحريمه. 
في المغرب، هناك تساهل في استهلاكه.

ماذا أملك سوى تذكير المسلمين بأنه حرام؟

ربما السعودية تشكل نموذجا في نظرك ...

أنت مخطئ: إنه نموذج مقلوب! مثال ذلك: الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات. لا علاقة لهذا بالشريعة.

و"شرطة الآداب" التي تجبر الناس على الصلاة في وقتها؟

هذا أمر فيه نقاش.

وقطع يد السارق؟

لا جدال في ذلك. القرآن واضح جدا في هذا الشأن.

يجب أن نسارع إذن إلى تطبيقها في جميع البلدان الإسلامية بدون استثناء؟

لست أنا من يقرر ذلك. الأمر موكول للسلطات المختصة.

نتحدث عن "إسلام مغربي" يتميز بالتسامح.

هناك إسلام واحد وهو مؤسس أصلا على قاعدة التسامح.

ربما سمعت بمقولة فولتير الشهيرة التي تعتبر معيارا للتسامح: " قد أختلف معك ولكني مستعد للموت في سبيل الدفاع عن حقك".

من المؤكد أنها كلمات جميلة. بالطبع، أنا أتفق مع هذه المقولة.

لماذا تقول أنك لست سلفيا؟

لأنها الحقيقة. أنا مسلم والقرآن يسمينا مسلمين وليس سلفيين. هذا وأصبح لهذا المصطلح في الآونة الأخيرة دلالة قدحية، بل أضحت مرادفا للإرهاب والتطرف والتعصب.

ألا يكون رفضكم لهذه التسمية مجرد  حيلة أو خدعة حرب؟

بل هي حقيقة الأمر الواقع.

باختصار، ماذا يعني لك الربيع العربي؟

ثورة عظيمة فشلت.

وما الذي تبقى منها؟

انهيار جدار الخوف وحرية التعبير بصوت عال. الأحرى أن نتحدث عن الربيع الديمقراطي حتى لا نستثني إخواننا الأمازيغ والأكراد...

موقفكم من الوضع في سوريا غامض: أنتم مع الجهاد، لكن لا ينبغي أن يذهب المغاربة إلى هناك.

الجهاد مسألة شرعية، لكنه من شأن السوريين. أعتقد أنه من غير المقبول أن يأتي السوريون إلى المغرب ليتسولوا أمام مساجدنا، في الوقت الذي يذهب فيه المغاربة إلى سوريا ليُقتلوا هباءً! نرى هناك مغاربة، وفيهم مواطنون من طنجة، يتناحرون فيما بينهم، موزعين بين جماعتين متنافستين (النصرة وداعش)!

ربما هناك قاعدة جديدة تتكون في سوريا.

كنت دائما ضد القاعدة، جديدة كانت أم قديمة، أساليبها لا تمت إلى الشريعة بصلة.

و ماذا عن مصر؟

مازالت مصر تعاني من تبعات الانقلاب على الديمقراطية والشرعية. أنا أُدين بشدة وبلا تردد اضطهاد الإخوان المسلمين والتعامل معهم كإرهابيين. إنها حماقة.

ما هو رأيك في محمد مرسي؟

إنه رئيس مصر الذي انتخبه الشعب.

وأخطاؤه؟

ومن منا من لم يرتكب أخطاءً؟

وليبيا؟

قبل عشرين سنة تنبأ الشيخ عبد الحميد كشك، الداعية المصري الشهير، بمصير الرئيس الليبي معمر القذافي، حين دعا الله علنا أن يلقى القذافي حتفه كالجرد وأن لا يوجد لقبره أثر. وهو ما حدث بالضبط.

والخميني؟

لقد ساندته كما الجميع إبان الثورة الإيرانية دون استحضار مخاطر التعصب الشيعي...

هل وصل التأثير إلى المغرب؟

أخشى ذلك للأسف، لكنه يبقى ضعيفا حتى الآن.

ما رأيك في التوافق الحاصل بين الولايات المتحدة وإيران؟

هذا لا يدعو للاستغراب.

لكن السعودية قلقة جدا، على ما يبدو...

وماذا بعد؟

ما هي مشاعرك تجاه الصراع بين السنة والشيعة؟

بمهاجمتهم صحابة النبي، ارتكب الشيعة جريمة لا تغتفر.

"الصيد إدمان حقيقي. مرتين أو ثلاثة في الأسبوع، أحس بحاجة لا تقاوم إلى البحر"

لنتحدث الآن عن محمد الفزازي الرجل.

ولدت سنة 1950 في قبيلة مرنيسة بين تاونات، ناحية فاس، وتازة. كان والدي، الشيخ محمد، خريج جامعة القرويين، قائدا في القوات المسلحة الملكية وكان خطيبا هناك برتبة مرشد ديني .  بنى بماله الخاص مسجد أبو بكر الصديق في فاس. هناك بدأت أتعلم علوم الشريعة.

أنت لا تتحدث أبدا عن والدتك.

اسمها ميمونة وهي منحدرة من نفس المنطقة. توفيت عندما كنت في السجن ولم يُسمح لي بحضور جنازتها. كنت ابنها الوحيد. كنت في الثانية من عمري عندما انفصلت عن والدي. وهكذا نشأت بعيدا عنها.

يحكى أنك قضيت مراهقة ماجنة ...

كنت بعيدا عن الدين، مولوع بالسينما والموسيقى العربية ومعجب بأم كلثوم ، عبد الوهاب، عبد الحليم، صباح فخري، أسمهان، فيروز... ومن جهة المغاربة كنت معجبا بعبد الهادي بلخياط، عبد الوهاب الدكالي ومحمد الحياني. كنت أحب الغناء وتأليف القصائد. وأيضا بالرسم والتصوير. كنت أرسم البورتريهات والمناظر الطبيعية ...

والرياضة؟

مارست كرة القدم. مع قامتي الطويلة، أكثر من 1.90، كنت ألعب كحارس مرمى.  مارست أيضا كرة اليد.

عطل صيفية لا تنسى على شاطئ مرتيل في الشمال ...

كنت أمكث مع عمتي شهرين، كلها متعة ونشاط.

 

"إضافة إلى الأناقة، كنت أحب الأغاني والنكتة بأي ثمن".

والنساء؟

كنت كباقي الشباب. لكن مع بعض التميز: زيادة على الأناقة، أحب الأغاني والنكتة بأي ثمن. تزوجت في سن 22 بابنة الشيخ محمد الجباري، وكان عمرها آنذاك 15 عاما، وأنجبت منها عشرة أبناء.

كيف حصل التحول في شخصيتك؟

في 1976، كان عمري 26 سنة عندما أصبت بالتيفويد ومكثت في مستشفى للعلاج  لمدة أسبوعين. حدث غريب اهتز له كياني بعمق: لا أحد من أصدقائي الذين لا يعدون، منهن الكثير من العلمانيين! اكترث لما حل بي أو فكر في زيارتي. وعلى العكس، فقيه إمام في مسجد والدي، والذي لا يترك فرصة تمر دون أن يلقي علي محاضرة وكنت أكره منه ذلك، هو من أبان عن موقف مختلف تماما. كان يعودني في المستشفى ويسأل عن أخباري بشكل مستمر. تأثرت كثيرا، بعدها بدأ التغيير. عندما تعافيت، ابتعدت عن أصدقائي وكرست نفسي لدراسة الإسلام. التهمت الكتب الكلاسيكية في الشريعة واللغة والنحو... ونهلت من علم كبار الشيوخ أمثال تقي الدين الهلالي والقاضي الزبير...

ماذا تبقى من ماضيك "العلماني"، كما تصفه؟              

الصيد، إنه إدمان حقيقي. مرتين أو ثلاثة في الأسبوع، أحس بحاجة لا تقاوم إلى البحر، وأحيانا أبقى فيه حتى منتصف الليل.

ما هو بالضبط مستواك الدراسي؟

في البداية تعلمت في المدرسة القرآنية. ثم التحقت سنة 1957 بالمدرسة 'العصرية' في الرباط وتخرجت منها في سنة 1970. التحقت بمهنة التدريس، حيث اشتغلت أستاذا للغة الفرنسية والرياضيات في فاس والمحمدية ثم طنجة أخيرا. وبالموازاة، تابعت دراستي الجامعية في مادة الدراسات الإسلامية للحصول على الإجازة.

لك العديد من الكتابات ...                              

كتابي الأول، "رسالة الإسلام"، كان انتقادا لعبد السلام ياسين [زعيم حركة العدل والإحسان]. صدرت منه 50.000 نسخة، نفذت كلها. تلاه حوالي عشرين كتابا في الشريعة والديمقراطية ومدونة الأسرة...

متى تزوجت للمرة الثانية؟

في سنة 1998، تزوجت بزميلة لي، أستاذة للغة الفرنسية، وسنها آنذاك 38 سنة. رزقنا بطفلين يبلغان على التوالي 14 و11 سنة. وفي سنة 2012، بعد خروجي من السجن، عقدت على زوجتي الثالثة وهي فلسطينية البالغة 34 سنة. التقينا في القاهرة. كانت صحفية وعملت كمخرجة تلفزيونية. رزقت منها بطفلة ونحن في انتظار خبر سعيد هذه الأيام [منذ ذلك الوقت ازدادت طفلة وأعطيناها اسم أمينة]. في المجموع، تتكون عائلتي من ثلاث زوجات و14 من الأبناء (منهم طفلان). والآن لدي 9 أحفاد.

كيف حصلت على موافقة الزوجة الأولى في ظل المدونة؟

إنه سر المهنة!

ومتى الرابعة؟

ليست هناك نية الآن لعدم توفر الإمكانيات اللازمة.

هل تسمح لي بالحديث عن دخلك؟

الأجرة التي تمنحها لي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مقابل إمامتي زيادة على معاش تقاعدي من التعليم لا يتجاوز 3000 درهم. لحسن الحظ، هناك التجارة. وربما غير معروف عني ذلك، فقد كنت تاجرا مزدهرا لزيت الزيتون. أستثمر أيضا في ميدان العقار. هذا بالإضافة إلى أن اثنتين من زوجاتي لهما دخل وتكسبان معيشتهن، أو بالأحرى معيشتنا. كما أن والدي رجل ميسور ويساعدني في بعض الأحيان.  أربعة من بناتي متزوجات ومستقرات في أوروبا، اثنتان في بروكسيل، واحدة في برشلونة والأخرى في هامبورغ. أشكر الله فعائلتي ملتئمة ومتضامنة.

هل تعيش زوجاتك الثلاث في نفس المنزل؟

كل واحدها مستقلة في شقتها وفي أحياء متفرقة. يجب أن تفرق لكي تسود!

هل يتفاهمن بشكل جيد؟

على أي حال، لا يعلنن الحرب علي. وهذا كثير.

أتصور أن لهن سلوكيات متباينة؟

هذا صحيح. عندما أخرج، تتمنى لي زوجتي الفلسطينية العودة سالما وبحالة جيدة. أما المغربيتان فتطلبان مني أن لا أنسى إخراج القمامة!

من الذي يهتم بالأطفال؟

أقوم بدوري وأساهم.

كان النبي يحب النساء كثيرا ...

أنت تعلم الحديث الذي يقول: "حبب إلي من الدنيا النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة". دعني أصحح لك: لم يكن النبي يحب النساء، ولكن نساءه. هناك فرق.

في نظرك إذن، الإسلام دين الرجال.

لقد جاء في القرآن الكريم أن الإسلام دين الإنسانية جمعاء.        

________

مقابلة حصرية ، طنجة، حميد برادة